مرّت اجتماعات مجلس حقوق الإنسان في جنيف كما بدأت، وتعامل أطراف الصراع اليمني مع التقرير الثالث للجنة الخبراء الأمميين كما لو أنهم لم يسمعوا عنه، أو لا علاقة لهم به. اكتفى التقرير الأممي الذي تم تقديمه أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بحثّ أطراف النزاع على إنهاء الإفلات من العقاب، بعد تأكيده أنها، بدون استثناء، ملوثة الأيدي، لكن لدى الأطراف كافة مهارات نوعية في الإفلات من العقاب، تؤهلها لارتكاب جرائم حرب لا تراها عين الأمم المتحدة.
جماعة الحوثيين مثلاً، وبدلاً من نقاش الجرائم المنسوبة إليها في تقرير الخبراء، ذهبت لاتهام اللجنة بأنها وصفت حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي بـ"الشرعية"، وقالت إنها هي الحكومة الشرعية، بدليل أنها تحمي البعثات الدبلوماسية والمنظمات الأممية، وكأن طائرات السفراء لا تتوقف عن الإقلاع والهبوط يومياً في مطار صنعاء، فيما مقار تلك البعثات قد تحولت إلى أطلال منذ مطلع 2015.
قفزت جماعة الحوثيين على اتهامات بـ"جرائم قتل غير مشروع في نقاط التفتيش وقصف بقذائف الهاون والتعذيب والحرمان من الحق بالمحاكمة العادلة"، ولوّحت بالمظلومية التي تستخدمها مراراً لابتزاز الداخل والخارج بحديثها عن أن الأمم المتحدة تضع الضحية والجلاد في خانة واحدة، فالضحية بنظرهم يحق لها إيقاع المزيد من الضحايا.
وفي الضفة الأخرى، لم يعلق التحالف الذي تقوده السعودية على التقرير الأممي، فهو يدرك جيداً أنه سيخرج من الاتهامات بطريقته المعتادة التي يذر بها الرماد في عيون المجتمع الدولي بإعلانات صورية عن إحالة الانتهاكات المنسوبة للطيران، أو ما يفضل تسميتها بالغارات العمياء، إلى ما يسمى بالفريق المشترك التابع له والذي دأب طيلة الأعوام الثلاثة الماضية على إيجاد مخارج تحفظ للتحالف السعودي ماء الوجه في ظلّ الضربات الجوية الدامية.
لا تقرّ أطراف الصراع في اليمن بالجرائم التي ترتكبها في وضح النهار، ولا تعلن حتى أنها ستقوم بجبر ضرر آلاف الأسر الموجوعة، بل تتعمد الأذى لإدراكها أنه ما من عدالة ستطاولها اليوم أو غداً، فلو أن هناك عدالة، لما تجرأت جماعة الحوثي على إرسال عشرات القذائف إلى أحياء مأهولة بالسكان في مدينة تعز في أول يوم دراسي، أو تفجير حروب جديدة في بلدات الحديدة، ونسف اتفاق استوكهولم.
كان اليمن طيلة السنوات الخمس الماضية حقل تجارب لكل الأطراف والفصائل الصغيرة والأصغر، وفيه تم استخدام الأسلحة كافة واختبار أداء القيادات والمليشيات كلها، ولذلك هناك آلاف الجرائم غير المرئية، والتي لم تصل إليها التقارير الأممية، ولا يعرفها إلا أهالي الضحايا المنتظرون لعدالة قد تأتي يوماً ما.