بركان غضب في سيدي بوزيد: مهد الثورة التونسية تريد إنصافها

17 ديسمبر 2020
لا يزال الغضب مشتعلاً في سيدي بوزيد (ياسين القايضي/الأناضول)
+ الخط -

في بيتها المتواضع بمدينة منزل بوزيان، التابعة إدارياً لولاية سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية في الوسط الغربي لتونس، تسترجع تركية، التي تجاوزت الـ70 عاماً من عمرها، وضع مدينتها التي انتفضت قبل عشرة أعوام ضد التهميش والإقصاء، قبل أن تستنتج أن "لا شيئاً تغير". وتؤكد تركية لـ"العربي الجديد" أنها تتقاضى 180 ديناراً شهرياً (قرابة 66 دولاراً)  كمنحة للعائلات المعوزة مخصصة للعلاج والنفقات. وتشكو من أن هذه المنحة لم تتغير منذ سنوات على الرغم من غلاء المعيشة وظروف العيش الصعبة، مشيرة إلى أن وضع الفئات الهشة والطبقات الكادحة لم يشهد أي تغيير بل هو في تراجع مستمر.
فحال منزل بوزيان (التي تبعد 60 كيلومتراً عن مركز الولاية) لا يختلف كثيراً عن معتمديات سيدي بوزيد، المكناسي والرقاب وأولاد حفوز، وبئر الحفي والمزونة وجلمة والسبالة، إذ لا تزال جلّ هذه المناطق المهمشة منسية، ما جعل الاحتجاجات فيها كعجلةٍ لا تتوقف، وكفوهة بركان لم تهدأ بعد، أو تأبى أن تخمد.

رصدت العديد من المشاريع لسيدي بوزيد في كل الميزانيات منذ الثورة، لكنها لم تجد طريقها للتنفيذ

ولم ينطفئ الحراك الشعبي في سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية. فعلى الرغم من مرور 10 سنوات على إضرام محمد البوعزيزي النار في جسده، واندلاع الشرارة الأولى للثورة، إلا أن المطالب الشعبية للتنمية والتشغيل تراوح مكانها. ويحيي أهالي سيدي بوزيد، اليوم الخميس، الذكرى العاشرة للثورة، وفِي النفوس أمنيات ومطالب لم تشق طريقها للتنفيذ. هو غضب قديم متجدد، ويترجم نفسه باحتجاجات تجوب المكناسي ومنزل بوزيان وسيدي بوزيد. تارةً، يرتفع صوت العاطلين عن العمل والمُهمشين، وطوراً يثور عُمّال الحضائر (أصحاب عقود العمل المؤقتة)، وجميع الكادحين من أجل الحقّ في العيش والكرامة، ومن أجل مطالب رفعت منذ ديسمبر/كانون الثاني 2010 كان شعارها: "شغل، كرامة، ثورة وطنية". مع ذلك، فالأمل لا يزال قائماً، والحراك متواصلاً.

موقف
التحديثات الحية

ويشير كمال سليماني، وهو عامل يومي من سيدي بوزيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الوضع لم يتغير عما كان عليه في العام 2011، وكأن الزمن توقف في سيدي بوزيد، مبيناً أن هناك استياء كبيرا من الوضع، فالمشاكل لا تزال هي ذاتها في الجهة. ويشرح سليماني، أنه يعمل في مجال العناية بالأشجار، لكنه لا يجد فرصة عمل دائمة في هذا المضمار، مشيراً إلى أن ما يؤلمه، هو عودة عدد من الوجوه القديمة التي كانت في النظام السابق إلى الساحة مجدداً.
ويوضح سليماني أن شباب سيدي بوزيد، يعاني البطالة، وهو لا يزال يأمل رغم طول الانتظار، أن يتم فتح المناظرات (امتحانات) في الوظيفة العمومية وباب الانتدابات، لكن السنين تمر، ليجد البعض العمر يمضي بهم، دون أن يحمل لهم أي آفاق. ويقول بحسرة، إن الجديد الوحيد بالنسبة إليه، كان حصوله بعد الزواج، ونتيجة تعكر الحالة الصحية لزوجته، على دفتر علاج ليتمتع بالخدمات الصحية. أما أقصى طموحه، فهو إمكانية أن يكون له كشك صغير يعيل بواسطته أسرته، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على قرض صغير، أو تمويل بسيط، بعدما رفضت السلطات وأغلب الجمعيات مساعدته.
من جهته، يقول عضو التنسيقية الوطنية للحركات الاحتجاجية، وعضو "تنسيقية هرمنا" في سيدي بوزيد، عبد الحليم حمدي، لـ"العربي الجديد"، إن العديد من المشاريع تُرصد للجهة في الميزانيات كل عام، ومنذ اندلاع الثورة إلى اليوم، لكن هذه المشاريع لم تجد طريقها للتنفيذ على أرض الواقع، مبيناً أن البرنامج التنموي لم ينصف سيدي بوزيد، فقد كانت هذه الجهة ضحية مشروع تنموي فاشل، وبحكم كونها منطقة فلاحية، فقد حصل نوع من الاستنزاف المكثف للمائدة المائية. ومع ذلك، يتابع حمدي، فإن هذا البرنامج واصل اعتماد ذات المنهج، ولا تزال العديد من المعتمديات تعاني العطش والتفقير التنموي. ويلفت عضو التنسيقية إلى أن العاملات في القطاع الفلاحي يعشن أوضاعاً صعبة، وحوادث متكررة نتيجة ظروف النقل، معتبراً أنه "بدل الاهتمام بهن، وتوفير مورد رزق أنسب لهن، فإنه يجري البحث دائماً عن حلول غير قابلة للتنفيذ".

لا تزال سيدي بوزيد من ضمن المحافظات في تونس التي تحتل المراكز الأولى في الاحتجاجات

ويلفت حمدي إلى أن الأرقام التي قدمها المرصد التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية حول الحراك الاجتماعي، تكشف بوضوح أن سيدي بوزيد هي ضمن المراكز الأولى في الاحتجاجات، والسبب هو أن السُكّان سئموا الوعود، مبيناً أن اليأس كان طاغياً في بعض الفترات، لكنه سرعان ما تحول إلى غضب شديد، لا سيما من الطبقة السياسية والحاكمة، التي لم تقدم شيئاً للولاية.
ويروي حمدي أن وفداً وزارياً زار الجهة منذ عامين، حيث وعد بتسوية ملف الأراضي العقارية، إلا أن أي شيء لم يحصل منذ تلك الزيارة، مبيناً أن نسق التنمية مكبل بالعجز والتردد، والوضع الصحي مترد، وقد كشف وباء كورونا عن هشاشته، مشيراً إلى أن مطلب السُكّان بإقامة مستشفى جامعي لم ير النور. ويلفت إلى أنه لولا المخبر العسكري المتنقل، لكان الوضع أكثر سوءاً في مواجهة كورونا، مبيناً كذلك أنه تم وضع حجر الأساس لمصنع للإسمنت، ولم يفتح، كما يتحدثون عن مصنع آخر في منزل بوزيان، لكن لا أثر له إلى اليوم. ويوضح حمدي أن ما أنجز في المنطقة، هو بعض المصانع الصغيرة، لكنها لم تقدم الكثير على صعيد الاستفادة من الثروات والخيرات الطبيعية للجهة (المنطقة أو الإقليم)، وبالتالي ظلّت سيدي بوزيد من ضمن المحافظات الأعلى في نسب البطالة، وفِي الفقر والتهميش.
ويؤكد عضو التنسيقية في سيدي بوزيد، أن الحراك لم يتوقف في المحافظة منذ العام 2011، لأن النظام تغير من دون أن يواكبه تغيير على مستوى الخطة الاقتصادية، والتي قامت من أجلها الثورة، إذ إن الناس خرجوا للمطالبة بتغيير النظام على أمل تغيير أوضاعهم. ويلفت إلى أن التحركات الاحتجاجية، عادت في الفترة الأخيرة إلى الشارع، ومع ذلك فهي احتجاجات سلمية، وسط إيمان المحتجين بالسعي لنيل مطالبهم وحقوقهم. ويذكّر حمدي بأن المنطقة معروفة تاريخياً، بأنها تضم أكبر عدد من المقاومين من الحركة الوطنية، التي ناضلت ضد المستعمر الفرنسي، وبالتالي فإن سيدي بوزيد هي ولاية مناضلة، ما يعني أن هذا الحراك سيتوالى ولن يخمد، خصوصاً أن الجهة تملك أراضي شاسعة وإمكانات هامة في الفلاحة. وبرأيه، فإنه فقط لو يتم تغيير برنامج التنمية والتوجه إلى استغلال الثروات التي تنعم بها سيدي بوزيد، فسيعم الخير على الجميع. ويوضح أنه بعيداً عن الاحتفالات الرسمية ليوم 17 ديسمبر، فإن إحياء الذكرى سيكون موعداً لتجديد العهد مع الغضب، ورفع الشعارات المطالبة بتحقيق أهداف الثورة.
من جهته، يرى وزير التكوين المهني والتشغيل، والنائب في سيدي بوزيد عن حركة "النهضة"، نوفل الجمالي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الأوضاع في المحافظة لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها في بقية المحافظات التونسية، لافتاً إلى أن سيدي بوزيد شهدت بعض التحسن على مستوى البنية التحتية، لكن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، من بطالة وتعطل المشاريع التنموية، بقيت، وهي قضايا في الحقيقة مشتركة بين أغلب المحافظات، ما يعني أن سيدي بوزيد للأسف لم تكن استثناء.
على الرغم من ذلك، يعتبر الجمالي أن الثورة التونسية حملت العديد من الإيجابيات، ومنها أنها جلبت الحرية والديمقراطية، ولكن لا تزال هناك نواقص كبيرة ونقاط ضعف على مستوى المردودية الاجتماعية والاقتصادية، مشدداً على ضرورة إيجاد حلول سريعة وجذرية للقضايا العالقة. ويُقر النائب التونسي، بأن الفترة الحالية صعبة، وزادتها الأزمة الصحية تعقيداً. كما يقر بأن العديد من المطالب المشروعة لأهالي سيدي بوزيد لم تتحقق بعد، ولكن يمكن معاينة بعض الخطوات في قانون المالية (موازنة) للعام 2021، والقانون رقم 38 (تشغيل العاطلين من العمل ممن طالت بطالتهم)، لكن لا بد من بذل مجهود إضافي، لكي يشعر أهالي سيدي بوزيد بأن الثورة، وكما جلبت لهم الحرية والديمقراطية، فإنها ستحمل حلولاً على المستوى الاقتصادي.
مع كل ذلك، لا يزال الجمالي يرى أن المسار بعد الثورة يظلّ أفضل مما كان عليه قبلها، إذ أصبح متاحاً الحديث عن المشاكل لدى حصولها، والتظاهر للمطالبة بإصلاح الأوضاع، معتبراً أن عدداً كبيراً من المشاكل هي هيكلية، وناجمة عن تراكمات ما قبل الثورة. ويذكّر في هذا الصدد، أخيراً، بأن كل من كان يُعبّر عن رأيه، قبل الثورة، كان مصيره السجن، لكن الدستور الجديد منح التونسيين اليوم، وأينما كانوا، الحقّ في التظاهر والتعبير عن مشاغلهم، وتلك هي سُنّة الديمقراطية، على حدّ قوله.