سيكون يوم الأسير الفلسطيني، الذي يصادف في 17 إبريل/نيسان، هذا العام، مختلفاً، إذ يبدأ اليوم أكثر من 1500 أسير فلسطيني إضراباً مطلبياً مفتوحاً عن الطعام، بدعوة من العديد من القيادات الفتحاوية، أبرزها مروان البرغوثي، بعد أن فشلت كل محاولات جس النبض، والحوار بين إدارة سجون الاحتلال والأسرى في منع الإضراب، الذي لن تستطيع أي جهة معرفة إلى أين ستؤدي عواقبه، داخل المعتقلات وخارجها. وبذلك، يفتح الأسرى صفحة جديدة من تاريخ نضال الحركة الأسيرة، لتنطلق انتفاضة فعلية من داخل الزنازين تخالف رغبات السلطة الغارقة في التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال. ويعوّل على الإضراب، الذي تشارك به قيادات أسيرة من المحكومين بأحكام عالية تفوق مئات السنين، إلى جانب الأسرى المرضى والقدامى، في إعادة صقل الحركة الأسيرة، ورد الاعتبار لها عبر الإضراب الجماعي من جهة، وإعادة اصطفاف الشارع الفلسطيني خلف قضية جامعة عادلة لا يختلف عليها أي فلسطيني، عبر فعاليات ومواجهات ميدانية تسند الأسرى.
ودقت إدارة سجون الاحتلال طبول الحرب على الأسرى منذ صباح أمس الأحد، إذ قامت بعملية نقل قمعية لعدد من قيادات الإضراب في سجن النقب، وهم كريم يونس، ومسلمة ثابت، وأحمد وريدات، إلى جهة مجهولة. ومن المتوقع أن تزداد وتيرة القمع والنقل التعسفي بحق قيادات الأسرى من أجل ضرب رأس الإضراب. وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، عيسى قراقع، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، "أتوقع أن يبدأ الإضراب صباح الاثنين 17 إبريل، الموافق يوم الأسير الفلسطيني، بمشاركة نحو 1500 أسير فلسطيني. ويشارك في الإضراب أسرى قدامى، مثل الأسير كريم يونس الذي تم نقله اليوم (أمس) من معتقل النقب إلى جهة مجهولة". ورأى قراقع أن هذا الإضراب سيكون "عبارة عن شبه انتفاضة، وهو الإضراب الأكثر جماعية الذي يقوم به الأسرى منذ العام 2012". وشهد 2012 إضراباً قاسياً استمر لنحو 28 يوماً، وشارك فيه نحو 1500 أسير أيضاً، فيما يشير الخبراء في شؤون الأسرى إلى أن إضراب العام 2004 كان الإضراب الجامع للحركة الأسيرة، والذي شارك فيه نحو 6 آلاف أسير فلسطيني، واستمر أياماً، قبل أن تعمد إدارة السجون إلى ضرب قيادته وتفكيكها وتشتيتها في الزنازين، والتشويش على الأسرى بأخبار مضللة حول الإضراب. واعتبر قراقع أن الإضراب، الذي بدأ اليوم الإثنين، هو "من أكثر الإضرابات وحدوية، وسيشارك فيه أسرى من الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي ومختلف الفصائل". وبحسب قراقع فإن "الإضراب يستنهض روح التضامن الجماعي وروح الحركة الأسيرة، ومن المتوقع أن يصاحبه هبة جماهيرية واسعة، في الوطن والشتات، تضامناً مع الأسرى ومناصرة لهم". وأكد أن "إضراب الأسرى مطلبي وليس سياسيا".
ورأى رئيس نادي الأسير، قدورة فارس، أن الحركة الأسيرة ستستعيد حقوقا سلبت منها، وستعيد الاعتبار إلى أدوات العمل الجماعي، ممثلة بالإضراب عن الطعام، الأمر الذي يتيح فرصة لإعادة بناء الأطر الاعتقالية، على أسس جديدة تقوم على إطار متحفز للنضال دائماً إذا ما تعرضت حقوقهم لأي اعتداء، وإذا ما تعرضت حياتهم للمساس، نظراً إلى وجود حكومة إسرائيلية متطرفة، على حد تعبيره. ويؤكد فارس، من خلال المتابعة الميدانية للأسرى عبر المحامين والتواصل مع قياداتهم، أن الإضراب سيبدأ اليوم بـ1500 أسير "لكن العدد سيزداد". ورغم أن الإضراب يبدأ بنقطة ضعف قاسية، وهي عدم توافق أسرى "فتح" في المعتقلات الإسرائيلية على الإضراب، فضلاً عن عدم توافق جميع الفصائل الفلسطينية، والاكتفاء بالمساندة أو إعلان أفراد من هذه الفصائل الانضمام إلى الإضراب، لكن اليومين الماضيين شهدا ازدياد وتيرة إسناد الإضراب، عبر دخول أسرى من فصائل أخرى في الإضراب. ومثلما كان عدم التوافق عيباً كبيراً يبدأ به الإضراب، إلا أن إدارة السجون الإسرائيلية والأسرى على حد سواء يعلمون أن ساعة الصفر وقمع الأسرى يعني زيادة التفاف الأسرى حول بعضهم البعض، بغض النظر عن نقاط الاختلاف، بحيث لا يمكن التكهن أبداً كيف سيستمر الإضراب، ومن سينضم له وكيف سينتهي بالفعل، لأن ساحة السجن أثبتت أنها خارج نطاق التكهنات الجاهزة سلفاً. وبحسب مدير مركز "أحرار"، المختص بشؤون الأسرى والمحررين، فؤاد الخفش، فإن الفصائل الفلسطينية، وأبرزها "حماس"، قررت إسناد الإضراب بعد أسبوع من انطلاقه، بخطوات تدريجية. ويعتبر الخفش أن هذه الخطوات تشكل موقفاً متقدماً من حركة "حماس" واليسار الفلسطيني، وهو موقف مرشح للتطور أكثر حسب الوضع الميداني.
ويرى مراقبون أن التفاف الشارع الفلسطيني وإسناد الأسرى بشكل حقيقي عبر فعاليات ونضال ميداني، من الممكن أن يغير كل التوقعات، وهذا بالضبط ما لا ترغب به السلطة الفلسطينية، إذ أصدر الرئيس محمود عباس قراراً، قبل أسابيع، بضرورة تدخل المستوى السياسي والأمني للحديث مع الإسرائيليين حول مطالب الأسرى، لكن حتى هذا التدخل على أعلى المستويات باء بالفشل أمام تعنت حكومة الاحتلال. وقال الخفش إن الإضراب "يعني أن الشارع سيتحرك، والسلطة الفلسطينية معنية ببقاء الضفة هادئة، لكن هذا الأمر سيكون صعباً في ظل إضراب مئات من أسرى فتح". وأضاف أن السلطة الفلسطينية "لديها خشية حقيقية من عدم قدرتها على السيطرة على الشارع، وتحديداً على فتح، لأن من يضرب هذه المرة هم رموز فتح في السجون، الصادرة بحقهم أحكام المؤبد".