انتهت انتخابات التصفية الحزبية لمرشحي الرئاسة الأميركية التي جرت الثلاثاء في 16 ولاية والمعروفة بانتخابات "الثلاثاء الكبير"، وكانت نتائجها محسومة سلفاً، إذ فاز الرئيس جو بايدن بها كلها في ظل غياب المنافسة، فيما لم يخسر دونالد ترامب إلا ولاية واحدة فازت بها منافسته نيكي هيلي المتوقع أن تعلن قريبا انسحابها بعد تعذر إقلاع حملتها.
ومع انتهاء "الثلاثاء الكبير" انتهت عمليًا معركة الترشيح لتبدأ معركة التنافس بين بايدن وترامب في الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، وسط توقعات أن تكون عملية تصفية حسابات مشحونة بالتوتر والمخاطر التي يخشى كثيرون أن "تهدد الديمقراطية" الأميركية نفسها.
وتبدأ نسخة انتخابات 2020 هذه المرة بفارقٍ لمصلحة ترامب بحدود 4 نقاط، لكن كليهما يعاني من أعطاب مع أنّ الرئيس السابق يبدو في وضع أفضل حسب ما تشير إليه الأرقام المرشحة للتغيير صعودًا ونزولًا.
وينبع العطب الرئيسي في حملة بايدن من عدم قدرته على تسويق رئاسته وبما تسبب له بضعف مقبوليته حتى في صفوف حزبه، إذ كشفت نتائج الثلاثاء أن ما نسبته 7 إلى 19% (الأرقام غير نهائية) من الديمقراطيين أو المحسوبين على هذا الخندق في عدة ولايات، غير ملتزمين بالتصويت للرئيس، سواء لأنه غير مفضل أو بسبب سياساته ومنها الحرب على غزة، أو في كل الحالات من باب الاعتراض أصلا على ترشيحه لتقدمه في السن، أو بسبب زلات لسانه وما يبدو أنه ضعف في ذاكرته الذي لعب دورا ملحوظا في هبوط رصيده.
كما كشفت الاستبيانات والنتائج أن الابتعاد عن بايدن محيّر رغم أن أرقام الوضع الاقتصادي جيدة وأفضل من غيرها في سائر الدول الصناعية الغنية، حيث يعزو خبراء الانتخابات هذا الرفض في جانب منه إلى ضآلة حضور الرئيس مقارنة بترامب وسيطرته على الشاشة وعجزه عن التواصل الفعال مع الناخبين.
لكن ما قد يشفع لبايدن أن خصمه ترامب يشكو هو الآخر من نقاط رخوة في وضعه ومقبوليته، ومنها مشاكله مع القانون والمحاكم وبما قد يقدم للرئيس (بايدن) النجدة اللازمة، إذ كشفت أرقام الثلاثاء وقبله منذ بداية انتخابات التصفية، أن نسبة تجاور الثلث من الجمهوريين والمقربين منهم في ولايات هامة قد نأت عن ترامب وصبّت أصواتها لمصلحة هيلي.
كما تبيّن أن هناك أصواتًا تميل إلى عدم التصويت لترامب في انتخابات 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، في حال صدر قبل هذا التاريخ حكم جنائي بحقه في الدعاوى المرفوعة ضده رغم أن مثل هذا الاحتمال صار مستبعدا بعدما قررت المحكمة الفيدرالية العليا وقف محاكمات ترامب لغاية البتّ في مسألة حصانته المرفوعة أمامها، وهي فسحة وقت يُعتقد أن المحكمة التي سبق له أن عيّن 3 من قضاتها التسعة، منحته إياها لمساعدته في ترحيل المحاكمات لما بعد انتخابات الرئاسة.
وبذلك صار وضع ترامب مرهوناً إلى حد بعيد بتوقيت صدور الأحكام القضائية ضده، كما أنه مرهون إلى حد ما بموقف وقرار هيلي التي قد توفر له دفعة زخم لو أعلنت تأييدها له مع ما قد يستتبع ذلك من تجيير رصيدها لحملته.
إن المشترك بين بايدن وترامب أن كليهما غير مرغوب بنسبة 70%، وعليه فإنه من المتوقع أن يكون الإقبال على التصويت ضعيفاً.
وفي هذه الحالة تصبح لأي مجموعة أصوات أهميتها، منها أصوات هيلي بالنسبة لترامب، وأصوات المقاطعين للرئيس بايدن التي بدونها يصبح انتخابه مهدداً حتى لو واصل النمو الاقتصادي تماسكه المتوقع والمحتمل أن يساهم في تغيير وجهة الرياح لمصلحته، وفق التقديرات الأخيرة، خصوصا أن المعطيات الراهنة مرشحة للتغير خلال الأيام المتبقية لموعد الاستحقاق الرئاسي.
إضافة إلى ذلك، فإن خيارات الناخب المستقل الذي يلعب دور بيضة القبان في الانتخابات والذي وجد نفسه أمام خيارين أشبه بالمفروضين عليه، يمكن أن تلعب دورًا في الانتخابات القادمة.
إن الفوز الكاسح لترامب أو بايدن غير وارد بفعل الكثير من المعطيات. ومن هنا تنبع المخاوف المسبقة من أن تؤدي انتخابات 2024 إلى منازعات كتلك التي نشبت في 2020، مع ما قد يؤسس ذلك إلى خلل عميق في صدقية العملية الانتخابية.