نال اليسار الفرنسي أسوأ نتائج في استطلاعات الرأي حول الانتخابات الإقليمية، التي تنطلق الأحد المقبل، في صورة تأتي نتيجة للانقسام الذي تعاني منه الأحزاب اليسارية وحالة التفكك التي بدأت منذ عام 2015 في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند.
ووفقاً لأحدث استطلاع رأي أجرته "ابسوس" و"سوبرا ستيريا" لصالح قناة "فرانس 3"، في 9 يونيو/حزيران الحالي، فإن الأحزاب اليسارية لن تتمكن من تصدر أي إقليم من الأقاليم الـ13 في فرنسا، بما في ذلك الأقاليم الخمسة الحالية التي تديرها أحزاب اليسار، حيث تشير نتائج الاستطلاع إلى أرقام تاريخية لم يسبق أن كانت منخفضة إلى هذه الدرجة، إذ ستنال قوائم اليسار 20 في المئة في أقاليم بروفانس آلب كوت دازور، وغراند ايست، واوت دو فرانس، وأقل من 30 في المئة في إقليمي أوفرن رون آلب والنورماندي، إضافة لأقل من 35 في المئة في إقليم ايل دو فرانس، في حين ستنال القوائم نحو 40 في المئة من نوايا التصويت في نوفل آكتين وأوكسيتاني على الرغم من أن الإقليمين كانا تاريخياً من مناطق نفوذ اليسار العصية.
ناخبو اليسار يجنحون إلى اليمين
وبعد ست سنوات من الانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2015، وخسر فيها اليسار بسبب أداء هولاند والأزمات التي ضربت عهده ولا سيما تلك الأمنية والهجمات الإرهابية التي وقعت في فرنسا، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين الفرنسيين بمختلف انتماءاتهم الحزبية، باتوا يميلون إلى الأفكار اليمينية، خصوصاً تلك المتعلقة بالأمن، إذ قال 47 في المئة منهم في استطلاع أجراه معهد "أوبنيون واي" لصالح صحيفة "ليزيكو" الفرنسية، في إبريل/نيسان الماضي، إن ملف الأمن بات أهم موضوع في هذه الانتخابات، على الرغم من أنه لم يكن في يوم من الأيام من صلاحيات الأقاليم، في حين حلت ملفات التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل في المرتبة الثانية من أولويات المستطلعين، لتليها في المرتبة الثالثة قضايا البيئة والحياة المعيشية.
فوز الرئيس إيمانويل ماكرون وحزبه الوليد "الجمهورية إلى الأمام" بالانتخابات الرئاسية عام 2017، كان أحد الركائز الأساسية في تراجع اليسار، الأمر الذي استغله الرئيس الجديد الشاب بشكل كبير، فثبّت في أذهان الناخبين اليساريين الفكرة القائلة إن هولاند كان الخذلان الأقسى للقوى اليسارية بما طرحه من أفكار، لا سيما تلك المتعلقة بضريبة 75 في المئة على الدخل السنوي الذي يزيد عن مليون يورو، وإسقاط الجنسية الفرنسية عن المتهمين بقضايا الإرهاب، أو حتى قانون العمل.
وعندما حاول الاشتراكيون الذين قادوا قوى اليسار آنذاك، تدارك الموقف بطرح بنوا هامون كمرشح لمنافسة ماكرون كان الوقت قد فات، إذ أعطى الناخبون أصواتهم بالفعل إلى ماكرون عندما احتدمت المنافسة مع زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف مارين لوبان.
اختبار قبل رئاسيات 2022
ويُنظر إلى الانتخابات الإقليمية على أنها "بروفا" تسبق الانتخابات الرئاسية، وتقدم صورة لرسم بعض التوقعات لما ستكون عليه الأمور في الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، وهنا يبدو اليسار بعيداً حتى الآن عن خوض المنافسة كقوة يخشاها ماكرون أو لوبان، حتى أن البعض يرى أن حزبي "الجمهورية إلى الأمام" و"التجمع الوطني" لا يفكران كثيراً بما يمكن أن يفعلاه لتجنب مواجهة مع اليسار في الجولة الأولى من الانتخابات، لأن سيناريو تحقيق اليسار مفاجأة في الانتخابات الرئاسية يبدو حتى الآن بعيد المنال، لذلك ينحصر تركيز ماكرون ولوبان حول منافسة تخصّهما وحدهما، وكأن باقي الأحزاب ليست موجودة، أو لا تشكل خطراً يذكر عليهما.
هذا المنطق ستقدم الانتخابات الإقليمية برهاناً عليه، فاليسار غير قادر على إجراء مناورات لزيادة حظوظه، لا في الانتخابات الإقليمية ولا حتى الرئاسية، فعلى الرغم من الاجتماع الوحيد الذي عقدته قوى اليسار في 17 إبريل/نيسان الماضي، من أجل البحث عن حل للمّ الشمل، لم يسمع أحد بعد ذلك عن خطوات لاحقة لتنفيذ ما اتفق المجتمعون عليه: "مرشح مشترك ومشروع"، حيث ما زال زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون وحزبه "فرنسا غير الخاضعة" يسيران قدماً بمسألة خوضه للانتخابات الرئاسية وحيداً، بعيداً عن توافق قوى اليسار، ما يعني أن ناخبي "فرنسا غير الخاضعة" ما زالوا خارج الأصوات التي تحصيها قوى اليسار كقواعد انتخابية لأحزابها، فضلاً عن أن الحزب الاشتراكي لم يبد أي اهتمام بفرضية أن يتنازل عن تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية، الأمر الذي يجعل المهمة أصعب بكثير لقوى اليسار خلال الانتخابات الإقليمية من أجل السيطرة على حالة التسرب من صفوف ناخبيهم.