أعاد المشهد الأمني الذي خيّم على العاصمة البريطانية لندن أمس الأول الأربعاء، إلى الذاكرة، مشاهد الاستنفار الذي شهدته شوارع لندن يوم 7 يوليو/تموز من عام 2005، إثر هجوم إرهابي استهدف عدداً من محطات قطار الأنفاق وحافلة نقل عمومي، وأسفر عن مقتل 52 شخصاً، وإصابة حوالى 700 آخرين. وعلى الرغم من أن هجوم "الدهس والطعن" الذي استهدف مبنى البرلمان ومحيطه أول من أمس، لم يخلّف سوى ثلاثة قتلى، وحوالى 40 جريحاً، إلا أن الجهات الأمنية البريطانية تعاملت معه بكل حزم ومهنية، ذلك أنه استهدف "رمز الديمقراطية" البريطانية، وجرى في منطقة ويستمنستر التي تُعدّ "المربع السياسي" للمملكة المتحدة، حيث مقر مجلسي النواب واللوردات، ومقر مكتب وإقامة رئيسة الحكومة، ومقر الوزارات السيادية، والكثير من المصالح السياسية والأمنية. كما أن المنطقة التي وقع فيها الاعتداء، تُعد الوجه السياحي للعاصمة البريطانية، حيث برج ساعة "بيغ بن"، ودولاب "عين لندن" الشهير، وجسر ويستمنستر، وغيرها من المعالم التاريخية والسياحية الواقعة على ضفتي نهر التايمز.
وعلى الرغم من شحّ المعلومات التي أفادت بها الشرطة البريطانية، أو تلك التي قدّمتها رئيسة الوزراء تيريزا ماي أمام البرلمان أمس، إلا أن مجرد الكشف عن أن منفذ الاعتداء الذي أُعلن أن اسمه خالد مسعود (52 عاماً) هو "بريطاني المولد والجنسية"، كان كافياً لدق جرس الإنذار لدى أجهزة الأمن والشرطة، ذلك أن ما كانت تخشاه وتتحسب وقوعه منذ الهجمات الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015، قد حدث بالفعل.
وقالت ماي إن الإرهاب لن يسود، وحثّت البريطانيين على مواصلة حياتهم اليومية والتمسك بقيم البلاد. وأضافت في كلمة أمام البرلمان الذي استأنف جلساته أمس: "من المهم جداً في هذا الوقت أن نظهر أن قيمنا هي التي ستسود، وأن الإرهابيين لن ينتصروا، وأننا سنواصل حياتنا بنفس وحدة الهدف والقيم التي تجمعنا كأمة واحدة وضمان أن تلحق الهزيمة بالإرهابيين". وأوضحت أن منفذ الهجوم بريطاني المولد ومعروف لأجهزة الاستخبارات، مشيرة إلى أن جهاز الاستخبارات "إم.آي5" استجوبه قبل بضع سنوات في ما يتعلق بمخاوف من عنف المتطرفين. ومضت قائلة "كان شخصية هامشية... القضية قديمة"، مشيرة إلى أنه لم يكن داخل دائرة الضوء التي تسلط عليها الاستخبارات اهتمامها في الوقت الراهن، ولم تكن هناك معلومات لدى الاستخبارات عن نواياه أو عن خطة يدبرها.
من جهته، أعلن قائد وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية مارك رولي أن الشرطة ألقت القبض على سبعة أشخاص في إطار التحقيقات. فيما أكد وزير الدفاع مايكل فالون أن "الشرطة والوكالات التي نعتمد عليها في أمننا أحبطت عدداً كبيراً من الهجمات على هذه الشاكلة في الأعوام الأخيرة. أكثر من 12 هجوماً العام الماضي". وأوضح في حديث لإذاعة "بي.بي.سي" أن "مثل هذا النوع من الهجمات، هذا الهجوم المنفرد باستخدام أشياء نستعين بها في الحياة اليومية، سيارة وسكين، يكون تفاديه صعباً للغاية". وأضاف فالون: "نتعامل مع عدو إرهابي ليست له مطالب ولا يأخذ رهائن. لكنه ببساطة يريد أن يقتل أكبر عدد ممكن من الناس. هذا عنصر جديد في الإرهاب الدولي".
اقــرأ أيضاً
ولفت الأسلوب والأدوات التي استخدمها مُنفذ اعتداء الأربعاء، أجهزة الأمن إلى جانبين خطيرين في ما حدث. الأول أن منفذ الاعتداء، الذي سقط عن "رادار الأمن" خلال السنوات الأخيرة، كما قالت ماي، نفذ الهجوم وحيداً، وبوحي "من الإرهاب العالمي"، على حد تعبيرها. وإذا ما انتهت التحقيقات إلى أن المنفذ هو بالفعل "ذئب منفرد" قام بالعمل وحيداً، من دون تنسيق أو تخطيط مع آخرين، فهذا يعني أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي تبنّى العملية، والذي طالما هدد بريطانيا من قبل، قد نجح بإطلاق أول "الذئاب المنفردة"، بعيداً عن رادارات الاستخبارات البريطانية. وقالت وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم أمس إن "منفذ الهجوم أمام البرلمان البريطاني في لندن هو جندي للدولة الاسلامية ونفذ العملية استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف" الدولي.
أما الأمر الآخر الذي أثار حفيظة الأجهزة الأمنية البريطانية، فهو "أداة الجريمة"، سواء السيارة التي استُخدمت في دهس 40 شخصاً، أو السكين التي أودت بحياة شرطي، وكلاهما متوفرتين، وبمقدور أي شخص تحويلهما إلى أدوات قتل وإرهاب، بوحي من الأفكار الإرهابية، وبتقليد أعمال إرهابية وصلت إلى شوارع لندن، بعد أن ضربت شوارع باريس وبروكسل.
وقد يعيد "مكان ولادة الإرهابي"، وتأثره بالأفكار الإرهابية، وطبيعة الأدوات التي استخدمها في الهجوم، أجهزة الاستخبارات البريطانية إلى المربع الأول، إلى مراجعة كيفية حماية الشباب البريطاني من الأفكار المتطرفة، التي باتت "توحي" لهم بارتكاب جرائم مثل هجمات 7/7 أو اعتداء أول من أمس.
وكانت الأجهزة الأمنية البريطانية، التي تنبّهت إلى خطر تفشي الأفكار المتطرفة، تبنّت خلال الأعوام الأخيرة استراتيجية "احتواء التطرف في حرم الجامعات والمدارس"، إذ طلبت من الجامعات والمدارس العليا والسجون وهيئات مراقبة المجرمين والشرطة والمجالس المحلية تكثيف جهودها لمنع انخراط الشباب في الأنشطة الإرهابية. كما امتدت الإجراءات البريطانية لمكافحة الإرهاب إلى تعقّب كل من يدعم أو يتبنى الأفكار والأهداف الأيديولوجية للجماعات الإرهابية، لتشمل إغلاق المساجد التي تحرض على التطرف، ووقف الإذاعات والقنوات التلفزيونية التي تروج للفكر المتطرف، بالإضافة إلى حظر المنظمات المتطرفة، ومنح أجهزة الأمن صلاحية أوسع لرصد الاتصالات وتخزين بيانات المشتبه فيهم في إطار خطوات أسرع وإجراءات أشمل لتتبّع حركة الإرهابيين وإحباط هجمات محتملة، وإغلاق المكاتب والمقار التي يشتبه في تحريضها على التطرف وتبني إيديولوجية الكراهية. وتضمنت حزمة الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة البريطانية خلال العامين الماضيين، حظر "عودة الإرهابيين من الخارج"، وإلغاء جوازات سفر المشتبه بهم الموجودين في بريطانيا لمنعهم من السفر مرة أخرى.
وأدركت رئيسة الوزراء البريطانية، منذ كانت وزيرة للداخلية (2010 -2016) أن أساس المشكلة يكمن في تفشي "الفكر الإرهابي" الذي يتسلل إلى الشبان عن طريق المؤسسات التعليمية والدينية، ووسائل الإعلام الجديد، وبالتالي فإن المعالجة الأنسب ينبغي أن تركز على استئصال منابع الفكر الإرهابي. وعلى هذا الأساس، بدأت الحكومة البريطانية تنحو إلى إجراءات أكثر ميلاً إلى "إعادة تأهيل" العائدين من جبهات القتال بدلاً من إقصائهم، على اعتبار أن مثل هذا النهج قد أثبت جدواه في تجارب دول أخرى مثل الدنمارك والسويد. كما شرعت الحكومة منذ عام 2014 بتطبيق برنامج "القناة"، وهو جزء من استراتيجية حكومية لمكافحة التطرف ويهدف إلى إبعاد الناس عن التطرف بجميع أنواعه. ومع أن نتائج مثل هذه البرامج نادراً ما تثمر في "إعادة تأهيل" المتشددين، إلا أنها تبدو فعالة بالنسبة للأشخاص "المغرر بهم" والذين يشعرون بـ"الخطأ" و"الندم" لاحقاً.
وفي خطوة لمنع تسرب "الوحي الإرهابي" إلى الشباب البريطاني عبر القنوات الإلكترونية، أقر مجلس اللوردات البريطاني في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قانوناً جديداً منح الحكومة صلاحيات واسعة لمراقبة مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وحل شفرات الرسائل المكتوبة، ومراقبة المحادثات الصوتية المتبادلة بين المشتبه بضلوعهم في نشاطات إرهابية. وأعطى القانون الجديد صلاحيات للأجهزة الأمنية لإجبار الشركات على جعل هواتفها أقل أمناً لكي تتمكن أجهزة الاستخبارات من التنصت عليها. كما يمنح القانون أجهزة الحكومة سلطة إجبار شركات مثل "آبل و"غوغل" على المساعدة في اختراق هواتف الأشخاص. كما يُجبر التشريع الجديد شركات خدمة الإنترنت على الاحتفاظ بمعلومات مفصلة عن تصفح المستخدمين لمواقع الإنترنت طيلة عام كامل.
اقــرأ أيضاً
وعلى الرغم من شحّ المعلومات التي أفادت بها الشرطة البريطانية، أو تلك التي قدّمتها رئيسة الوزراء تيريزا ماي أمام البرلمان أمس، إلا أن مجرد الكشف عن أن منفذ الاعتداء الذي أُعلن أن اسمه خالد مسعود (52 عاماً) هو "بريطاني المولد والجنسية"، كان كافياً لدق جرس الإنذار لدى أجهزة الأمن والشرطة، ذلك أن ما كانت تخشاه وتتحسب وقوعه منذ الهجمات الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015، قد حدث بالفعل.
من جهته، أعلن قائد وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية مارك رولي أن الشرطة ألقت القبض على سبعة أشخاص في إطار التحقيقات. فيما أكد وزير الدفاع مايكل فالون أن "الشرطة والوكالات التي نعتمد عليها في أمننا أحبطت عدداً كبيراً من الهجمات على هذه الشاكلة في الأعوام الأخيرة. أكثر من 12 هجوماً العام الماضي". وأوضح في حديث لإذاعة "بي.بي.سي" أن "مثل هذا النوع من الهجمات، هذا الهجوم المنفرد باستخدام أشياء نستعين بها في الحياة اليومية، سيارة وسكين، يكون تفاديه صعباً للغاية". وأضاف فالون: "نتعامل مع عدو إرهابي ليست له مطالب ولا يأخذ رهائن. لكنه ببساطة يريد أن يقتل أكبر عدد ممكن من الناس. هذا عنصر جديد في الإرهاب الدولي".
ولفت الأسلوب والأدوات التي استخدمها مُنفذ اعتداء الأربعاء، أجهزة الأمن إلى جانبين خطيرين في ما حدث. الأول أن منفذ الاعتداء، الذي سقط عن "رادار الأمن" خلال السنوات الأخيرة، كما قالت ماي، نفذ الهجوم وحيداً، وبوحي "من الإرهاب العالمي"، على حد تعبيرها. وإذا ما انتهت التحقيقات إلى أن المنفذ هو بالفعل "ذئب منفرد" قام بالعمل وحيداً، من دون تنسيق أو تخطيط مع آخرين، فهذا يعني أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي تبنّى العملية، والذي طالما هدد بريطانيا من قبل، قد نجح بإطلاق أول "الذئاب المنفردة"، بعيداً عن رادارات الاستخبارات البريطانية. وقالت وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم أمس إن "منفذ الهجوم أمام البرلمان البريطاني في لندن هو جندي للدولة الاسلامية ونفذ العملية استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف" الدولي.
أما الأمر الآخر الذي أثار حفيظة الأجهزة الأمنية البريطانية، فهو "أداة الجريمة"، سواء السيارة التي استُخدمت في دهس 40 شخصاً، أو السكين التي أودت بحياة شرطي، وكلاهما متوفرتين، وبمقدور أي شخص تحويلهما إلى أدوات قتل وإرهاب، بوحي من الأفكار الإرهابية، وبتقليد أعمال إرهابية وصلت إلى شوارع لندن، بعد أن ضربت شوارع باريس وبروكسل.
وقد يعيد "مكان ولادة الإرهابي"، وتأثره بالأفكار الإرهابية، وطبيعة الأدوات التي استخدمها في الهجوم، أجهزة الاستخبارات البريطانية إلى المربع الأول، إلى مراجعة كيفية حماية الشباب البريطاني من الأفكار المتطرفة، التي باتت "توحي" لهم بارتكاب جرائم مثل هجمات 7/7 أو اعتداء أول من أمس.
وكانت الأجهزة الأمنية البريطانية، التي تنبّهت إلى خطر تفشي الأفكار المتطرفة، تبنّت خلال الأعوام الأخيرة استراتيجية "احتواء التطرف في حرم الجامعات والمدارس"، إذ طلبت من الجامعات والمدارس العليا والسجون وهيئات مراقبة المجرمين والشرطة والمجالس المحلية تكثيف جهودها لمنع انخراط الشباب في الأنشطة الإرهابية. كما امتدت الإجراءات البريطانية لمكافحة الإرهاب إلى تعقّب كل من يدعم أو يتبنى الأفكار والأهداف الأيديولوجية للجماعات الإرهابية، لتشمل إغلاق المساجد التي تحرض على التطرف، ووقف الإذاعات والقنوات التلفزيونية التي تروج للفكر المتطرف، بالإضافة إلى حظر المنظمات المتطرفة، ومنح أجهزة الأمن صلاحية أوسع لرصد الاتصالات وتخزين بيانات المشتبه فيهم في إطار خطوات أسرع وإجراءات أشمل لتتبّع حركة الإرهابيين وإحباط هجمات محتملة، وإغلاق المكاتب والمقار التي يشتبه في تحريضها على التطرف وتبني إيديولوجية الكراهية. وتضمنت حزمة الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة البريطانية خلال العامين الماضيين، حظر "عودة الإرهابيين من الخارج"، وإلغاء جوازات سفر المشتبه بهم الموجودين في بريطانيا لمنعهم من السفر مرة أخرى.
وفي خطوة لمنع تسرب "الوحي الإرهابي" إلى الشباب البريطاني عبر القنوات الإلكترونية، أقر مجلس اللوردات البريطاني في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قانوناً جديداً منح الحكومة صلاحيات واسعة لمراقبة مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وحل شفرات الرسائل المكتوبة، ومراقبة المحادثات الصوتية المتبادلة بين المشتبه بضلوعهم في نشاطات إرهابية. وأعطى القانون الجديد صلاحيات للأجهزة الأمنية لإجبار الشركات على جعل هواتفها أقل أمناً لكي تتمكن أجهزة الاستخبارات من التنصت عليها. كما يمنح القانون أجهزة الحكومة سلطة إجبار شركات مثل "آبل و"غوغل" على المساعدة في اختراق هواتف الأشخاص. كما يُجبر التشريع الجديد شركات خدمة الإنترنت على الاحتفاظ بمعلومات مفصلة عن تصفح المستخدمين لمواقع الإنترنت طيلة عام كامل.