بوادر تحوّل في السياسة الأميركيّة تجاه سورية

18 نوفمبر 2014
طلب أوباما مراجعة الاستراتيجيّة الأميركيّة حيال سورية (شيب سومودفيلا/Getty)
+ الخط -

يدأب الرئيس الأميركي باراك أوباما ومسؤولون أميركيون آخرون، منذ مدة طويلة، على إطلاق تصريحات تؤكّد أنّ الرئيس السوري بشار الأسد فقَدَ الشرعية، وليس شريكاً في محاربة الإرهاب، ولن يكون جزءاً من مستقبل سورية، ما يفيد بأنّ تصريحات أوباما الأخيرة، لناحية أنّ التعاون مع نظام الأسد سيؤدي إلى إضعاف التحالف الدولي الذي يحارب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ليست جديدة في روحيتها. ويبدو أنّ الجديد هو إشارة أوباما إلى أنّ إدارته لم تجرِ مراجعة شاملة لسياستها في سورية، في ردّ على ما تسرّب في الأيام الأخيرة من معلومات في هذا الشأن، إثر تزايد اتهام الإدارة الأميركية بعدم امتلاكها رؤية واستراتيجيّة واضحة حيال ما يجري في سورية، منذ ثلاثة أعوام ونصف، خصوصاً لناحية كيفية التعامل مع نظام الأسد ومعارضيه، وأخيراً طريقة التعامل مع التنظيمات المتطرفة، وخصوصاً "داعش".

وتذهب هذه الاتهامات إلى حدّ القول، إنّ ضعف إدارة أوباما وتردّدها في دعم المعارضة السوريّة، هو ما تسبّب في ظهور التنظيمات المتطرفة التي كانت الساحة السورية خالية منها لفترة طويلة نسبياً، وحتّى بعد ظهورها، ظلّت أضعف من كتائب الجيش الحر، لكنّها نمت وكبرت على مرأى ومسمع الإدارة الأميركيّة وأجهزة استخباراتها، ما أثار تكهّنات على نطاق واسع، خصوصاً في أوساط المعارضة السوريّة، بأنّ غضّ النظر عنها كان قراراً واعياً من جانب الأميركيين، وليس مجرد سوء تقدير.

وفي هذا السياق، يعتبر نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري، عبد الحكيم بشار، أنّ الاستراتيجية الأميركية تجاه سورية، "لا تخدم مسيرة الثورة ولا متطلّبات الشعب السوري، وهي تقوم على إدارة الصراع بدلاً من حله". ويرى أنّ "إصرار السياسة الأميركية على استراتيجيتها في التعامل مع الملف السوري يقود إلى تحفيز الصراع المذهبي في المنطقة، ويجعلها في حالة اضطراب وقلق طويلين، ما سيخلق المزيد من الأزمات، ليس على مستوى المنطقة فقط، بل على مستوى أوروبا أيضاً التي ستواجه سيلاً من اللاجئين، ما قد يسبب لها إشكاليات أمنيّة وضغوطا اقتصاديّة". ويذهب بشار، وفق تصريحات نشرها الائتلاف، إلى حدّ القول إنّ "أجندات الإدارة الأميركيّة ليست غير واضحة كما يصفها البعض، بل تقوم على استراتيجية محكمة ومدروسة ضحيتها المواطن السوري" على حدّ تعبيره.

وكان مسؤول في الإدارة الأميركيّة، رفض الكشف عن هويته، أبلغ محطة "سي إن إن"، أن أوباما "طلب من فريق الأمن القومي تقديم مراجعة للاستراتيجيّة الأميركيّة حيال سورية على ضوء واقع جديد، يشير إلى أن هزيمة داعش لن تكون ممكنة من دون حلّ سياسي يقضي برحيل الأسد عن السلطة".

ويعتبر المصدر نفسه أنّ الخطوة "تُعدّ تراجعاً عن الاتجاهات السابقة للإدارة الأميركيّة التي كانت تعتقد بإمكانيّة التركيز على ضرب التنظيم في العراق، ومن ثم استهداف مقاتليه في سورية من دون ضرورة التركيز على رحيل الأسد من السلطة". وبحسب المصدر، عقد أوباما خلال الأسبوع الماضي، أربعة اجتماعات في البيت الأبيض، لبحث هذه القضية في ضوء الخلاصة التي توصّل إليها، ومفادها أنّه "من أجل إلحاق الهزيمة بـ "داعش" في العراق، يجب هزيمته في سورية، ومن أجل هزيمته في سورية، لا بدّ من رحيل الأسد الذي يستفيد وحده من ضربات التحالف الدولي، ويحشد قواته لضرب "المعارضة المعتدلة" بعد أن كفّت غارات التحالف عنه تقريباً خطر "داعش". 

في موازاة ذلك، تنفي مصادر أخرى في الإدارة الأميركية وجود "مراجعة شاملة" للاستراتيجية، وإن كانت تقرّ بوجود قلق حول فاعلية بعض جوانبها. ويوضح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، أليستر باسكي، أنّ الاستراتيجية الأميركية حيال سورية لم تتبدل، مؤكداً "أنّنا سنواصل قصف تنظيم داعش مع حلفائنا في العراق، مع حرمانه من فرصة الحصول على ملجأ آمن في سورية". ويعتبر باسكي أن الأسد "يبقى المغناطيس الجاذب للمتطرفين إلى سورية، وسياسة واشنطن تقوم على تقوية المعارضة المعتدلة، بالتزامن مع فرض عقوبات دولية لعزل نظام الأسد".

ويقول مراقبون إنّ الإدارة الأميركية باتت على قناعة بأنّ التركيز على العراق بمفرده لن ينفع، خصوصاً وأن الجيش الحر الذي تراهن عليه واشنطن لقتال "داعش"، يخوض مواجهات أيضاً مع قوات النظام وجبهة النصرة، ما يتطلب إعطاء دفعة جدية لقضيّة إعادة تأهيل المعارضة السورية "المعتدلة" بشقيها العسكري والسياسي. وفي هذا السياق، يمكن فهم القرار الذي اتخذته إدارة أوباما، بإسناد مهمّة تدريب مقاتلي المعارضة إلى وكالة الاستخبارات الأميركيّة (سي أي إيه) بغية تسريع العملية، خصوصاً على ضوء الانتكاسات التي تعرّض لها فصيلا "جبهة ثوار سورية" وحركة "حزم"، المحسوبتان على المعارضة المعتدلة، في الآونة الاخيرة على يد "جبهة النصرة" في ريف إدلب.

وتبرز الحاجة إلى وجود مقاتلين "موثوق بهم" على الأرض في سورية، لحصد نتائج القصف الجوي الذي تقوم به طائرات التحالف في حال تراجع مقاتلي "داعش" عن بعض المناطق. ومن بين الخيارات المطروحة لمساعدة المعارضة السورية، إمكانية فرض منطقة حظر جوي عند الحدود التركية، وهو مطلب تركي طالما أشاحت واشنطن بوجهها عنه.

ولعلّ من بين دوافع بحث تعديل الاستراتيجية الأميركيّة، حالة التذمّر بين شركاء الولايات المتحدة في التحالف الدولي بشأن غياب رؤية واضحة لدى واشنطن للتخلّص من الأسد، أو جدول زمني للانتقال السياسي في سورية، وقد تبلّغت واشنطن ذلك من دول عدّة، بينها السعودية والإمارات وقطر وتركيا.

وفي هذا السياق، يندرج بيان مشترك أصدره السيناتوران الجمهوريان ليندساي غراهام وجون ماكين، يتطرقان فيه بإسهاب إلى وجوب وضع استراتيجيّة عسكريّة شاملة وأكثر عدلاً في سورية. ويعتبر الطرفان أنّ "قوات الأسد زادت بشكل كبير هجماتها الجويّة والبريّة على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، مستغلّة الضربات الجويّة لقوات التحالف". ويلفتان إلى أنّ "تجاهل اعتداءات الأسد مصحوباً بالتصريحات الرسميّة الأميركيّة بأن سورية ليست أولويّة في الحرب على داعش، دفع السوريين إلى الاعتقاد بأنّ الولايات المتحدة تخلّت عن الشعب السوري وتركته يذوق العذاب على أيدي الأسد وداعش".

ويرى غراهام وماكين أنّه "من غير الأخلاقي أن نطلب من مقاتلي المعارضة المعتدلة التضحية بحياتهم في الحرب على "داعش"، بينما نرفض حمايتهم من هجمات الأسد"، مطالبين الإدارة الأميركيّة بالتوفيق بين سياستها وتحرّكاتها الميدانية، عبر القيام بالمزيد لدعم قدرات الجيش الحرّ، ضمن استراتيجيّة شاملة، تحتوي إجراءات إضافيّة كإقامة مناطق آمنة تحميها مناطق حظر جوي في سورية بهدف حماية المجتمعات المحاصرة، من قنابل الأسد ومتفجّرات "داعش". وفي سياق متّصل، تورد صحيفة "واشنطن بوست" بأنّ أوباما، بما يقوم به الآن ضد "داعش"، يسمح للأسد باستخدام السلاح الكيميائي مرّة جديدة ضد شعبه"، مشيرة إلى أنّ "معهد دراسات الحرب رصد أدلّة على 18 هجمة بغاز الكلور في سورية، من قِبل النظام منذ بدء الضربات الجويّة الأميركيّة على "داعش" في أغسطس/آب الفائت".

والواقع أن كافة المؤشّرات المتاحة حتى الآن، تفيد بوجود بوادر مراجعة لسياسة إدارة أوباما حيال سورية، والتي تُعتبر بنظر كثيرين، السبب الأساسي لتعقيد الأزمة السورية، وإغراقها في متاهات عديدة كان يمكن تجنّبها، لو كان هناك سياسة أميركية قوية وحاسمة منذ بداية الأزمة.

المساهمون