انقلاب السودان: ثلاثة ملفات جعلت حمدوك غير مرحب به مصرياً

26 أكتوبر 2021
تبدي مصر حالة من عدم الارتياح تجاه حمدوك (فرانس برس)
+ الخط -

لم يخرج الموقف المصري من التطورات في السودان، أمس الإثنين، عن المتوقع، بعد اكتفاء بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية بالحديث عن "أهمية تحقيق الاستقرار والأمن للشعب السوداني والحفاظ على مقدراته". غير أنّ هذا الموقف العام، الذي تلا أحداثاً مفصليةً تمثلت بانقلاب عسكري واحتجاز رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، قبل إعلان حل مجلس السيادة والحكومة، يعتبر امتداداً ونتيجة طبيعية لحالة من عدم الارتياح المصري تجاه رئيس الوزراء السوداني، والرغبة في إفشاله وإقصائه.
وقالت الخارجية المصرية في بيان، أمس، تعليقاً على الأحداث في السودان: "تتابع جمهورية مصر العربية عن كثب التطورات الأخيرة في جمهورية السودان الشقيق، مؤكدةً على أهمية تحقيق الاستقرار والأمن للشعب السوداني والحفاظ على مقدراته والتعامل مع التحديات الراهنة بالشكل الذي يضمن سلامة هذا البلد الشقيق، ومؤكدةً كذلك أن أمن واستقرار السودان جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والمنطقة". وتابعت: "كما تدعو مصر كافة الأطراف السودانية الشقيقة، في إطار المسؤولية وضبط النفس، لتغليب المصلحة العليا للوطن والتوافق الوطني".

السيسي وكامل أكدا سابقاً عدم ترحيبهما باستمرار حمدوك

في السياق، قال مصدر سياسي مصري وآخر دبلوماسي، وهما مصدران مطلعان، لـ"العربي الجديد"، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وساعده الأيمن رئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل، أكدا في مناسبات سابقة خلال اجتماعات مع المسؤولين السودانيين والعرب والتابعين لدولة الاحتلال الإسرائيلي، عدم ترحيبهما باستمرار حمدوك رئيساً للوزراء. وأوضحت المصادر أن ذلك، ليس فقط بسبب رغبة مصر في التعامل مع المكون العسكري وحده، وتحديداً مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اللذين تجمعهما علاقة قوية بالسيسي، ولكن أيضاً بسبب رؤية مستقرة بأن حمدوك مقرّب من العواصم الغربية، وله أجندة تسمح بوصول قوى سياسية لا ترحب بها القاهرة إلى الحكم، فضلاً عن وقوفه عائقاً أمام بعض المخططات التي حاول النظام المصري الإسراع في تنفيذها مع المكون العسكري السوداني.

على رأس هذه المخططات المضي قدماً في التطبيع مع دولة الاحتلال، وهو موضوع نوقش صراحة خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى شرم الشيخ ولقائه السيسي هناك، حيث تطرق مع الرئيس المصري إلى حرصهما على تطوير علاقات إسرائيل مع السودان، كجزء من المشهد الجديد المراد للشرق الأوسط، وإجراء اتصالات متقدمة على مستويات عسكرية واستخباراتية واقتصادية، بمباركة من المكون العسكري في السلطة، على أن يتوازى ذلك مع وساطة منتجة يبذلها بينت للتقريب بين دولتي مصب النيل (مصر والسودان) وإثيوبيا في قضية سد النهضة.

والواقع أن مصر كانت تحاول دائماً السيطرة على مسار التقارب بين السودان ودولة الاحتلال، ومرت هذه المحاولات بمحطات شد وجذب متتالية، بعدما رصدت في نهاية العام الماضي محاولة بعض قيادات المكون العسكري قطع أشواط في مسألة التطبيع من خلال الملف العسكري، بينما باقي الملفات ذات الطبيعة الاقتصادية والتنموية التي تديرها الحكومة - وترغب مصر في تركيز جهود التطبيع عليها - ظلت الحركة فيها متباطئة إلى حد بعيد، نتيجة خلافات بين الحكومة والمجلس الانتقالي من جهة، وعدم سيطرة بعض الوزراء على حقائبهم بالصورة الكافية. وحاولت مصر جاهدة، من خلال اتصالاتها بالسودان وأجهزة الاحتلال، توجيه دفة التطبيع إلى الملفات التنموية التي يسهل لمصر الدخول فيها كشريك أو بصورة لصيقة ومباشرة، مثل التعاون الزراعي والتكامل الكهربائي، فضلاً عن المشروعات التي سبق وتم النقاش حولها في مجال الطاقة واستكشاف إمكانيات المناطق الاقتصادية بالبحر الأحمر.

إلا أنّ حمدوك كان يقف حائلاً دون المضي قدماً في هذا المسار، تارةً بالاعتراض الصريح على التطبيع من خلال الوزراء المقربين منه، وتارة أخرى بالدعوة إلى إرجاء اتخاذ مثل تلك المواقف، لما بعد انتخاب السلطة التشريعية. مع العلم أن حمدوك ناقض تصريحات سابقة له بشأن ضرورة قيام حكومة منتخبة قبل النظر بقضية التطبيع، بتوقيع حكومته على "اتفاق أبراهام" للتطبيع في يناير/ كانون الثاني 2021.

حمدوك كان يقف حائلاً دون المضي قدماً في مسار التطبيع

وأوضح المصدران أن الملف الآخر الذي أثار حفيظة المخابرات المصرية ضد حمدوك هو سد النهضة، فمن البداية كان واضحاً اتجاهه للفصل بين الموقفين المصري والسوداني، بحيث يتم ضمان مصالح الخرطوم أولاً، وفق مطالبات واضحة لم تكن ترفضها إثيوبيا في مرحلة ما قبل بدء الملء الأول في يوليو/ تموز 2020. وبالتالي، عملت مصر جاهدة على دعم سيطرة المكون العسكري على الملف، من خلال ضخ المساعدات المالية والإنسانية وربطها بدعم الموقف المصري.
وقال المصدر الدبلوماسي إنه خلال زيارات عباس كامل ومساعديه إلى الخرطوم، العام الماضي، أبلغهم أعضاء عسكريون بمجلس السيادة بعدم رضاهم عن إدارة حمدوك للملف، لكنهم في الوقت ذاته، وفي ظل ضبابية الموقف الداخلي، كانوا عاجزين عن اتخاذ خطوات جذرية للتغيير، فضلاً عن رصد مخاوف لدى الحكومة المدنية والمسؤولين الفنيين بشأن لعب العسكريين وبعض السياسيين دوراً لصالح مصر أو إثيوبيا على حساب المصالح السودانية الأصيلة في القضية، ما دفعهم لاتخاذ مواقف تعبر عن هذه المصالح وحدها. وفي الوقت ذاته، كانت بعض القيادات العسكرية ترحب بشكل غير معلن، باستمرار التلويح بموقف حمدوك لاستغلاله لمطالبة مصر بتقديم المزيد إلى شقيقتها الجنوبية.
أما الملف الثالث المرتبط بحمدوك، فيتعلق بالأساس بطبيعة النظام المصري العسكرية، الذي يجد، بحسب المصدرين، راحة أكبر في التعامل مع المكون العسكري في السودان والمرتبط بعلاقات مع الإمارات وروسيا أكثر من العواصم الغربية المتمسكة ظاهرياً بالتداول السلمي للسلطة وضخ دماء جديدة مدنية في نظام الحكم السوداني، الأمر الذي يهدد في الأوضاع المثالية ببناء نظام ديمقراطي سعى الجيش طويلاً لتحاشي وجوده في مصر، في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

المساهمون