النظام السوري نحو حلّ "جيش العشائر" في دير الزور

30 اغسطس 2024
عنصر من "جيش العشائر" بمنبج، 6 سبتمبر 2023 (بكر قاسيم/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تشكيل "جيش العشائر" وأسبابه**: تشكّل "جيش العشائر" في دير الزور كرد فعل على اعتقال "قسد" لقائد مجلس دير الزور العسكري، أحمد الخبيل، وضمّ أغلب عناصره من قبيلة العقيدات لمواجهة "قسد".

- **دعم النظام وإيران واشتباكات مع "قسد"**: تلقى الفصيل دعماً من النظام السوري والمليشيات الإيرانية، وخاض اشتباكات مع "قسد" انتهت بهزيمته وفرار قادته، وفشل هجومه الأخير بدعم إيراني بعد تدخل التحالف الدولي.

- **نية النظام لحل الفصيل ومستقبل قادته**: يتجه النظام لحل "جيش العشائر" ودمج عناصره في مليشيات محلية، ما يواجه رفضاً من قادته، لكن يُتوقع قبولهم بقرارات النظام بعد فشلهم في تحقيق نتائج ميدانية.

يتجه النظام السوري إلى حل فصيل عشائري تشكّل أخيراً لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، هو "جيش العشائر"، ودمج عناصره في مليشيات محلية أخرى، ما يجد رفضاً من قادة هذا الفصيل الذي يعتمد على دعم النظام وإيران في استمرار عملياته في ريف دير الزور الشرقي. وذكرت شبكة نهر ميديا الإعلامية المحلية أن ضباطاً من جهازي أمن الدولة والأمن العسكري التابعين للنظام، اجتمعوا الثلاثاء الماضي، مع شيخ قبيلة العقيدات وقائد "جيش العشائر" المدعوم من النظام، إبراهيم الهفل، في حيّ الفيلات بمدينة دير الزور، حيث جرت مناقشة مقترح حل "جيش العشائر" في دير الزور. وأضافت أن الهفل ومعظم قادة المجموعات في الفصيل، رفضوا المقترح، مؤكدين أن عمليات الفصيل تنحصر ضد "قسد" فقط ولن يشارك في عمليات أخرى.

ولمحافظة دير الزور، المنقسمة اليوم بين النظام والإيرانيين و"قسد"، وتعد ّمن كبريات المحافظات السورية لجهة المساحة، طبيعة عشائرية، إذ تقطنها قبائل عربية، سواء في جنوب نهر الفرات أو ما يُعرف محلياً بـ"الشامية"، أو شمال النهر المعروف بـ"الجزيرة". وجميع سكان المحافظة من العرب، وهو ما يتنافى مع طبيعة "قسد" ذات الطابع الكردي، إذ إن الوحدات الكردية تشكّل الثقل الرئيسي لها.

تشكيل "جيش العشائر" في دير الزور

ويعود ظهور ما سُمِّي "جيشَ العشائر" إلى سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، عقب خلافات مع "قسد" التي تسيطر على ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات. وكان تشكيل هذا الفصيل، وأغلب عناصره من أبناء قبيلة العقيدات، رداً على اعتقال "قسد" قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها، أحمد الخبيل، بتهم تتعلق بالفساد والتعامل مع النظام السوري. وأعلن الهفل، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تشكيل قيادة عسكرية موحدة لألوية وفصائل عسكرية لمواجهة "قسد"، مشيراً إلى الاتفاق على تشكيل قيادة موحدة تحت اسم "قوات العشائر العربية"، مكونة من 11 فصيلاً عسكرياً في دير الزور، بهدف تنفيذ عمليات "كر وفر" نوعية ضد "قسد".


جاء تشكيل "جيش العشائر" في دير الزور نتيجة تهميش المكوّن العربي في عموم منطقة شرقي الفرات 

كما جاء تشكيل "جيش العشائر" في دير الزور نتيجة تهميش المكوّن العربي في عموم منطقة شرق الفرات، رغم أنه يشكل الغالبية الساحقة للسكان، إذ تفردت "وحدات حماية الشعب" الكردية بكل مفاصل القرار في المنطقة. وخاض الطرفان اشتباكات دامية انتهت بهزيمة "جيش العشائر" في دير الزور، ما دفع قادته وعناصره إلى الفرار إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام في الجانب الأيمن من نهر الفرات. ودعم النظام والمليشيات الإيرانية في دير الزور هذا الفصيل بالسلاح والذخيرة لاستخدامه في مناكفة القوات الأميركية التي تحتفظ بحضور عسكري في ريف دير الزور، وتدعم "قسد" باعتبارها الذراع البرية للتحالف الدولي في محاربة "داعش". كذلك استغل النظام حالة التململ والاستياء الشعبي في المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد"، بسبب تردي الأحوال المعيشية وعدم إيلاء المنطقة الاهتمام الخدمي رغم غناها بالثروات، وخصوصاً البترولية، إذ تضم كبريات حقول وآبار النفط والغاز، وأبرزها "العمر" و"كونيكو".

إحباط هجوم على "قسد"

وشنّ "جيش العشائر" في دير الزور مع فصائل ومليشيات عشائرية أخرى تضم مسلحين محليين، مدعومة من إيران، هجوماً مطلع الشهر الحالي، على "قسد" التي أفشلت الهجوم بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بعد اشتباكات استمرت لعدة أيام. وارتكبت هذه الفصائل العشائرية مجزرة في التاسع من آب الحالي، بحق مدنيين في قريتي جديدة بكارة ودحلة، أغلبهم أطفال ونساء، نتيجة قصف عشوائي، وهو ما زاد النقمة الشعبية عليهم. واضطر النظام إلى إيقاف الهجوم عقب محاصرة "قسد" للمربعين الأمنيين التابعين له في مدينتي الحسكة والقامشلي، ما دفع الجانب الروسي إلى التدخل لتبريد الأجواء بين الجانبين، خصوصاً أن "قسد" شنت هجوماً على مواقع لقوات النظام جنوب نهر الفرات لأول مرة، ما كان يمكن أن يفضي إلى توسيع دائرة الصراع في المنطقة. وخففت "قسد" بوساطة من الجانب الروسي من قبضتها الأمنية وحصارها في محيط المربعين، مقابل توقف الأعمال القتالية ضدها في ريف دير الزور من قبل المجموعات المحلية، ومنها مجموعة الهفل، وهو ما حدث. فقد طلب النظام من المسلحين المحليين في "جيش العشائر" في دير الزور التوقف عن شنّ الهجمات على "قسد" في المنطقة.

وتشي نيّة النظام حلّ "جيش العشائر" في دير الزور أو دمج عناصره في مجموعات أخرى، بأنه بات فصيلاً غير ذي قيمة، خصوصاً أنه لم يعد له أي حاضن اجتماعي في المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد"، بسبب تعاونه وتبعيته للنظام وإيران. يأتي ذلك فضلاً عن فشل الفصيل في تحقيق نتائج على الأرض يمكن أن تبدّل معطيات السيطرة الميدانية كما كان يريد النظام، لتقوية موقفه التفاوضي مع "قسد".


الناشط أبو عمر البوكمالي: المليشيات الإيرانية هي صاحبة القرار في الإبقاء أو حل أي فصيل محلي في محافظة دير الزور

 

وتشير المعطيات إلى أن قادة "جيش العشائر" في دير الزور سيجدون أنفسهم مضطرين إلى القبول بما يقرره النظام، ولا سيما أن تفاهماً مع "قسد" يبدو بعيد المنال بعد الاشتباكات الضارية، مطلع الشهر الحالي. ويوضح الناشط الإعلامي أبو عمر البوكمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام مجرد وسيط في محافظة دير الزور"، مضيفاً أن "الكلمة الأولى والأخيرة للمليشيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة، وهي صاحبة القرار في إبقاء أو حل أي فصيل محلي في محافظة دير الزور". ويعرب البوكمالي عن اعتقاده بأن الجانب الإيراني "قد يحل هذا الفصيل بضغط من الجانب الروسي"، مشيراً إلى أن الحرس الثوري الإيراني شكّل منذ عام 2017 عدة فصائل محلية، وعندما انتهى دورها حلّها، ومنها ما كان يسمّى جيش القرى". ويلفت إلى أن الفصيل الذي يقوده الهفل "تابع لرجل إيران في دير الزور المدعو هاشم السطام، الذي يقود فصيلاً يُسمّى أسود العقيدات، التابع مباشرة للحرس الثوري الإيراني"، مضيفاً أن "الهفل مهم للجانب الإيراني، لأنّ له أتباعاً في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد". ويعتقد أنه لذلك "سيبقى الهفل في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ويدمج العناصر الذين يقودهم في مليشيات محلية أخرى".

من جهته، رأى الباحث في مركز جسور للدراسات، أنس الشواخ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "منذ الهجوم الأخير (مطلع الشهر الحالي)، كان من الواضح أن دور الهفل انتهى من الناحية العسكرية، ولكن النظام استغله للتغطية الإعلامية وللتحشيد الشعبي ضد قسد". وتابع: "بقي مع الهفل عدد قليل من المقاتلين والذي لا يتجاوز بأحسن التقديرات الخمسين شخصاً إذ تراجعت قدرته على التجنيد مع تزايد مؤشرات علاقته مع النظام والمليشيات الإيرانية". وبيّن أن الشيخ الهفل "تعرض لمنافسة كبيرة من قبل الفصائل المحلية التابعة للمليشيات الإيرانية وعلى رأسها هاشم السطام والذي كان يحاول تحجيم دور الهفل في مناطق سيطرة النظام".

المساهمون