استمع إلى الملخص
- أرسلت الإدارة الأميركية وزير الخارجية بلينكن إلى القاهرة للضغط على مصر، بدلاً من الضغط المباشر على نتنياهو، الذي يرفض التراجع عن خططه العسكرية.
- تستخدم الإدارة الأميركية ورقة الحرب في لبنان للضغط على مصر، معتبرة أن حل مشكلة محور صلاح الدين قد يساعد في تحقيق وقف إطلاق النار في غزة وتهدئة الوضع في لبنان.
بدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الاثنين وكأنها في سباق مع الوقت لحمل إسرائيل على صرف النظر عن القيام بعملية عسكرية واسعة ضد حزب الله في لبنان. ولتحقيق الغرض، توسلت انتزاع تراجع من مصر بخصوص محور صلاح الدين (فيلادلفي) بغية تقديمه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علّه يوافق على وقف إطلاق النار في غزة حسب المرحلة الأولى من خطة بايدن. المراهنة في ذلك أن تنسحب مفاعيل مثل هذا الاتفاق لو حصل، على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية وبما يؤدي إلى تبريد الوضع الساخن هناك، وبالتالي استباق انفجار كبير تزايدت التوقعات حول اقتراب موعده.
وعلى هذه الأرضية، تقرر أن يقوم وزير الخارجية أنتوني بلينكن بزيارة عاجلة للقاهرة. ومن سياق التحركات واللقاءات التي توالت اليوم، يبدو أن الإدارة بدلاً من الضغط الفعّال على نتنياهو وإجباره على التخلّي عن تعطيله لاتفاق وقف إطلاق النار الذي يحظى بإجماع دولي، اختارت الضغط على مصر لاسترضاء نتنياهو بمحور صلاح الدين (فيلادلفي)، ولا سيما أن المبعوث الخاص عاموس هوكشتاين لم يقوَ كالعادة، على انتزاع أي تزحزح من نتنياهو بعد لقائه معه الاثنين، عن قراره العسكري المرتقب على الحدود اللبنانية. وحتى لو نجح بلينكن في مهمته، فإنّ السوابق تقول إنّ نتنياهو لن يعدم الحيلة لنسف موضوع وقف إطلاق النار طالما بقيت الإدارة عازفة عن إجباره على ذلك.
وجاء قرار الزيارة بعد لقاء طويل أجراه الوزير، الاثنين، مع زعيم المعارضة الإسرائيلية يئير لبيد الذي شدد، خلال دردشة مع الصحافيين بعد خروجه من الاجتماع، على أهمية التوصل إلى وقف إطلاق نار. وقال إنّ "على إسرائيل أن تعمل ما في وسعها" لإنجاز هذا الهدف، مطالباً نتنياهو بأن "يدير البلاد بصورة أفضل". لكن بخصوص الوضع الذي ينذر بالاشتعال على الحدود مع لبنان، فقد بدا لبيد أنه على توافق مع نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت بشأن العملية العسكرية الوشيكة "ضد حزب الله، لو فشلت المحاولات التي نقوم بها مع الأميركيين لحل المشكلة" بالطرق السياسية، كما قال. بل يبدو أنه حظي بتفهم الإدارة لدواعي هذه العملية، وإلّا ما كان تحدث عنها بهذا الوضوح فور انتهاء مباحثاته مع المسؤولين في واشنطن.
ويبدو كذلك أنّ وضع ورقة الحرب في لبنان على الطاولة بهذه العجلة، ينطوي على محاولة لممارسة الضغط على مصر لحملها على التنازل بخصوص الممر الذي ترى الإدارة أن حل مشكلته يعطيها ورقة ضاغطة على نتنياهو لضبطه في لبنان. وقال المتحدث في الخارجية، ماثيو ميلر الاثنين: "إن من الصعب إنجاز حل دبلوماسي لهذا الوضع طالما بقي النزاع متواصلاً في غزة"، وكأنه يقول إن تساهل مصر في موضوع الممر يفتح الباب ليس فقط لوقف النار في القطاع، بل أيضاً لتعطيل فتيل الحرب في لبنان. لكن حتى بهذه الحدود، لا ضمانات. الخارجية كانت تقول إنّ احتمالات التسوية السياسية بين لبنان وإسرائيل "ممكنة".
والآن صارت "الأفضل" فقط، وبما يضمر بأن هذه الاحتمالات لم تعد ممكنة بعد أن أخذت واشنطن على ما يبدو، بذرائع حكومة نتنياهو لشنّ حرب موضعية مع حزب الله، ومنها "اضطرار" إسرائيل إلى ضمان عودة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم. وهي مسألة يجري تقديمها بصيغة تسلط الأضواء على جانبها الإنساني وبما يبرر استخدام القوة الكاسرة من أجلها.
يقابل ذلك مرور عابر على الشقاء الإنساني الفلسطيني في غزة كما في الضفة والاكتفاء بترداد عبارات صارت مجوّفة مثل "أن على إسرائيل أن تغير" تعاملها مع المدنيين، وأنّ الإدارة "فاتحت" الجهات الإسرائيلية المعنية بالشؤون الأمنية لحثها على "عدم الإفراط في استخدام القوة". وأقصى ما ذهبت إليه واشنطن في ردودها على العنف الدموي المفضوح في الآونة الأخيرة، كان إقدامها على فرض "عقوبات على مستوطنين متطرفين"، وكأن هناك مستوطنين "معتدلين"! أو كأن هذه العقوبات تشكل الرادع المطلوب.
واختارت إدارة بايدن منذ البداية العمل بالتخلي عن أوراقها وبسياسة رد الفعل على انتهاكات إسرائيل وتجاوزاتها. لذلك انتهت الزيارات التسع التي سبق أن قام بها الوزير بلينكن للمنطقة، إلى لا شيء. والعاشرة، اليوم الثلاثاء، لن تكون أفضل. نتنياهو قطع اليوم عليها الطريق مسبقاً من خلال إعلانه عزم حكومته على توسيع دائرة القتال في لبنان.