رغبة السويد وفنلندا بالانضمام لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، التي تتوافق أيضاً مع الرغبة الغربية، قد تكون فرصة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتحصيل مكاسب سياسية لبلاده قبل أن يعطي الموافقة على انضمامهما للحلف، الذي تعتبر تركيا من أهم أعضائه، نظراً لقوة جيشها وترسانتها العسكرية، التي شهدت تطوراً تقنياً كبيراً في الأعوام العشرين الأخيرة.
يدلل على ذلك، كلام الرئيس أردوغان، الذي قال قبل أيام في خطاب أمام الكتلة النيابية لحزبه العدالة والتنمية في البرلمان التركي، حين طالب حلف الأطلسي بدعم منطقة آمنة شمالي سورية، مشيراً إلى أن بلاده رتبت لهذه المنطقة من خلال العمليات "الديمقراطية والأمنية" التي نفذتها تركيا على طول الشريط الحدودي.
وعاد أردوغان ليذكّر ناتو بمشروع إعادة اللاجئين السوريين إلى شمال سورية، وتحديداً إلى المنطقة الحدودية التي يريد الرئيس التركي جعلها آمنة ومحمية دولياً، حين أشار إلى أن تركيا حرصت على إعادة نصف مليون لاجئ، وأنها تقوم بإنشاء مدن في 13 تجمعا أو "مستوطنة" لإعادة مليون لاجئ آخرين، وهذا المشروع، الذي كان الشاغل في الملف السوري مؤخراً، والذي يعتبر مشروع أردوغان بشكل رئيسي قبل دخوله مع حزبه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية صيف العام القادم.
كلام أردوغان جاء في معرض الحديث عن انضمام فنلندا والسويد لحلف الأطلسي، الأمر الذي تعارضه تركيا، وجاء رداً على طلب الأخير من أنقرة الموافقة على هذا الانضمام، إذ تتحفظ حكومة أردوغان على انضمام البلدين بذريعة دعمهما لمنظمات تصنفها أنقرة منظمات إرهابية، بالإشارة إلى "قوات سورية الديمقراطية – قسد" التي يشكل الأكراد القوام الرئيسي لقياداتها.
وعلى ضوء ذلك، وعلى اعتبار أن الرفض التركي لا يحمل في خلفياته قضايا جذرية، جغرافية أو أمنية مباشرة، فإن فرضية المقايضة بين قبول تركيا انضمام الدولتين، مقابل حماية الناتو للمنطقة الآمنة على طول الحدود التركية السورية داخل الأراضي السورية، ستكون قائمة وحاضرة بقوة في الأيام المقبلة، ولا سيما أن هذا المعطى جاء بالتزامن مع تأكيد النية التركية إعادة مليون لاجئ إلى سورية، بعد تجهيز مساكن لهم في تجمعات داخل مدن ستنشأ حديثا لهذا الغرض.
ولطالما طالبت تركيا حلف الأطلسي والغرب، بحماية منطقة آمنة شمال سورية لإعادة اللاجئين السوريين إليها، لكن هذا المطلب كان دائماً يصطدم بالرفض الغربي والأميركي، على اعتبار أن سورية ليست جزءاً من أراضي دول الناتو، وبالتالي لا يمكن اتخاذ قرار حماية منطقة آمنة داخلها، لكن تركيا ستستفيد حالياً من بند بالنظام الداخلي لناتو الذي يشير إلى موافقة جميع الأعضاء على دخول أي عضو جديد للحلف، ما سيعزز موقفها بفرض مطلبها أمراً واقعاً، لا سيما مع التطورات الدولية الأخيرة، التي فرضها الغزو الروسي لأوكرانيا، ومخاوف الغرب من مطامع أكثر للرئيس بوتين وموسكو في أوروبا.
وتنطلق أنقرة من مطالبها بإنشاء منطقة آمنة شمال سورية، من مبدأ حماية حدودها، التي هي حدود حلف شمال الأطلسي بطبيعة الحال، لكن ما الذي يمكن أن تحصّله أنقرة جغرافياً لمساحة وحدود هذه المنطقة شمال سورية؟
تنطلق أنقرة من مطالبها بإنشاء منطقة آمنة شمال سورية، من مبدأ حماية حدودها
لقد نفذت تركيا أربع عمليات عسكرية بين العامين 2016 و2020، وسيطرت من خلالها على مساحات واسعة شمال وشرق سورية، وذلك بعد أن دحرت بالمشاركة مع مجموعات المعارضة السورية الحليفة لها (الجيش الوطني) تنظيم "داعش" عن جرابلس والباب ومحيطهما شمال حلب، والوحدات الكردية لا سيما "قوات سورية الديمقراطية – قسد" عن عفرين ومحيطها في ريف حلب، وتل أبيض ومحيطها بريف الرقة، وراس العين ومحيطها بريف الحسكة، وكذلك ساندت قوات المعارضة السورية في معارك ضد قوات النظام في إدلب ربيع العام 2020، وتمتلك في إدلب وشمال حلب، قواعد عسكرية فائقة التجهيز العسكري.
ولا تزال عينها على كامل الشريط الحدودي مع سورية، لا سيما مع تكرار مطالبها بالعودة للالتزمات التي أبرمتها مع كل من موسكو وواشنطن بإبعاد القوات الكردية مسافة 30 – 35 كم عن حدودها، وتلك القوات لا تزال تسير مساحات واسعة في ريف حلب، لا سيما في عين العرب (كوباني) وتل رفعت ومنبج، وجزء كبير من الحسكة وريفها وأرياف الرقة الشمالية.
أما في إدلب ومحيطها، أو التي تعتبر "منطقة خفض التصعيد الرابعة" بحسب تفاهمات مسار أستانة الذي أفرزت جولته الرابعة في مايو/ أيار من العام 2017 عن الاتفاق على أربع مناطق، في كل من حمص ودرعا وريف دمشق وإدلب، قضمت روسيا مع النظام ثلاث مناطق منها إما بالمصالحات أو المعارك التي أعقبها حملات تهجير قسري وإفراغها من المعارضة، وبقية إدلب ومحيطها، والتي تم تثبيت حدودها في اتفاق سوتشي في سبتمبر/ أيلول بين الرئيسين أردوغان وبوتين.
ونص الاتفاق حينها على أن تبقى المنطقة تحت النفوذ والضمان التركي مع نشر 12 نقطة مراقبة على حدودها، وكانت هذه المنطقة تضم كامل إدلب، وأجزاء من ريف حماه الشمالي والغربي، وأجزاء من ريفي حلب الغربي والجنوبي، بالإضافة لريف اللاذقية الشرقي. لكن روسيا والنظام ضربا بعرض الحائط هذا الاتفاق وقضما جزءا واسعاً من المنطقة، لا سيما جنوب وشرق إدلب وشمال حماه وغربها، وكذلك جنوب حلب وغربها، خلال معارك متتالية امتدت على مدار العامين 2019 و2020، وبذلك انسحبت النقاط التركية من كافة المواقع التي تقدمت إليها قوات النظام والميشيات المدعومة من إيران وروسيا بدعم جوي روسي.
وبيد الرئيس التركي هذه الورقة اليوم، لإضافتها لمسألة التفاوض على المنطقة الآمنة، أي الحدود الجغرافية الرئيسية لاتفاق سوتشي، لا سيما مع ظهور تراجع في الدور الروسي في سورية مع تقدم عمر الحرب في أوكرانيا وعدم تحقيق روسيا لنتائجها المرجوة منها.
فرصة أنقرة
ويرى طه عودة أوغلو الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من الواضح أن أنقرة التي طالما طالبت بمشروع المنطقة الآمنة في شمال شرق سورية، والذي ارتطم خلال السنوات الماضية بجدار الرفض الأميركي ودول حلف ناتو وجدت فرصتها التي كانت تبحث عنها سابقا، وفي ظل الحديث عن مشروع تركي لإعادة مليون سوري إلى بلادهم من أجل مساومة الغرب والولايات المتحدة الأميركية خصوصا بشأن انضمام كل من فنلندا والسويد إلى حلف ناتو".
وكشف عودة أوغلو في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه "في هذا الإطار أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو خلال اليومين الماضيين مشاورات مكثفة مع الجانب الأميركي حول ملفات عديدة ضمن اجتماع الآلية الاستراتيجية التركية – الأميركية، وكان المطلب التركي بخصوص المنطقة الآمنة حاضرا في الاجتماع دون الكشف عن أي تفاصيل بخصوص رد الولايات المتحدة التي قامت باستثناء مناطق في الشمال السوري خاضعة لسيطرة تركيا من قانون العقوبات الأميركية (قيصر) قبل أيام، وهذا ما تم رفضه من قبل الجانب التركي".
وأشار الباحث إلى أن "أردوغان أعلن قبل يومين أن بلاده استكملت جزءاً كبيراً من المنطقة الآمنة التي تبنيها على طول الحدود مع سورية، وعملت بلاده على تأمين ما تبقى من المناطق، في حين لم تصدر حتى اللحظة أي ردود فعل واضحة من قبل روسيا، التي تستعد لعقد النسخة الثامنة عشرة من لقاءات مسار "أستانة" نهاية الشهر الحالي في العاصمة الكازاخية نور سلطان". في إشارة من عودة أغلو إلى أن الموضوع ربما يكون مطروحا في الجولة المقبلة من أستانة.