الاحتلال ينصب برج مراقبة متطوراً في الرواق الغربي من المسجد الأقصى.. سلسلة من المحطات لتعزيز السيطرة

28 فبراير 2024
باحث فلسطيني: مشروع الكاميرات في المسجد الأقصى هو هاجس الاحتلال (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

دون أي تنسيق مع الأوقاف الإسلامية أو حتى استشارتها بصفتها المسؤولة عن كل ما يتعلق بإدارة المسجد الأقصى، انتهت شرطة الاحتلال الإسرائيلي، قبل أيام، من تركيب برج مراقبة متطور فوق سطح المدرسة التنكزية في الرواق الغربي من المسجد الأقصى المبارك، وهو ما يشكل سيطرة إضافية على الأقصى.

يأتي ذلك تزامنا مع حلول شهر رمضان المبارك، حيث يواصل الاحتلال فرض قيود على المسجد منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ويرفض حتى الآن أي تسهيلات للشهر الفضيل.

برج المراقبة المتطور يبلغ ارتفاعه نحو عشرة أمتار، ويشتمل على كاميرات مراقبة متطورة للغاية، إضافة إلى مجسات تنصت إلكترونية غاية في التطور، تمكنها من كشف كامل المنطقة الواقعة في سطح صحن الصخرة المشرفة، وكذلك المنطقة من الساحة الواقعة بين المسجد القبلي وباب المغاربة، والتي كانت تعتبر ساحة اشتباكات بين شرطة الاحتلال في السنوات الماضية، ما يمكن الشرطة من مراقبة هذه المنطقة ورصد جميع من فيها والتعرف إلى وجوههم ليتم اعتقالهم لاحقا.

ترتيبات خطيرة في المسجد الأقصى

وحتى الآن، لم يصدر عن دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة أي تصريحات أو بيانات تتعلق بما قامت به شرطة الاحتلال من وضع هذا البرج، الذي يبدو أنه عملية استبدال وصيانة وتطوير لبرج كان قائما في السابق على ما صرح بذلك لـ"العربي الجديد"، أحد مسؤولي الأوقاف، متحفظا على ذكر اسمه، واصفا ما يجري من ترتيبات تعد لها شرطة الاحتلال خلال شهر رمضان بـ"الخطيرة والغامضة، خاصة أنها تتم دون أي تنسيق أو تشاور مع إدارة الأوقاف".

من جانبه، رفض مدير عام دائرة أوقاف القدس الشيخ عزام الخطيب التعليق على الموضوع، رغم تأكيده أن اجتماعا لمجلس الأوقاف سيعقد لمناقشة الترتيبات التي ستقوم بها الأوقاف خلال شهر رمضان، وكل ما يتعلق بالمسجد الاقصى وتمكين المصلين من الوصول إلى المسجد بحرية ودون قيود.

بدوره، يقول المحلل السياسي د. أمجد شهاب لـ"العربي الجديد"، إن "نصب هذا البرج، والذي هو قائم منذ سنوات، لا يضفي جديداً على واقع السيطرة الأمنية الاحتلالية على المسجد الأقصى، سواء من  خلال نظام المراقبة الإلكترونية المقام على أسوار المسجد، والذي يضم أحدث كاميرات المراقبة، أو من خلال الوجود الأمني المكثف على الأرض، المتمثل بمراكز الشرطة وحرس الحدود على سطح الصخرة المشرفة وداخل المدرسة التنكزية وفوقها وفي باب الأسباط، وهي سيطرة لم تواجه فعلياً بمواقف صارمة من قبل إدارة الأوقاف الإسلامية التي صودرت صلاحياتها وإشرافها على المسجد، ولم تعد قادرة حتى على مواجهة شرطة الاحتلال، والوقوف في وجه إجراءاتها التهويدية الأخيرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، حيث باتت سيطرتها مطلقة على المكان، فهي التي تسمح وهي التي تمنع، والأوقاف للأسف لم تحرك ساكنا بحكم مسؤوليتها وقولها إنها صاحبة الإشراف على الأقصى وإدارته.

وختم شهاب حديثه بالقول: "بالمجمل ما شهدناه مؤخرا هو تعزيز لقبضة الاحتلال وسيطرته الأمنية على الأقصى".

محطات عديدة للسيطرة الأمنية على الأقصى

وتعيد الإجراءات والتدابير الأمنية الاسرائيلية في غلاف المسجد الأقصى وعلى أسطح المباني المطلة على ساحاته إلى الأذهان مجددا سلسلة من المحطات والتدابير التي قامت بها شرطة الاحتلال لتعزيز سيطرتها على الأقصى، كما يقول زياد ابحيص الباحث المختص في شؤون المسجد الأقصى في حديثه لـ"العربي الجديد".

واستذكر ابحيص أن "المحطة الأولى والأهم هي في 2005 حين قدمت شرطة الاحتلال فكرة مفادها بأنه لا بد من تأسيس مجال أمني حول المسجد الأقصى عماده الأساسي مجسات حرارية ذات أشعة فوق الحمراء، بحيث تراقب سطوح المنازل والسطوح المشتركة في الرواق الغربي وفي الرواق الشمالي وخلالها في سنة 2005 كان جزء من المشروع تركيب برج اتصالات وكاميرات على سطح المدرسة التنكزية".

أما المحطة الثانية وفق ابحيص، فكانت في 2008، وفي هذه السنة عمل الاحتلال الاسرائيلي برنامج محاكاة، وكان واضحا في تلك السنة وفي السنة التي تلتها دخول شرطة الاحتلال مزودة بكاميرات وعنصر من مخابرات الاحتلال، وقيامها بتصوير الأجزاء المبنية من المسجد الأقصى.

وأوضح أنه باعتقاده أن الاحتلال "حينها كان بصدد إنشاء نظام، بحيث إذا دخلت شرطة الاحتلال المباني المشيدة أن يكون لديها- إذا لم تتمكن من دخول هذه المباني- محاكاة تسمح لها بإعطاء توجيهات دقيقة، بمعنى أنها نظرة لمنطقة الأقصى باعتبارها منطقة عمليات، وهي مرتبطة بفكرة الاقتحامات التي بدأت في 2003 بما يشكل حماية دائمة للمستوطنين من قبل الشرطة، ومن احتمالات خطف مستوطن وجره إلى منطقة ما".

ويستطرد الباحث الفلسطيني: "بعد ذلك كان الرواق الشمالي هو الهدف، حيث ركبت عليه مجموعة من الكاميرات في 2015 و2017، واحدة في منطقة باب الغوانمة والثانية فوق المدرسة الشرعية. هذه الكاميرات التي ركبت قبل هذا التاريخ ظلت موجودة ولم تمس ولم تغيّر، إضافة إلى محاولة لتركيب البوابات الإلكترونية والممرات الحديدية، عام 2017، لكن تم إفشالها، واستبدلت بكاميرات تتعرف إلى الوجوه".

ويلفت ابحيص إلى أنه "علينا أن نتذكر أن مشروع الكاميرات في المسجد الأقصى هو هاجس الاحتلال، ولمّا قامت هبة السكاكين في 2015 حاول أن يطرح هذه الفكرة وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري كجزء من تفاهماته، وتقضي بوضع كاميرات داخل المسجد الأقصى تبث على مدى 24 ساعة، لكن كان هناك اعتراضات كبيرة عليها، سواء في القدس أو خارجها، وميدانيا أيضاً بما في ذلك وضع ملصقات في المسجد الأقصى تهدد بالتصدي لها، وبالتالي تم التراجع عن هذه الفكرة".

مشروع الكاميرات في المسجد الأقصى هو هاجس الاحتلال،

وكان الوزير كيري، قد أعلن عام 2015، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وافق على نشر كاميرات مراقبة في المسجد الأقصى تعمل على مدار 24 ساعة، في خطوة وصفها بأنها قد تساعد في تخفيف التوتر المتزايد بمدينة القدس، بحسب ما أكدته سي إن إن حينها.

وخلال هبة باب الأسباط في 2017 حاول الاحتلال تركيب كاميرات على بقية الأبواب وبعضها لا يزال مثل كاميرا باب المطهرة، وهي كاميرات الغالب أنها تتعرف إلى الوجوه.

وفي فترة جائحة كورونا وضعت قوات الاحتلال كاميرات ذات مجسات على سطح باب القطانين وفي الرواق الغربي، وكانت عبارة عن عمليات صيانة للمجال الأمني، الذي تأسس في العام 2005، وقد ركبت معها سماعات بحيث تستطيع شرطة الاحتلال أن تواجه المصلين بنظام سماعات خاص بها مواز لسماعات المسجد، والذي هو عملياً مربوط بمنبر المسجد الأقصى والإمام، بحسب ابحيص.

ويرى الباحث المختص في شؤون الأقصى أن "ما يجري اليوم في المدرسة التنكزية هو لحل مشكلة المساحة من المسجد الأقصى التي تجري فيها الاشتباكات والمقابلة للمسجد القبلي والفاصلة بين هذا المسجد وباب المغاربة، وهذه المساحة مهتمون دائما بتعزيز الرقابة عليها وموجود عليها كاميرات بالأصل".

يقول ابحيص: "أظن ان الكاميرات الجديدة قد تحول المدرسة التنكزية إلى نقطة مراقبة شاملة ربما يصل مداها إلى سطح صحن الصخرة المشرفة، بحيث إن كل من يشترك في اشتباك داخل الأقصى تستطيع شرطة الاحتلال اعتقاله وأن تتعرف إليه، ولا شك أن هذا جزء من الإسقاط الأمني للمسجد الأقصى".

والمدرسة التنكزية جرى الاستيلاء عليها عام 1967 وتحول الطابق الأرضي فيها إلى قسم لشرطة الاحتلال مواز لباب السلسلة مباشرة وجرى تحويلها لاحقاً إلى كنيس، وفي سنة 2007 تحول الجزء العلوي إلى مدرسة دينية يهودية، بينما يستخدم سطحها كمطل للمستوطنين، وسط مخططات لتحويل سطح المدرسة إلى كنيس زجاجي، بحيث يشكل تعويضا نسبيا عن فكرة غياب الهيكل، لأن من يقف على سطح المدرسة هو جغرافيا داخل المسجد الأقصى.

والمدرسة التنكزية كانت مقرا للمحكمة الشرعية، وهي مبنى متعدد الطبقات تحت الأرض وفوقها، ما يحولها إلى نقطة تهويد دائمة.

 

المساهمون