انقلاب ناعم على لولا: اليمين المتطرف يفرض سطوته

03 يونيو 2023
تظاهرة للسكان الأصليين في برازيليا، الخميس الماضي (سيرجيو ليما/فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور نحو 5 أشهر على تسلّمه مهامه رسمياً رئيساً للبرازيل، تعرّض لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (لولا)، لنكستين تشريعيتين في الأيام الأخيرة، تعرقلان تنفيذ وعوده المتصلة بالبيئة وبحماية السكان الأصليين للبرازيل. بدأ كل شيء عملياً الثلاثاء الماضي، حين أقر النواب البرازيليون مشروع قانون يحد من ترسيم أراضي السكان الأصليين.

أراضي السكان الأصليين

ويقضي النص الذي أقر بغالبية 283 صوتاً في مقابل 155 بأن السكان الأصليين لا يحق لهم سوى الأراضي التي كانوا يقيمون عليها عند صدور دستور 1988.

ويرفض السكان الأصليون ذلك، مؤكدين أنهم لم يكونوا موجودين في بعض الأراضي في 1988 لأنهم طردوا منها على مر القرون ولا سيما خلال الحكم الديكتاتوري العسكري (1964 ـ 1985). وأول من أمس الخميس، أقرّ البرلمان البرازيلي نصاً يقضي بتعديل صلاحيات عدد من الوزارات على حساب البيئة والشعوب الأصلية.

وأُقرّ النص بغالبية 337 صوتاً في مقابل 125. وبعد نقله إلى مجلس الشيوخ، تم اعتماده بنسبة 51 صوتاً في مقابل 9. وسيعدل القانون الجديد اختصاصات العديد من الوزارات، بما فيها وزارة الشعوب الأصلية. وبذلك يفقد هؤلاء المسؤولية عن ترسيم حدود محميات جديدة للشعوب الأصلية، التي ستنقل إلى وزير العدل. كما ستفقد وزارة البيئة اختصاصاتها في السجل العقاري للأراضي الريفية، وهي أداة أساسية لرصد ومكافحة إزالة الغابات غير القانونية، وإدارة الموارد المائية.

يسعى لولا لإحكام السيطرة على المحكمة العليا البرازيلية

وللولا ومعسكره 42 عضواً في مجلس الشيوخ من أصل 81، في مقابل 23 عضواً لليمين مجتمعاً، و16 مستقلين. أما في مجلس النواب، فإن لولا وحلفاءه ممثلون بـ223 عضواً من أصل 513، في مقابل 202 لليمين، و88 مستقلين.

وتُشكّل هذه التطورات نكسة للولا الذي وعد عند عودته إلى السلطة بجعل حماية البيئة أولوية بعد أربع سنوات من الارتفاع الحاد في قطع أشجار الغابات في عهد سلفه اليميني المتطرف جايير بولسونارو. وقالت الوزيرة البرازيلية للشعوب الأصلية سونيا غواجارا، الثلاثاء الماضي، إن الموافقة على المشروع "تقضي على أي أمل في المستقبل". وأضافت أن "هذه إبادة جماعية ضد السكان الأصليين وهجوم على البيئة أيضاً".

ويرى علماء أن ترسيم أراضي السكان الأصليين يشكل حاجزاً أساسياً أمام قطع أشجار الغابات في منطقة الأمازون، أكبر غابة مطيرة في العالم. وتضم البرازيل 764 منطقة لشعوب أصلية لكن لم يتم ترسيم حدود ثلثها حتى الآن، حسب أرقام صادرة عن "المؤسسة الوطنية للشعوب الأصلية".

وكانت حكومة لولا قد اعترفت في إبريل/ نيسان الماضي بستة أقاليم جديدة، في خطوة كانت الأولى من نوعها منذ خمس سنوات، أي منذ ما قبل عهد بولسونارو (2018 ـ 2022).

وأثار تصويت النواب احتجاجات في البرازيل، ولفت انتباه منظمات بيئية وناشطين دوليين بمن فيهم نجما السينما الأميركيان ليوناردو دي كابريو ومارك رافالو. وكتب رافالو في تغريدة على "تويتر": "هناك حرب ضد الشعوب الأصلية والغابات. كوكبنا في خطر. لولا كن البطل الذي انتخبه شعبك وامنع المشروع من التقدم".

واحتج نحو مائة من السكان الأصليين لفترة، الثلاثاء الماضي، وقطعوا طريقاً في ضواحي ساو باولو قبل أن تفرقهم الشرطة بالغاز المسيل للدموع، كما ظهر في لقطات بثها التلفزيون المحلي.

واعتبرت منظمة الدفاع عن البيئة "أوبسرفاتوريو دو كليما" (مرصد المناخ) في بيان، أن "مجلس النواب وجه رسالة إلى البلاد وإلى العالم مفادها أن بولسونارو ذهب لكن الإبادة مستمرة".

وحاول لولا، مساء الخميس، إعادة تمتين موقعه في النظام البرازيلي، مع ترشيحه محاميه كريستيانو زانين، الذي دافع عنه في قضية الفساد، لشغل مقعد في المحكمة العليا. وقضية الفساد تلك معروفة بـ"غسل السيارات" وتتعلق بفساد مالي في شركة "بتروبراس" العملاقة المملوكة من الدولة خلال عهده السابق. وقال لولا في مؤتمر صحافي إن "الجميع كانوا يتوقعون مني تسمية زانين، ليس فقط للدور الذي أداه في الدفاع عني، إنما لاعتقادي بأنه سيصبح أحد أعظم القضاة في المحكمة العليا". وتابع: "سيكون قاضياً استثنائياً".

تضم البرازيل 764 منطقة لشعوب أصلية لكن لم يتم ترسيم حدود ثلثها حتى الآن

وانتقدت شخصيات معارضة خيار لولا واتهمته بالسعي لملء المحكمة بقضاة مقربين منه. وسمى لولا، الذي تولى منصب الرئاسة أيضاً بين عامي 2003 و2010، قاضيين من أعضاء المحكمة العليا الحالية وعددهم 11 قاضياً. وكانت الرئيسة السابقة ديلما روسيف التي اختارها بنفسه، قد سمت أربعة قضاة آخرين.

وفي حال تأكيد مجلس الشيوخ ترشيح زانين، يرتفع إجمالي عدد القضاة المرشحين من حزب "العمال" الذي ينتمي إليه لولا وروسيف إلى سبعة. وأثار هذا الاحتمال اتهامات من المعارضة بانحياز المحكمة إلى اليسار. وشغر معقد في المحكمة العليا منذ إبريل الماضي مع بلوغ القاضي السابق ريكاردو ليواندوسكي سن التقاعد الإلزامي وهو 75 عاماً.

لولا وإرث بولسونارو

وتُظهر هذه التطورات السلبية مدى صعوبة المواجهة التي يخوضها لولا ضد الإرث الذي رسّخه بولسونارو، وقد يعرقل تيار الأخير داخل البرلمان ومجلس الشيوخ التحقيقات الجارية بشأن اقتحام المباني الرسمية البرازيلية في 8 يناير/ كانون الثاني.

في ذلك الحين، وبعد أسبوع من تنصيب لولا، اقتحم أنصار بولسونارو القصر الرئاسي والكونغرس (يضم مجلسي البرلمان والشيوخ) والمحكمة العليا في العاصمة برازيليا. ومع أن السلطات السياسية والقضائية والأمنية باشرت هجوماً مضاداً على عملية الاقتحام لحماية ديمقراطية ما بعد الحكم العسكري، غير أن نفوذ اليمين المتطرف داخل المؤسسات الرسمية سيُضعف أي قرار قد يوجّه إلى بولسونارو، حتى لو كان ضالعاً بشكل مباشر في عملية الاقتحام.

ويعلم لولا أن عرقلة جهوده في حماية البيئة والسكان الأصليين سيُساهم في عرقلة برامجه الاقتصادية، تحديداً تلك المتعلقة بفقراء البرازيل. وسيُفضي ذلك إلى إطاحة كل ما بناه في ولايتيه السابقتين بين عامي 2003 و2010، حين نجح في انتشال ملايين البرازيليين من براثن الفقر، حتى أن تتالي النكسات قد يُعبّد الطريق أمام عودة اليمين المتطرف إلى الرئاسة، سواء عبر بولسونارو أو غيره، في عام 2026.

(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون