سئل المتحدث في وزارة الخارجية نيد برايس، الثلاثاء، عن مدى صحة المعلومات التي أفادت بأن حكومة بنيامين نتنياهو قد خفضت عدد البؤر الاستيطانية التي تزمع شرعنتها في الضفة من 14 إلى 9 "نزولا عند رغبة الإدارة"، أو بالأحرى لحفظ ماء وجه هذه الأخيرة، فكان جوابه أنه ليس بوسعه تأكيد ذلك "ولا نفصح عن محادثاتنا الخاصة مع شريكنا الإسرائيلي".
ترجمة جوابه أن المعلومة قد تكون صحيحة. وفي سياق ردوده على الأسئلة الكثيرة التي طرحت حول هذا الموضوع في الإحاطة الصحافية في اليومين الأخيرين، ألمح برايس إلى أن الإدارة "فاتحت الشركاء في المنطقة" بخصوص ضرورة العمل على "خفض التصعيد" بين إسرائيل والفلسطينيين. كلام يستبطن القول إن الاستعانة بدول التطبيع جارية لتوظيف ما لديها من "تأثير" لإخراج الإعلان الإسرائيلي بدون أثمان، كما لتهدئة الجانب الفلسطيني.
وقد أشارت الخارجية، في بيانها عن لقاء وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع نظيره الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، إلى أن الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني كان على جدول المباحثات من زاوية "الحاجة إلى الإسراع في منع التصعيد". وهذا مفاده، في ضوء المعلومات أعلاه، أن المطلوب هو تسويق خفض حكومة نتنياهو لعدد البؤر على أنه تراجع إسرائيلي أمام ضغوط الإدارة. لكن الواقع هو العكس.
من البداية رفعت الإدارة شعار "تجميد الوضع القائم" خاصة في الأماكن المقدسة في القدس. لكن الحكومة الإسرائيلية لم تتأخر في التحدي الذي تمثل في دخول الوزير إيتمار بن غفير الاستفزازي باحة المسجد الأقصى. كان ذلك أول رسالة إلى صاحب نظرية "التجميد". ولئلا تكون الرسالة غير كافية، اقترفوا مجزرة مخيم جنين. وبدورها لم تتأخر الإدارة في إرسال إشارات التراخي، وقد عكستها يومذاك تصريحات مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط بربارا ليف، التي بدت وكأنها توبخ السلطة الفلسطينية على قرارها بوقف التعاون الأمني مع إسرئيل، واصفة إياه بأنه "عمل غير سليم" وبأن تلويح رام الله بالأمم المتحدة "أمر لا معنى له".
لكن في الحقيقة ينطبق هذا التوصيف على خطابها الذي بقي وما زال يدور حول مفردات مستهلكة وفارغة، تبدأ بالمناشدة لضبط الأعصاب مع التعبير عن "القلق العميق"، مروراً بحثّ الطرفين على "اتخاذ خطوات تساعد على بناء الثقة"، مع التشديد على أهمية "الحوار" بين الطرفين وانتهاء بالمعزوفة المكرورة حول "حق الفلسطينيين بالتمتع بالحرية والكرامة والعيش الكريم شأنهم شأن إسرائيل"، ودائما مع التذكير بأن "كل هذا ليس بديلاً عن السلام وحل الدولتين" في آخر المطاف.
كلام لا يسمن ولا يغني عن جوع حتى ولو كانت الإدارة راغبة فعلاً في هذا الحل. بيد أن هذه الرغبة لا تُصرّف، خصوصاً وأن الإدارة غير واضحة وقاطعة حتى الآن بخصوص الاحتلال. تذكره أحيانا بصورة عابرة ومن طرف اللسان. عندما سئل نائب المتحدث في الخارجية الأسبوع الماضي عن تصنيفه لوضع أهل الضفة، قال إنهم "يقيمون هناك". وكأنهم أشبه بمستأجر لشقة في بناية لا يملكها.
بموازاة هذا الخطاب، راهنت الإدارة على زيارة الوزير بلينكن لإسرائيل ورام الله. تردد أنه كان يحمل ما يشبه التحذير لحكومة نتنياهو، وبالتحديد لهذا الأخير الذي أكد البيت الأبيض أنه "سيتعامل معه – أي نتنياهو – ويحكم على أعمال حكومته لا على أشخاصها". وكان سبق أن قام مستشار الرئيس جيك سوليفان بزيارة إلى إسرائيل للغرض نفسه، وللتوكيد على وجوب الالتزام بسياسة "التجميد". لكن نتنياهو التقط إشارات عدم الجدية في نوايا "المصادمة" التي لوّحت بها بعض الأوساط الحريصة على نجاح البيت الأبيض في كبح حكومة صقور اليمين المتطرف التي أعطى رئيسها للزائر بلينكن كثيرًا من الوعود الملغومة ومن دون أي التزامات.
والفاضح أن الوزير تحدث بلغة الواثق عن ضبط الأمور، وأنه ترك وراءه قسما من فريقه هناك لضمان تحقيق الوعود. وبعد أيام تبخرت هذه الأخيرة بالإعلان عن قرار البؤر وتوسيع الاستيطان. ومرة أخرى عادت واشنطن إلى الديباجة الباهتة حول "معارضتنا بوضوح للخطوة"، حسب المتحدث برايس الذي شطح إلى حد القول، الاثنين، إن لإسرائيل أن تتخذ "قرارها السيادي". وهو تعبير أثار جدلا معه خلال الإحاطة الصحافية لم يدخل في تفاصيله وتركه في حالة غموض. وكذلك اكتفى الوزير بلينكن بإصدار بيان أعرب فيه عن "الانزعاج العميق" من قرار البؤر. وطبعا كالعادة لم يكن هناك أثر لإدانة أو شجب، ناهيك عن التحذير من العواقب.
في الماضي، عندما تصادمت التوجهات والحسابات، بادر بعض الرؤساء مثل جيمي كارتر في كامب دافيد، وجيرالد فورد خلال مفاوضات كيسنجر حول فض الاشتباك في سيناء بعد حرب 1973، إلى التلويح بورقة "إعادة النظر في العلاقات" إن لم تتراجع إسرائيل عن عراقيلها. وقد نجح التحذير الذي جاء بلغة جدية، بصرف النظر عن محدودية المدى الذي كانت تلك الإدارات تنوي بلوغه. إدارة بايدن لا يبدو أنها في هذا الوارد، على الأقل حتى الآن. ومن المستبعد إقدامه على خطوة من هذا النوع، عشية ترشيحه المرجح للرئاسة.