انعكاسات التوغل الأوكراني في كورسك على الداخل الروسي

08 سبتمبر 2024
ملجأ في كورسك، 28 أغسطس 2024 (ماكسيم شيميتوف/رويترز)
+ الخط -

مع إطالة أمد التوغل الأوكراني في مقاطعة كورسك الحدودية الروسية الذي بدأ في 6 أغسطس/آب الماضي، أظهرت نتائج استطلاعات رأي تراجعاً طفيفاً لنسب تأييد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ بيّنت تقديرات "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" (حكومي) أن نسبة الثقة في الرئيس تراجعت من نحو 80% عشية الأحداث إلى 75.7% حالياً. ومع ذلك، توعد بوتين بإقصاء القوات الأوكرانية من مقاطعة كورسك، واصفاً الأمر بأنه "واجب مقدس" للقوات المسلحة الروسية.

واعتبر خلال الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الشرقي في مدينة فلاديفوستوك الروسية، الخميس الماضي، أن هدف الجيش الأوكراني هو إثارة "القلق والذعر وتشتيت القوات" ووقف تقدّم العسكريين الروس على المحاور الرئيسية في دونباس (تضمّ إقليم لوغانسك ودونيتسك)، زاعماً أنه لم يتسنّ له ذلك. وأضاف أنّ "العدو أضعف نفسه بنقله وحدات هامة ومدربة إلى هذه المناطق الحدودية، بينما عززت قواتنا عملياتها التقدمية"، معتبراً أن العسكريين الروس لم يحققوا مثل هذه "المكاسب على الأرض" منذ فترة طويلة. وتابع أن القوات المسلحة الأوكرانية "تتكبد خسائر فادحة أفراداً وعتاداً" متوقعاً أن تؤدي مثل هذه الخسائر إلى فقدان الجيش الأوكراني قدرته القتالية، وفق مساعي روسيا، وفق بوتين.


ستانيسلاف بيشوك: حالة الالتفاف حول السلطة في الأشهر الأولى من الحرب قد زالت

تأثير أحداث كورسك

من جهته، اعتبر الأستاذ بكلية العلوم السياسية في جامعة موسكو الحكومية، ستانيسلاف بيشوك، أن تراجع شعبية بوتين "يأتي نتيجة مباشرة لأحداث كورسك مجتمعة مع غيرها من العوامل السياسية والاقتصادية". وقال بيشوك، في حديث لـ"العربي الجديد": "يمكن ربط تراجع نسب تأييد السلطة بالأحداث في مقاطعة كورسك. قبلها، كان يبدو لقطاع هام من المواطنين أن الحرب تدور على جبهة بعيدة، إذ لم يعتبر أغلبهم مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك اللتين تم ضمهما في خريف عام 2022، جزءاً حقيقياً من روسيا. لكن في أغسطس الماضي، وصلت الحرب إلى الأراضي الروسية المعترف بها دولياً، في وقت بدا فيه لكثيرين أن الدفاعات الأوكرانية على وشك الانهيار، وأن مفاوضات السلام تلوح في الأفق".

ومع ذلك، جزم بيشوك بأن فتح جبهة كورسك ليس العامل الوحيد لتراجع شعبية السلطة، مضيفاً: "حالة الالتفاف حول السلطة التي قد تكون سادت خلال الأشهر الأولى من الحرب قد زالت، وجودة حياة الروس لا تتحسن، وتتعرّض الأراضي الروسية لهجمات يومية بواسطة مسيّرات تستهدف بالدرجة الأولى المنشآت النفطية، مما يدفع المواطنين للتساؤل من يتحمّل المسؤولية عن ذلك، بينما لم يعد الإلقاء باللائمة على أوكرانيا أو الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) مقنعاً".

واستبعد بيشوك أن يؤدي تراجع نسبة التأييد إلى أي تغيير، قائلاً: "في النظم السياسية غير الديمقراطية، كما هو حال روسيا، من الصعب قياس شعبية السلطة والتوقع ماذا سيتبع تراجع الثقة في الرئيس، وذلك على عكس الدول الديمقراطية، التي تقابله زيادة نسب تأييد المعارضة وفرصها في الفوز في الانتخابات. لكن في روسيا، تدعم كافة الأحزاب المصرح بها بوتين ونهجه، بما في ذلك أعمال القتال في أوكرانيا. أما المعارضة بالمعنى الكامل للكلمة، فإما محظورة وإما في المنفى وإما قضى رموزها في ظروف غامضة، كما هو حال أليكسي نافالني". وخلص إلى أن لا شخصية سياسية يمكنها الاستحواذ على نقاط بوتين، مذكّراً في الوقت نفسه أنه أثناء التمرد الفاشل لشركة "فاغنر" العسكرية الخاصة ومؤسسها يفغيني بريغوجين، في يونيو/حزيران 2023، فضّلت الشخصيات العامة الموالية للسلطة السكوت ولم تشهر دعمها لبوتين إلا بعد فشل التمرد.

من جهة أخرى، اعتبر مدير عام "مركز الإعلام السياسي" في موسكو، أليكسي موخين، أن تراجع نسب تأييد بوتين يشكل إشارة لاستياء السكان من تراخي السلطات في التعامل مع أحداث كورسك. وقال موخين، في حديث لـ"العربي الجديد": "يعود تراجع نسبة تأييد السلطة الذي يرصده علماء الاجتماع، إلى ترقب المجتمع المدني أعمالاً أكثر حزماً من السلطة لإنهاء الوضع الراهن وتحييد مثل هذه المخاطر في المناطق الحدودية". وقلل موخين من أهمية "المزاعم" أن نتائج الاستطلاعات عكست تراجع نسبة تأييد بوتين بشخصه، مضيفاً أن "هذه المزاعم مخادعة، ونتائج الاستطلاعات أقرب إلى التعبير عن المطالبة بإبداء حزم أكبر، مثلما حدث بعد التوقيع على اتفاقات مينسك 2 في عام 2015، حين تراجعت نسبة تأييد بوتين بسبب غضب المجتمع من ضعف ردود أفعال السلطة على إبادة السكان الناطقين بالروسية في الشرق الأوكراني".


أليكسي موخين: تراجع نسب تأييد بوتين يشكل إشارة لاستياء السكان

استهداف العمق الروسي

بدورها، توقعت صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية، مطلع سبتمبر/أيلول الحالي، استمرار عمليات استهداف العمق الروسي، مما يعني أن خسائر نسبة تأييد السلطة لن تقتصر على "خسائر كورسك". ومع ذلك، أقرت الصحيفة في مقال بعنوان "علماء اجتماع يحصون خسائر كورسك على نسبة تأييد الرئيس"، بأن المواطنين لم يعودوا يولون اهتماماً كبيراً بـ"العملية العسكرية الخاصة" (الاسم الروسي لغزو أوكرانيا)، وهو ما يدل على حالة اللامبالاة تجاه السلطة وقد يزيد من احتمالات انعدام الولاء، بينما سيؤدي التناول المفرط لمثل هذه الأخبار إعلامياً إلى تراجع الثقة في مؤسسات الدولة. بدوره، اعتبر المدون المعارض الهارب، مكسيم كاتز، الذي صنفته وزارة العدل الروسية "عميلاً للخارج" والذي صدر بحقه حكم غيابي بالسجن لمدة ثماني سنوات، أن تزايد القصف المتبادل بين روسيا وأوكرانيا الذي رفع عدد الضحايا بين المدنيين، كشف تناقضاً مفاده أنه كلما ازدادت كثافة الحرب وخطورتها، تراجع اهتمام المواطنين بها.

وفي مقطع فيديو بعنوان "التعود على الحرب اللامتناهية" حظي بأكثر من 700 ألف مشاهدة على "يوتيوب"، اعتبر كاتز أن الأداة الرئيسية للسلطة الروسية هي تحويل الأمور إلى روتينية، إذ رأت الإدارة الروسية في أحيان كثيرة أن الزمن كفيل بشفاء أي جروح. وأضاف أن أوائل الجنود العائدين داخل النعوش شكلوا تحدياً سياسياً، ولكن الوضع تحوّل إلى روتيني عندما أُحصيت أعدادهم بعشرات الآلاف. ولفت كاتز إلى أن الوعي البشري قادر على استيعاب الفارق بين حادثة وفاة واحدة وعشر وفيات، وكأنه أكبر من الفارق بين ألف و100 ألف، وهو ما انطبق على قصف الأراضي الروسية أيضاً، مذكّراً بأن الضربات الأولى قبل عامين تقريباً، كان لها تأثير نفسي، ولكن اليوم تحول سقوط القتلى والجرحى بين المدنيين في المناطق الحدودية واحتراق مصافٍ في عموم أنحاء البلاد إلى روتين.