الهبّة الشعبية والنظام السياسي الفلسطيني: هل يتقاطعان أم يتعاكسان؟

30 أكتوبر 2022
مسلحون في تشييع شهداء نابلس (ناصر اشتية/Getty)
+ الخط -


من يراقب الحالة السياسية الفلسطينية، وتحديداً في الأراضي المحتلة منذ العام ١٩٦٧؛ خاصةً في الضفة الغربية والقدس، يلاحظ حالة الغليان والاحتقان الصاعدة منذ فترة طويلة، وأعمال المقاومة، شعبية كانت أم مسلحة، التي تزداد في بعض المراحل وتخف وتيرتها في مراحل أخرى. لكن كيف يتفاعل الشارع الفلسطيني مع هذه الفعاليات والأعمال؟ وكيف تتعامل معها كافة مكونات النظام السياسي الفلسطيني؟ هذا ما تحاول المقالة الإجابة عنه.

لن تعود المقالة إلى مرحلة ما بعد اتفاقيات أوسلو، فقد امتلأت الصفحات الإعلامية والبرامج التلفزيونية بتوصيف الواقع الفلسطيني، والآثار الكارثية لهذه الاتفاقيات على مجمل الشعب الفلسطيني، وعلى النضال من أجل التحرر الوطني.

استمرت المنظومة الاستعمارية في العمل، بكافة الوسائل، على تحقيق وتنفيذ المشروع الصهيوني الاستعماري، عبر الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، واستكمال سياسة التطهير العرقي التي بدأت قبل العام 1948، في كافة أراضي فلسطين التاريخية، مستفيدةً من وجود السلطة الفلسطينية، واتفاقيات التنسيق الأمني، ومن اتفاقيات التطبيع مع الأنظمة العربية، ومن تخاذل ما يسمى بـ" المجتمع الدولي".

أمعنت المنظومة الصهيونية في سياستها، عبر سن القوانين والأوامر العسكرية، وتمادت في سياسة القتل وإعدام الفلسطينيين؛ خاصة الشباب والأطفال، وصل عدد الشهداء في العام الحالي إلى 183 فلسطينياً منهم 42 طفلاً.

تمثّل التصعيدات الإسرائيلية الأخيرة؛ المستمرة منذ الصيف، هجمات ممنهجة واسعة النطاق ضدّ الفلسطينيين/ات في الضفة الغربية، تشمل المداهمات العسكرية شبه اليومية، وعمليات القتل، وتزايدت وتيرة هجمات المستوطنين، والعقوبات الجماعية المفروضة على التجمعات الفلسطينية المختلفة.

كذلك؛ صعّدت قوات الاحتلال عقوباتها الجماعية بحق الفلسطينيين/ات في الأسابيع الأخيرة، شملت الإغلاق وحصار المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، إذ فرضت قوات الاحتلال؛ من 8-13 أكتوبر/تشرين الأول، إغلاقاً محكماً على مخيم شعفاط للاجئين وعلى بلدة عناتا، كما كثّفت من مداهماتها لهذه المناطق، مما قيّد حرية الحركة وشلّ مناحي الحياة لقرابة الـ 130 ألف فلسطيني/ة، الذين يعيشون هناك.

وتفرض قوات الاحتلال؛ منذ 11 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إغلاقاً مماثلاً على مدينة نابلس، يحدّ من إمكانية الدخول إلى المدينة والخروج منها، من خلال وضع حواجز تغلق الطرق المؤدية إلى المدينة.

في ظل هذا التصعيد الخطير، تتزايد مقاومة السياسات الاستعمارية فلسطينياً، وعبر هبّات وحركات شعبية، ومقاومة مسلحة في بعض الأحيان، كما تشهد منطقتا جنين ونابلس حالة جديدة تتمثل في تشكيل كتائب مسلحة من خارج المنظومة الحزبية؛ كتيبة جنين وعرين الأسود، هي مجموعات مسلحة مكونة من أفراد؛ غالبيتهم، لا ينتمون إلى الفصائل الفلسطينية، في حين لا يعتبر المنتمون منهم فصائلهم مرجعية لهم. وفق بعض المصادر، هي ظاهرة عفوية وفردية ومحلية عابرة للفصائل، لا تملك بنية فكرية متبلورة، ولا بنية تنظيمية محددة، ولا يوجد لها قادة كبار.

تتزايد وتيرة فعاليات المقاومة، كرد فعل على سياسات جيش الاحتلال والمستوطنين، التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين، والعناصر التابعة للمقاومة المسلحة. المقاومة التي تعني الدفاع عن النفس، والدفاع عن السكان في المدن والمخيمات المحاصرة، والتي تستخدم أساليب جديدة، لأنها لا تملك أسلحة قتالية متقدمة، بل جلها عبارة عن أسلحة خفيفة، تتحصل عليها؛ غالباً، من حركة الجهاد الإسلامي.

تقاعس الفصائل 

يتساءل العديد عن مشاركة الفصائل الفلسطينية، التي يصل عددها إلى أربعة عشر فصيلاً؟ الفصائل التي يتزايد عددها كي نشاهدها في مراسم التواقيع على البيانات، أو عند مشاركتها في المؤتمرات والحوارات، التي تجدها الكاتبة غير مجدية. نرى اليوم انفصالاً كبيراً بين الشعب والحركات الشعبية ومجموعات المقاومة المسلحة من جهة، والفصائل من جهة ثانية.

هناك حاضنة شعبية مهمة، وتعاطف شعبي كبير مع المقاومين، وهو أكبر ضمان لمواصلة النضال، في حين ذهب الأمناء العامون وقيادات 14 فصيلا إلى اجتماع الجزائر، من أجل إيهامنا بأنهم يسعون إلى إنهاء الانقسام! في الحقيقة هو ليس انقساما، بل تنازع على النفوذ في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

ضعف السلطة بات جليًا في وصول مشروعها السياسي إلى طريق مسدود، وفي عدم تبنيها مشروعاً جديداً، وفي تأجيل؛ أو بالأحرى إلغاء، الانتخابات، خشية نتائجها؛ ما أدى إلى مزيد من تآكل شرعيتها، وانحصار دورها في أن تكون وكيلاً أمنياً للاحتلال، خصوصًا بعد تحديد سقف أمني- اقتصادي للعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، دون أي مضمون أو أفق سياسي، إضافة إلى تفاقم الخلافات والصراعات على السلطة، والصراع على الخلافة، كما ظهر في تجميد عضوية توفيق الطيراوي في لجنة حركة فتح المركزية، ومن قبله فصل ناصر القدوة، وفي عدم تحديد موعد جديد لعقد مؤتمر حركة فتح الثامن، على الرغم من تحديد موعدَيْن سابقَيْن في شهري مارس/آذار ومايو/أيار الماضيين، لم يلتزم بأي منهما.

لاعبون جدد

انخرط بعض أعضاء حركة فتح، وبعض أعضاء القوى الأمنية، في مقاومة نابلس تحديداً، وربما يؤدي تصاعد الأحداث إلى مشاركة أوسع من أوساط التيارات الفتحاوية المعترضة على سياسة محمود عباس، قائد الحركة وأمينها العام!

في حين تعتبر حركة الجهاد الإسلامي المستفيد الأساسي مما يجري، فهي تدعم الكتائب المسلحة مالياً ولوجستياً، وتتبنى بعض العمليات، لكن هل يتطور دور الحركة السياسي في المستقبل؟ هل تنضم الحركة إلى العمل السياسي؟ ربما من المبكر الإجابة عن هذه الأسئلة، لأننا نعرف أن الحركة تستند إلى دعم مالي وسياسي إيراني، ونعلم من تجربتنا مع حركة حماس، كيف غيرت حماس استراتيجيتها أكثر من مرة، وفق أهواء ومصالح الطرف الداعم.

هل تسير حركة الجهاد على خطى حركة حماس بالارتهان إلى شروط المموِل والحليف؟ إيران لديها مصالح ونفوذ، كسائر القوى الإقليمية، كما ندرك طبيعة الدور الذي تلعبه في سورية ولبنان واليمن، وندرك أيضاً إمكانية استخدام نفوذها في المنطقة، من أجل لعب دور على المستوى الدولي، "أوامر مباشرة" من طهران.

منذ تأسيس حركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين عام 1981، تأثرت الحركة بأفكار الثورة الإيرانية الإسلامية، إذ ارتكز مؤسس الحركة؛ فتحي الشقاقي، على أفكار الخميني، الأمر الذي عمق ترابط الحركة مع إيران أيديولوجياً وسياسيًا وعسكريًا.

يقر قائد حركة الجهاد زياد النخالة، بمتانة علاقة الجهاد مع إيران، إلى درجة توحي بتبعية الحركة المطلقة لإيران، كما في تصريحه العام الماضي بأن "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، تتلقى أوامر مباشرة من الحرس الثوري الإيراني". بالإضافة إلى ذلك، قال نخالة إن "إيران زودت قطاع غزة بصواريخ استخدمت لشن هجمات على تل أبيب".

أما السلطة ورئيسها محمود عباس، فحدث ولا حرج، هناك تخاذل كبير عن تقديم المساندة والدعم للشعب، السلطة وقيادتها لا تزالان تستجديان التعاطف الرسمي العالمي، الذي يدعم المنظومة الاستعمارية دعماً كبيراً، دون أي حرج. استمرار استجداء السلطة هو تعبير عن هزيمة مشروع السلطة، هزيمة مشروع حل الدولتين، لسلطة لا يوجد لديها أي نوع من السيادة.

رأينا كيف تعاملت السلطة مع حصار مخيم شعفاط وبلدة عناتا، وكيف تتعامل مع الحصار الخانق على مدينة نابلس، حيث لم تلب الحكومة دعوة مؤسسات نابلس رئيس الوزراء؛ محمد اشتية، الحضور إلى نابلس، وعقد اجتماع مجلس الوزراء فيها، مكتفياً بإرسال بعض وزرائه.

رأينا كيف عالج الاتحاد الفلسطيني للتايكواندو بطولة التايكواندو الدولية، المفترض عقدها في جامعة النجاح في نابلس، فبدلاً من الإصرار على عقدها، من أجل تحدي الحصار، قدم الاتحاد الفلسطيني طلباً إلى جامعة بيرزيت لاستضافة البطولة، لكن إدارة جامعة بيرزيت رفضت الطلب عبر النص التالي: "تعرب الجامعة عن شكرها وثقتها بالاتحاد، إلا أنها تعلن اعتذارها عن الاستضافة، التي ستساهم في فرض مزيد من الحصار الخانق والظالم على شعبنا في مدينة نابلس الأبية، مؤكدة أهمية عقدها في نابلس، لتسليط الضوء أمام الوفود المشاركة على وضع المدينة المحاصرة. وتطالب جامعة بيرزيت المؤسسات الدولية والحقوقية والوطنية بالعمل بشكل جاد وعاجل لفك الحصار الذي يفرضه الاحتلال على مدينة نابلس منذ ما يزيد على أسبوعين".

ضعف السلطة بات جلياً في وصول مشروعها السياسي إلى طريق مسدود

الأمل وإرادة التغيير والمقاومة

ما يجري في الضفة الغربية يدل على أن الشعب شرع في أخذ زمام المبادرة، ويقرر مصيره بنفسه، لكن هذه عملية طويلة، وبحاجة إلى وقت ومراحل عديدة، بعدما تخلّت جميع المرجعيات الوطنية؛ بدرجات متفاوتة، عن دورها، وخلقت فراغًا كبيرًا، إن لم يملأه الشعب، سيملأه الاحتلال وأدواته وعملاؤه ومخططاته، بمساعدة من لاعبين آخرين فلسطينيين، وعرب وإقليميين ودوليين، بما ينذر بعودة الوصاية والاحتواء والبدائل.

يجب عدم وضع أحلام الشعب وأهدافه في عمل الكتائب المسلحة، إذ ليست منوطة بها قيادة الجماهير، وقيادة التغيير، من أجل التحرر الوطني، برأي الكاتبة؛ يجب العمل على خلق قيادات ميدانية مناطقية، وأخذ العبر والدروس المستقاة من تجربتي الانتفاضة الأولى والثانية، العودة إلى الجماهير، عودة المؤسسات الشعبية؛ التي تحولت إلى منظمات غير حكومية، إلى العمل في الشارع، مع نبض الجماهير، والإسناد سواء عبر تقديم الدعم في الخدمات الأساسية، أو عبر دعم صمود الناس، في ظل سياسة العقوبات الجماعية؛ مثل حصار القرى والمدن والمخيمات، والعودة إلى توعية الناس.

يجب العمل مع الشباب والشابات، وترك المساحة الكافية لهم/ن، دون أي وصاية أبوية عليهم/ن، أي أنه يمكن الرجوع إلى تجارب الانتفاضة الأولى مثالاً ونموذجاً.