مع اختتام الدورة الـ48 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، والتي عُقدت في مدينة جنيف بدءاً من 14 سبتمبر/أيلول الماضي، يكون فريق الخبراء البارزين المعني باليمن قد أنهى رسمياً ولايته الرابعة، تاركاً وراءه جدلاً واسعاً حول التسييس الحقوقي، وعلامات استفهام عن سبب الإصرار الدولي على إطالة أمد الصراع اليمني، وتحويل الضحايا إلى مجرد أسماء على شواهد القبور، بدلاً من إنصافهم. بعيداً عن طريقة إطاحة فريق الخبراء أو تلويح الإدارة الأميركية بالضغط لعودته من خلال ولاية خامسة، وقد تفعل ذلك نكاية بالسعودية، تبقى الأسئلة المطروحة، هل تشكل مسألة إنهاء ولاية فريق المحققين فعلاً نكسة كبيرة لضحايا الحرب؟ وهل الفريق كان "بارقة أمل"، كما وصف نفسه في آخر بيان وداعي؟ أم أنّ ما يجري هو مجرد توظيف واستثمار للدماء اليمنية في الكيد السياسي؟
منذ تشكيله في عام 2017، لم يجلب فريق الخبراء أي عدالة للضحايا الذين تتلطخ بدمائهم أطراف النزاع كافة وداعموهم الإقليميون. وبدلاً من تقييد الجرائم ضد مجهول، كان الفريق يقيّد الجرائم بجوار الجرائم فقط، وذلك بتطبيق خاصية "تحديد الكل" على الأطراف كافة، وهذا بالطبع ليس اكتشافا، بل هو واقع مشهود.
كان ضحايا الحرب في اليمن يأملون من فريق الخبراء أن يكرس جهده لاستقصاء انتهاك واحد على الأقل خلال العام، نموذج فقط لوحشية كل طرف، ويعمل بكل إخلاص على تفعيل التحقيق في تلك الانتهاكات، سواء كانت ضربات جوية لـ"التحالف العربي" أو مجازر عمدية، مثل محرقة اللاجئين التي أقر بها الحوثيون في صنعاء على سبيل المثال، وإيصالها إلى المحافل الدولية، من أجل تقديم الجناة للمحاكمة بشكل عاجل.
لكن، كما هو حظ اليمني عندما يتعلق بقشّة، ظهر فريق الخبراء يشكو أكثر من ضحايا الحرب، ويحتاج للتضامن معه ربما. أرجع الفريق محدودية تنقلاته إلى جائحة كورونا، على الرغم من أن الوباء ظهر في العامين الأخيرين فقط، وشكا من محدودية شديدة في الفترة المخصصة للتحقيق، على الرغم من أنه كان لديه عام كامل لتجهيز تقرير سنويّ واحد، كما حمّل تجميد عمليات التوظيف في الأمم المتحدة مسؤولية تقليص نطاق عمل الفريق وتغيير أساليب عمله.
بناءً على كل هذه المبررات، اعتمد فريق الخبراء على مراسلات قد تكون مضللة وبيانات رسمية دعائية، مصدرها أطراف النزاع نفسها. ولذلك، واصل في كل تقاريره، التي بدت سطحية، اعتماد معيار إثبات موحد للانتهاكات كافة، يتمثل في "وجود أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بوقوف طرف وراء الانتهاك".
منهجية الاستقصاء الأممية بشكل عام، تبدو كأنها تعمل على تمييع الانتهاكات وتبييض الجرائم، من خلال الحرص على مفردات تفتح ثغرات قانونية للجناة، وتتيح لهم إمكانية التملص من المسؤولية. كان على الأمم المتحدة أن تفهم جيداً أنّ الحالة اليمنية تختلف عن باقي مشاكل وصراعات العالم أجمع.
في اليمن، لا نزاهة ولا قواعد اشتباك تُطبّق أساساً. أطراف الحرب ترتكب الانتهاكات ولا تعلن مسؤوليتها عن القصف، إلا بعد تأكّدها من عدم سقوط مدنيين، وإذا ارتكبت الانتهاكات، فلديها ألف طريقة وطريقة لتبرير الجرائم وتحويل الضحايا إلى أهداف مشروعة.
لذلك، فإن مصطلحات "وجود الأسباب المعقولة التي تدعو للاعتقاد" أو "قد ترقى إلى جرائم حرب"، غير صالحة للاستخدام الحقوقي في اليمن. الجرائم الوحشية التي ارتكبتها أطراف النزاع، لا تحتمل التأويل، فهي ترقى إلى جرائم حرب، وتستحق أن يُساق المسؤولون عنها إلى المشانق اليوم قبل الغد.
إسقاط ولاية الخبراء عمل سياسي يُدين الدول التي وقفت وراء ذلك بشكل كبير، لكن استمرارهم لم يكن ذا معنى، ولم يردع الجناة عن ارتكاب المزيد من الجرائم الوحشية. إنصاف الضحايا في اليمن يبدأ بوقف الحرب أولاً، وإنقاذ الملايين من جريمة حرب مشهودة يشارك فيها الجميع، وهي التجويع، ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي للمجتمع الدولي الآن. إذا توقفت الحرب، ساعتها ستجد العدالة طريقها، وتنصف ضحايا النزاع بلا استثناء.