المناظرة الأخيرة في السباق الرئاسي الإيراني: خلافات حول العلاقات الخارجية والاتفاق النووي والعقوبات

12 يونيو 2021
المناظرة الثالثة مختلفة تقريباً عن المناظرتين السابقتين "الباهتتين" (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -

عقد التلفزيون الإيراني، مساء اليوم السبت، الجولة الثالثة والأخيرة للمناظرات في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، المقرر إجراؤها الجمعة المقبل، بين المرشحين السبعة الذين حاولوا اغتنام الفرصة لإظهار كل واحد منهم على أنه الأقدر على إدارة البلاد.  

والمرشحون السبعة هم رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام سعيد جليلي، وأمين المجمع محسن رضائي، ورئيس مركز بحوث البرلمان علي رضا زاكاني، ونائب رئيس البرلمان أمير حسين قاضي زاده هاشمي، ورئيس البنك المركزي عبدالناصر همتي، ومحسن مهر علي زادة، المسؤول السابق في حكومة "الإصلاحات" للرئيس الأسبق محمد خاتمي. 

والخمسة الأوائل من المرشحين هم من التيار المحافظ، أما الاثنان الآخران، فهما من التيار الإصلاحي، لكنهما ليسا من القيادات الإصلاحية البارزة، كما أن عبدالناصر همتي على الرغم من أنه عضو في حزب "كوادر البناء" المنضوي في جبهة الإصلاحات، لكنه ليس معروفاً كشخصية إصلاحية وإنما كرجل اقتصاد.

وأعطى مجلس صيانة الدستور الإيراني، الأهلية لهؤلاء المرشحين السبعة لخوض السباق الرئاسي، بعد استبعاد معظم المرشحين، من بينهم شخصيات معروفة، أمثال علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، والقيادي الإصلاحي الكبير إسحاق جهانغيري نائب الرئيس الإيراني، والرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد.  

وكانت المناظرة الثالثة مختلفة تقريباً عن المناظرتين السابقتين "الباهتتين"، إذ حاول المرشحون إخراج ما في جعبتهم لاستقطاب أصوات الناخبين الإيرانيين البالغ عددهم 59 مليوناً و310 ألفاً و307 أشخاص، فدارت المناظرة وفق قطبية ثنائية بين المرشحين المحافظين الخمسة، والمرشحين الإصلاحيين، همتي ومهرعلي زادة، وخاصة بين همتي والخمسة.  

غير أن هناك طرفاً آخر غير مشارك في المناظرة، لكنه تعرّض لهجوم حاد أقسى من الجولتين السابقتين، هذا الطرف هو حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي هاجم، الأربعاء الماضي، المرشحين الخمسة ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، مدافعاً بإسهاب عن سجله وحكومته.  

وحمّل المرشحون المحافظون روحاني مسؤولية الأزمة الاقتصادية والأزمة في العلاقات الخارجية الإيرانية، لكن خلال هذه الجولة شارك المرشح همتي في توجيه انتقادات للحكومة في مسألة انهيار البورصة الإيرانية خلال الشهور الأخيرة وسياساتها الاقتصادية، وذلك بعد أن حمّل وزير الاقتصاد، البنك المركزي، الذي كان يديره همتي حتى قبل عشرة أيام، مسؤولية هذا الانهيار.  

وأعرب جميع المرشحين عن عدم رضاهم عن أوضاع البلاد، مقدمين برامجهم لمواجهة الأزمات التي تشهدها، مع إطلاق وعود. وفيما ربط المرشح همتي الأزمات بإصلاح علاقات إيران الخارجية ورفع العقوبات، فإن المرشحين المحافظين، أكدوا أن الحل يكمن في الداخل، عبر تعزيز القدرات الداخلية لإحباط مفاعيل العقوبات وسحب هذه الورقة من الولايات المتحدة.  

ووجّه مقدم المناظرة أسئلة للمرشحين بشأن حلولهم لمواجهة مشاكل "التضخم وانعدام العدالة والركود والفساد وخلق فرص العمل والسكن". ورد عليه المرشحون من خلال شرح برامجهم وتوجيه اتهامات للطرف الآخر بأنه المسؤول تجاه خلق هذه المشاكل. 

الموقف من الاتفاق النووي 

لأول مرة، تناول المرشحون في مناظراتهم الاتفاق النووي، ليشكل حيزاً من المناظرة الثالثة، لكنه لم يكن بمستوى أهمية الاتفاق الذي كانت للانسحاب الأميركي منه عام 2018 تداعيات كبيرة، سياسياً واقتصادياً، إذ أنه وضع إيران أمام أزمة اقتصادية متفاقمة، فضلاً عن تصاعد الصراع مع الغرب. 

وعلى عكس المعارضة التي تبديها الأوساط المحافظة في التجاذبات الداخلية مع الإصلاحيين والحكومة تجاه الاتفاق النووي، إلا أنّ معظم المرشحين المحافظين لم يبدوا اعتراضاً شديداً وواضحاً على الاتفاق خلال الحملات والمناظرات الانتخابية، رغم إبداء تحفظات عليه، كانت موجهة ضد حكومة روحاني، عبر اتهامها بأنها ربطت مصير البلاد بالاتفاق. 

وفي السياق، خلال المناظرة الثالثة والأخيرة، أكد المرشح إبراهيم رئيسي دعمه للاتفاق، قائلاً "إننا سنلتزم حتما بالاتفاق النووي كتعهد، لكن يجب أن تطبقه حكومة مقتدرة".  

كما قال المرشح المحافظ محسن رضائي، "سآخذ الاتفاق النووي بشكل جاد"، مشيراً إلى أنه في الوقت نفسه سيعزز الإنتاج ويرقى به، "لكي تترجى أميركا للتفاوض". غير أن المرشح المحافظ سعيد جليلي، انتقد الاتفاق النووي، قائلاً إنه "كان شيكاً بلا رصيد"، معلناً معارضته أيضاً انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي الدولية "فاتف" التي أدرجت إيران على قائمتها السوداء مطلع عام 2020. 

ودفع المرشح عبدالناصر همتي بقية المرشحين إلى إبداء مواقفهم تجاه الاتفاق النووي و"فاتف"، من خلال توجيه اتهامات للمرشحين المحافظين الخمسة وتيارهم بمعارضة الاتفاق ومساندة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في فرض العقوبات على إيران. 

وخاطب همتي المرشح رئيسي قائلاً "السيد رئيسي أخبرنا ماذا ستفعلون لو وصلت والمتطرفون إلى السلطة؟ أنا أقول إن العقوبات حينئذ ستشدد على إيران بإجماع عالمي"، عازياً التضخم الحالي في البلاد إلى عجز الموازنة، وقال إنّ "العقوبات تسببت في تراجع موارد الحكومة، والمنتفعين من العقوبات لم يسمحوا بتحسين الوضع. ترامب والمنتفعين من العقوبات قلبوا طاولة الاتفاق النووي". 

واتهم من سماهم بالمنتفعين من العقوبات بأنهم "يربحون سنوياً 350 ألف مليار تومان (15 مليار دولار) من العقوبات"، مضيفاً أنّ "رئيسي هو رئيس هؤلاء الخمسة (المرشحون المحافظون) فإذا تولوا السلطة ستزداد العقوبات. هؤلاء الخمسة منعوا الانخراط في فاتف". 

العلاقات الخارجية 

وحاول همتي تخويف الناخبين من المرشحين المحافظين، خصوصاً رئيسي، قائلاً إنّ "هذا التيار (المحافظ) يريد أن نعيش بمعزل عن العالم، بينما العيش من دون العالم غير ممكن." 

وأضاف همتي أن لديه استراتيجية في السياسة الخارجية، قائلاً "سأسعى لحل المشاكل في السياسة الخارجية، وحكومتي لن تكون عدوة للسعودية والإمارات"، متهما المرشح رئيسي والمحافظين باللعب في ملعب ترامب.  

وأكد همتي أن "التعامل مع العالم يشكل أساس السياسة الخارجية"، غير أن المرشح المحافظ سعيد جليلي اعترض على تصريحات همتي، قائلاً إن "البعض يحمّل العقوبات مسؤولية فشله"، متهما همتي والحكومة بـ"اختزال العلاقات الخارجية مع بلدين أو ثلاثة" في إشارة إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية.  

وقال جليلي إنّ "هؤلاء عطلوا اقتصاد البلاد بانتظار ما ستفعله هذه الدول الثلاث"، مضيفاً "أنتم حتى فشلتم في التفاوض"، ليشير إلى مفاوضات فيينا، وقال إن الطرف الأميركي يتحدث "بعنجهية" عن "ضرورة التفاوض حول قضايا كثيرة يجب أن تحل، وأنه يجب الإبقاء على العقوبات كأداة ضغط" . 

وأضاف جليلي "نعم العقوبات مهمة، لكن يجب أن نعلم ما هو برنامجنا لرفعها؟ فمن دون فهم صحيح للعلاقات الخارجية لا يمكن رفع العقوبات، هي ورقة ضاغطة بيد العدو يجب نأخذها منه".  

وردّ عليه همتي قائلاً "السيد جليلي يقول لماذا تتفاوضون مع بلدين أو ثلاثة؟ أنتم عطلتم البلاد لعقد لمفاوضات فاشلة. أنتم لا تعلمون شيئا عن العلاقات الدولية. أليس الصين والعراق من أفضل أصدقاء إيران؟ فهؤلاء الأصدقاء يرفضون تسليمنا أموالنا ويربطون ذلك بمفاوضات الاتفاق النووي". 

وعن سياسته الخارجية في حال فوزه بالرئاسة، قال المرشح المحافظ قاضي زادة هاشمي، إنّ حكومته ستكون ملتزمة بالاتفاقيات الدولية، "الأميركيون يريدون إطالة المفاوضات ولا يفهمون سوى لغة القوة. لا ينبغي أن نسمح ليمر الوقت لصالح الطرف الآخر". 

دغدغة مشاعر الأقليات 

كما حاول المرشحون استمالة أصوات الأقليات الإيرانية، خاصة الطائفة السنية في البلاد، من خلال الحديث عن ضرورة الاهتمام بشؤونهم، فكان المرشحون محسن رضائي ومحسن مهر علي زادة وعبدالناصر همتي، هم الأكثر تركيزاً على حقوق السنة من غيرهم.  

وتحدث رضائي عن ضرورة إشراك القوميات والأقليات العرقية والمذهبية والسنة في الحكم، ووجّه المرشح مهر علي زادة، انتقادات، وقال "أقصينا السنة من دون سبب من إدارة البلاد... ستسعى حكومتي إلى تدارك التمييز بحق السنة"، واعداً بإشراكهم في الحكم.  

وفي السياق، قال المرشح رئيسي "ليعلم الشعب أن رئيس الجمهورية سينظر بمساواة تجاه الجميع وبمسؤولية، وحقوق جميع الإيرانيين مضمونة، من السنة والشيعة".

المساهمون