المسيّرات الانتحارية... أحدث أساليب النظام السوري للقتل

14 مارس 2024
آثار قصف بمسيّرة، كفرنوران، حلب، 11 مارس (قاسم رمّاح/الأناضول)
+ الخط -

كثُرت منذ مطلع العام الحالي عمليات قتل مدنيين وعسكريين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في شمال غربي سورية، بواسطة المسيّرات الانتحارية والتي تنطلق من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري ومن نقاط التماس، وهو ما دفع منظمات محلية إلى التحذير من هذا "النهج الخطير" الذي يسلكه النظام لشل الحياة في المناطق الخارجة عن سيطرته.

وأوضحت منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) التابعة للمعارضة في إدلب، شمال غربي البلاد، أن مدنياً قُتل، الاثنين الماضي، جراء هجوم بطائرة مسيّرة انتحارية استهدفته أثناء قيادته جراراً زراعياً في بلدة كفرنوران غربي حلب، مضيفة أن هجوماً آخر مماثلاً استهدف منزلاً سكنياً في البلدة نفسها من دون وقوع إصابات.

وأكدت المنظمة أن الطائرتين انطلقتا من مناطق تسيطر عليها قوات النظام في المنطقة، مشيرة إلى أن مناطق في ريف حماة الشمالي الغربي، شهدت هجمات بطائرات مسيّرة انتحارية انطلقت من مناطق سيطرة قوات النظام، استهدفت عدة مواقع في سهل الغاب، إذ استهدف هجومان بطائرتين مسيرتين انتحاريتين سيارة مدنية في قرية الزقوم، فيما استهدف هجوم بمسيّرة انتحارية سيارة مدنية في قرية الحميدية.

وأضافت أن هجومين بطائرتين مسيّرتين انتحاريتين استهدفا أراضي زراعية بالقرب من منازل المدنيين في بلدة قسطون بسهل الغاب، شمال غربي حماة، من دون وقوع إصابات بين المدنيين.

تصاعد هجمات المسيّرات الانتحارية شمالي غربي سورية

كما أوضحت أن فرقها وثّقت منذ بداية العام الحالي وحتى تاريخ الأحد 10 مارس/آذار الحالي، 38 هجوماً بطائرات مسيّرة انتحارية، أدت إلى مقتل مدني، وإصابة 11 مدنياً بينهم طفل.

الخوذ البيضاء: الهجمات تفاقم التحديات التي تواجهها المجتمعات المنكوبة أصلاً 

وشدّدت في تقرير لها، الاثنين الماضي، على أن "آثار هذه الهجمات لا تقتصر على الخسائر المباشرة في الأرواح والأضرار في الممتلكات، إذ يشكل استهداف البيئات المدنية والقرى والبلدات والمزارعين والمناطق الزراعية تهديداً لقوت السكان، ما يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي".

وأشارت المنظمة إلى أن هذه الهجمات "تؤثر على قدرة السكان على زراعة المحاصيل"، كما ستزيد "من عرقلة الوصول إلى الخدمات الأساسية، ما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي تواجهها المجتمعات المنكوبة أصلاً، بسبب 13 عاماً من الحرب". وقالت إن نظام الأسد وروسيا يستخدمان "منهجيات جديدة في القتل وتحويل مدن السوريين والمرافق العامة وأجساد السوريين إلى سوق تجرّب فيه كل أنواع الأسلحة".

وفي السياق، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن قوات النظام تستخدم مسيّرات انتحارية من نوع "أف بي في" (FPV)، تم التعديل عليها لتحلّق لمسافات بعيدة، وتذخيرها بمتفجرات وقذيفة "آر بي جي" تنفجر لحظة الارتطام بالهدف. وأضاف، الاثنين الماضي، أن 48 مسيّرة انتحارية أطلقتها قوات النظام على دفعات، منذ أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، أسفرت عن مقتل وإصابة 35 مواطناً من العسكريين والمدنيين، إذ قتل "مدنيان اثنان، و16 عنصرا من هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) والفصائل".

إدخال منظومة جديدة من المسيّرات الانتحارية للخدمة

من جهته، قال القيادي في فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب، العقيد مصطفى البكور، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المليشيات الإيرانية هي من استخدمت المسيّرات خلال الأسابيع الماضية"، مضيفاً أنه تمّ إدخال "منظومة جديدة (للخدمة) من هذه المسيّرات، تتمركز في مطار حماة، فيما لديها (المليشيات) مواقع في معرة النعمان وجورين تدرّب قوات الأسد عليها".

البكور: استخدام المسيّرات الجديدة ما يزال في نطاق التجريب والتدريب

ولفت إلى أن "استخدام هذه المسيّرات ما يزال في نطاق التجريب والتدريب، لكن هناك معلومات أن هذه المنظومة سيتم اعتمادها من قبل المليشيات الإيرانية ونظام الأسد، لاستهداف المناطق المحررة بعد الانتهاء من مرحلة التجريب والتدريب".

وما يزال الشمال الغربي من سورية محكوماً بتفاهمات روسية تركية في إطار مسار أستانة (بين الدول الضامنة روسيا وإيران وتركيا، وممثلين عن حكومة النظام والمعارضة)، خفّضت التصعيد على الأرض بين فصائل المعارضة وقوات النظام، إلا أن الأخيرة لطالما تجاوزت هذه التفاهمات خلال السنوات الماضية بهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، والتي تضم ملايين المدنيين جلهم نازحون.

ولم يستبعد المحلل العسكري، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، أن تكون المليشيات الإيرانية "تجرّب أسلحة ومسيّرات جديدة، من خلال استخدامها بالقصف على الشمال الغربي من سورية".

وأوضح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الطائرات المسيّرة من نوع "أف بي في" صينية الصنع، معدة أساساً للتصوير والبث المباشر من منظور الشخص المتحكم فيها، من خلال كاميرا خاصة مثبتة عليها، مضيفاً أنها "تُحمَّل بمتفجرات وتصطدم بالهدف حين مشاهدته". وقال إنها ليست ذات تكلفة، و"تعوّض عن الطائرات الحربية والحوامات في المناطق التي تشهد منعاً للطيران".

استخدام المسيّرات الانتحارية ضد فصائل المعارضة

إلى ذلك، أوضح المحلل العسكري في مركز "جسور" للدراسات، رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجانب الروسي "استخدم هذا النوع من الطائرات المسيّرة بشكل واسع في الحرب ضد أوكرانيا"، مضيفاً: "هي نوع من الدرون يرتدي قائدها نظارات الواقع الافتراضي الذي يحوله إلى ما يشبه القائد الحقيقي للطائرة، ويعمل بموجب ذلك على تسييرها حتى الوصول إلى الهدف وتدميره".

وبيّن أن مدى هذه الطائرة "يصل إلى عشرة كيلومترات محمّلة بالمواد المتفجرة والقذائف والقنابل التي تصل إلى 25 كيلوغراماً، ولا تتجاوز تكلفتها الألف دولار".

وأضاف: "هي على نوعين: الأول يلاحق الأهداف المتحركة ويعمل على تدميرها، والثاني يتمكن فقط من تدمير الأهداف الثابتة (عربات، سيارات، نقطة تجمع لجنود مكشوفة...)، وهو النوع الذي يُستخدم حتى الآن ضد فصائل المعارضة السورية من قبل قوات النظام وحلفائها". وأشار إلى أن هذا النوع من الطائرات "يُستخدم أيضاً في حالات الاستطلاع وتصحيح رمايات المدفعية".

وعن أسباب استخدام النظام هذه الطائرة في الآونة الأخيرة، أوضح حوراني أن "عمليات فصائل المعارضة السورية ضد قوات النظام والمليشيات الإيرانية المساندة لها شهدت في النصف الثاني من العام الماضي تطوراً نوعياً".

حوراني: المسيّرات المستخدمة أقل كلفة مالية من الذخائر المدفعية والصاروخية 

وتابع: "لذا لجأ النظام إلى استخدام المسيّرات لتلافي قصور قواته البرية وعدم قدرتها (على التقدّم)، على الرغم من محاولات تنفيذ عمليات في عمق مناطق المعارضة". وأوضح أن هذه الطائرات المسيّرة "تضرب أهدافاً ثابتة وفي عمق بسيط في مناطق سيطرة المعارضة، فأكبر مسافة وصلت إليها كانت نحو 8 كيلومترات ضمن هذه المناطق".

وأشار إلى أن "المسيّرات المستخدمة أقل كلفة مالية من الذخائر المدفعية والصاروخية التي يستخدمها النظام، فضلاً عن الآثار النفسية التي تخلّفها لدى السكان، لأنها استهدفت في حالات متعددة أهدافا مدنية، وهو ما يشكل عامل ضغط على الفصائل".

وكانت موسكو أقرت منتصف عام 2021 على لسان وزير الدفاع سيرغي شويغو، بأن الجيش جرّب منذ تدخّله في سورية أواخر عام 2015، أكثر من 320 نوع سلاح مختلفاً، بما في ذلك المروحيات، في عملياته إلى جانب قوات النظام السوري.

المساهمون