30 يوماً فقط احتاج لها "المجلس الانتقالي الجنوبي" في اليمن للتحول من كيانٍ متمرد بقوة السلاح على الدولة، ومن انقلابي يسطو على المؤسسات، إلى كيان شرعي يمتلك خمس حقائب في حكومة معترف بها دولياً، ويتهم الرئاسة اليمنية بـ"الانقلاب". معجزة كهذه، لا يمكن حتى لمارد فانوس علاء الدين أن يحققها في هذا الوقت القياسي، وتجعلنا نؤمن مجدداً أن زمن المعجزات لم يغادرنا بعد، وأن بساط الريح لا يزال قادراً على قهر المستحيل، ولو بتحويل الانقلابي إلى شرعي، والشرعية إلى جهة انقلابية. من يقرأ البيان الصادر عن المجلس الانتقالي، مساء الأحد الماضي، يكتشف هذا النوع من المعجزات. من يصدق أن المجلس الانتقالي، يتهم الرئاسة اليمنية بـ"تعطيل عملية استكمال تنفيذ اتفاق الرياض" و"إرباك المشهد"، و"إفشال عمل حكومة المناصفة"، و"الانقلاب الخطير والخروج الصارخ" على مضامين اتفاق الرياض.
لم يكن ينقص بيان "الانتقالي" سوى معايرة الرئاسة اليمنية ووصفها بـ"المدعومة إخوانياً"، على غرار الاتهامات التي كانت الشرعية تسوقها للمجلس وتقول إنه مدعوم إماراتياً. هذه المفردات التي ساقها الانفصاليون للشرعية، كانت قبل ستة أسابيع فقط، ترد بشكل حرفي، في كافة بيانات الخارجية اليمنية التي تتهم المجلس الانتقالي، بإرباك المشهد وتعطيل اتفاق الرياض والانقلاب على الشقّ العسكري والأمني. تحول المجلس الانتقالي إلى شريك في الحكم عقب تمرد أغسطس/آب 2019 في عدن، وتمّ القفز من شقّ الترتيبات العسكرية والأمنية إلى الشق السياسي المتمثل بتشكيل حكومة، وفوق هذا يتهم أعضاء المجلس الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالانقلاب عليهم، على الرغم من أنهم قد انقلبوا على الاتفاقات والتفاهمات والنسخ المتتالية لاتفاق الرياض.
يقول المجلس الانتقالي إن هادي انقلب عليهم بعد تعيين مستشاره أحمد بن دغر رئيساً لمجلس الشورى، وتعيين وكيل وزارة الداخلية أحمد أحمد صالح الموساي نائباً عاماً للجمهورية، رغم أن اتفاق الرياض، بحسب النسخ الأولية المسربة منه، نصّ على شراكة وتوافق في ما يخص الحكومة ومحافظي المحافظات المحررة وبعض المصالح الحكومية المتعلقة بمحاربة الفساد، مثل الجهاز المركزي للرقابة وهيئة مكافحة الفساد.
لكن، وبما أننا في زمن المعجزات، وبما أن شرّ البلية هو ما يحكم باليمن، فليس من المستبعد أن يستنكر المجلس الانتقالي بشدة، قيام رئيس الجمهورية بتهنئة دولة موزمبيق بالعيد الوطني، ويعلنوا عدم التعاطي مع تلك التهنئة، خشية من تدخل موزمبيقي داعم للشرعية. من المؤكد الآن، أن جماعة الحوثيين تغبط المجلس الانتقالي، كون القدر جمعها بماردٍ ذي حظوة، وليس مثل ماردهم الإيراني الذي "فركوه" منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فجلب لهم عقوبات أميركية أدخلتهم في نادي المنظمات الإرهابية، وليس الحكومات الشرعية. ومن المؤكد أيضاً أن الرئيس هادي يندب حظه، وكيف أنه يتحول إلى مجرد سكرتير يوقع على القرارات المرضي عنها فقط.