أعاد تفجيران وقعا في ساحة مقر المحكمة العليا في العاصمة البرازيلية، برازيليا، مساء الأربعاء الماضي، إحياء المخاوف في البلاد، من خطر اليمين المتطرف البرازيلي واحتمال عودة المواجهات بين أنصار هذا التيار، وأنصار تيار الرئيس اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في وقت يسعى فيه الرئيس السابق جايير بولسونارو، إلى الانقلاب على قرار للمحكمة الانتخابية العليا، اتخذ العام الماضي، ويمنعه من الترشح لتولي أي منصب رسمي لمدة ثماني سنوات. وتزداد المخاوف في البلاد، من عودة زخم التيار اليميني المتطرف، مع عودة دونالد ترامب للرئاسة في الولايات المتحدة، وهو مؤيد ومتحمس لبولسونارو، في وقت يواصل هذا الفريق التعبير عن نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي، وإحياء النعرات السياسية، منتقداً ما يرى فيه محاولات حثيثة لإسكاته وإبعاده عن السلطة.
هنأ بولسونارو دونالد ترامب، و"شكر الرب" على فوزه
تفجيران بالعاصمة
وقبل أيام قليلة من قمة مجموعة العشرين التي استضاف فيه لولا زعماء العالم في ريو دي جانيرو، على مدى يومين، واختتمت أمس الثلاثاء، كانت العاصمة برازيليا على موعد مع حادث شمل تفجيرين أمام مقر المحكمة العليا الواقعة في ساحة بلازا دي لوس تريس بوديريس، والتي تضم أيضاً القصر الرئاسي ومبنى الكونغرس. وتعرّفت الشرطة إلى المهاجم الذي كان يحمل متفجرات، والذي جال في الساحة قبل تفجيرها ما أدّى إلى مقتله بالتفجير الثاني، معلنة أنه المرشح (الخاسر) للمجلس المحلي في عام 2020 عن الحزب الليبرالي الذي ينتمي إليه بولسونارو، فرانسيسكو واندرلي لويز. وقالت الشرطة إنها فتحت تحقيقاً في احتمال وقوع "عمل إرهابي"، لافتة إلى أن المهاجم حاول دخول مبنى الهيئة القضائية العليا في البلاد.
وقال المدير العام للشرطة الفيدرالية، أندريه باسوس رودريغيز، الخميس الماضي، إن المحققين يعملون على فرضيتين، هما "العمل الإرهابي" ومحاولة "إلغاء دولة القانون بأعمال العنف". وذكر أن العناصر الأولى للتحقيقات كشفت عن "وجود مخطط طويل لهذا العمل الفردي، وروابط محتملة" مع أعمال الشغب التي وقعت في البلاد، في الثامن من يناير/كانون الثاني 2023 في برازيليا. وأوضحت الشرطة أنها عثرت على متفجرات أخرى "بدائية الصنع" في منزل للمشتبه به. ورأى نائب الرئيس البرازيلي جيرالدو ألكمين، أن ما حصل "محزن وخطير"، و"اعتداء على مؤسسة تابعة للدولة وعلى سلطة الدولة".
وكانت مقرات السلطة في ذات المكان بالعاصمة، قد تعرضت لتمرد في الثامن من يناير 2023، بعد أسبوع من فوز لولا على بولسونارو في انتخابات الرئاسة أواخر 2022. وحصل ذلك بطريقة مشابهة لاقتحام أنصار ترامب، في يناير 2021، مقر الكونغرس الأميركي، لمنع المصادقة على فوز جو بايدن بالرئاسة حينها.
وسعى معسكر بولسونارو للنأي بنفسه عن الحادثة الجديدة، باعتبارها عملاً معزولاً ارتكبه شخص "مجنون". وكتب بولسونارو على إكس: "رغم أن الحادث معزول، وكل المؤشرات تدل على أن من أقدم عليه هو شخص لديه اضطرابات عقلية، لكن ما حدث يدعونا إلى التأمل، فقد حان الوقت للبرازيل أن تخلق مناخاً بإمكان الأفكار المختلفة أن تتناقش فيه بطريقة سلمية". بدوره، حذّر مستشار لبولسونارو، وهو فابيو واجنغارتن، من إطلاق تعميمات بشأن الحادثة، وكتب على إكس: "هناك أشخاص مجانين في كل مكان ومن كل الانتماءات السياسية".
يطالب أنصار اليمين المتطرف البرازيلي منذ أشهر طويلة، بالعفو عن الموقوفين بأحداث اقتحام مقرات السلطات الثلاث
لكن القاضي بالمحكمة العليا ألكسندر دي مورايس، اعتبر أن الحادث "ليس معزولاً"، بل إن "الإفلات من العقاب الذي تمتع به بعض من هاجموا ديمقراطيتنا، سمح بحدوث أمور أخرى. لقد كان المهاجم يريد دخول المحكمة الفيدرالية وتفجيرها". واعتبر أن التفجيرين كانا نتيجة لهجمات اليمين المتطرف البرازيلي المتكررة وخطاب الكراهية الذي يستهدف مؤسسات البلاد. وأشار إلى أن هذه الظاهرة "نمت تحت ستار استخدام إجرامي لحرية التعبير، بغرض الإساءة والتهديد والإكراه".
ويطالب أنصار اليمين المتطرف البرازيلي منذ أشهر طويلة، بالعفو عن الموقوفين بأحداث اقتحام مقرات السلطات الثلاث، وكان المهاجم قد شنّ حملات عدة على منصة إكس، الصيف الماضي، هاجم فيها المحكمة العليا، معتبراً أنها "المشكلة الكبرى". لكن الهجوم بحسب وكالة رويترز، في تقرير لها بـ14 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، يبدو أنه سيدفع الجسم القضائي في البلاد، إلى التشدد أكثر، ورفض منح العفو للمشاركين بهجوم الثامن من يناير 2023، وذلك بحسب مصدرين ينتميان إلى أحزاب وسطية في البرازيل، لم تسمّهما الوكالة. وقد يصيب ذلك، وفق المصدرين، بمقتل، محاولة بولسونارو فرض تراجع على المحكمة الانتخابية عن قرارها بمنعه من الترشح لأي منصب بالدولة، قبل عام 2030. علماً أن الهجوم جاء أيضاً في مرحلة تقترب فيها الشرطة الفيدرالية من الانتهاء من تحقيق حول صلة بولسونارو بهجوم أنصاره بعد الانتخابات الرئاسية.
اليمين المتطرف البرازيلي ينتظر ترامب
ومن شأن الحادث، إعادة إشعال شرارات العنف والتوترات السياسية في البلاد، لاسيما في ظلّ شعور فريق بولسونارو أن عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، قد تساهم في فكّ العزلة عنه، وتمنحه أملاً بإيجاد صوت داعم له في واشنطن، يحيي آماله بالانتعاش السياسي. لكن، بحسب كريومار دي سوزا، وهو رئيس شركة دارما للاستشارات السياسية، في حديث لـ"رويترز"، فإنه "إذا ما تمكن مورايس من الخروج أقوى من هذه المواجهة، فإن المقلب الثاني هو أنك سترى أناساً أكثر أصبحوا أكثر راديكالية".
وكان تقرير للوكالة نشرته في السابع من نوفمبر الحالي، أي قبل حادث التفجيرين بحوالي أسبوع، قد اعتبر أن عودة ترامب للبيت الأبيض، ضخّت الروح في اليمين المتطرف البرازيلي ولدى بولسونارو الذي "شكر الرب" في منشور على إكس، لفوز ترامب، فيما اعتبر رئيس حزب الليبراليين فالديمار كوستا نيتو، أن عودة ترامب "ستلهم المحافظين حول الحلم، وستعزّز الحراك في البرازيل لإعادة انتخاب بولسونار رئيساً في عام 2026"، ما يعني بقاء بولسونارو مرشحاً لليمين في البرازيل، ولليبراليين الذين كان بولسونارو قد سجّل نفسه في حزبهم مع صعوده السياسي قبل أعوام.
وكان أحد أبناء بولسونارو، العضو في الكونغرس، إدواردو بولسونارو، حاضراً في مارآلاغو في فلوريدا، مساء الخامس من نوفمبر الحالي، للاحتفال بفوز ترامب، فيما كان ابنه الآخر، فلافيو، يرتدي منذ شهر، قميصاً مكتوباً عليه "بولسونارو 2026".
ورأى ليوناردو باريتو، من مركز أبحاث "بوليتيكال كونسالتنسي"، للوكالة، أن "فوز ترامب قد يؤجج حماسة اليمين المتطرف البرازيلي وأتباعه، ويدفعهم إلى مقاومة الدعوات الموجهة إليهم لجعل خطابهم أكثر اعتدالاً".
(العربي الجديد، رويترز)