المسيحيون العرب... واقع كئيب

15 يوليو 2022
سوري في إدلب، سبتمبر 2021 (عز الدين إدلبي/الأناضول)
+ الخط -

نستطيع بالتأكيد إنكار ما تحويه التقارير الغربية الراصدة لواقع مسيحيي المنطقة العربية، خصوصاً مشرقها. لكن ما لا يمكن رفضه هو لغة الأرقام والوقائع، في ظل أنظمة لم توفّر في انتهازيتها استغلال صفة "حماية الأقليات"، لتسويق قهرها الكلي للمجتمعات.

والبعض يقرأ تراجع أعداد مسيحيي المنطقة باعتباره أقل أهمية من مشاغل أخرى، على الرغم من أنه أحد أهم تجلياتها. فالوقائع الكئيبة تشير بوضوح إلى أن التنوع الذي أثرى الثقافة العربية يتحول إلى "زينة" كرنفالية هزلية، حتى فقد العراق 1.5 مليون شخص منهم، ولم يعد فيه سوى 120 ألفاً منذ الغزو الأميركي في 2003، بإحالة البلد إلى كيان محكوم بالطائفية القهرية.

بالطبع تعيش عموم المنطقة حالة قهر سياسي، مع كل متفرعاتها الأخرى. وبتبنٍ لـ"فرّق تسد"، تحت يافطات "وطنية وقومية"، تتوسع البيئات الطاردة للمواطنين عموماً نحو هجرة أو الرضوخ للابتزاز.

وما يلفت في فداحة خسارة العالم العربي لمسيحييه، هو السكوت على وقاحة انتهازية البعض في تملق الغرب، وتحميل المواطن مسؤولية التهجير.

ويمكن للواقع السوري أن يشير للابتزاز الذي برع فيه النظام (منذ انقلاب حافظ الأسد في عام 1970) لإظهار نفسه "علمانياً وحامياً للأقليات"، وإن تحت يافطة "القومية"، فنجمت عن ذلك هجرة غير مسبوقة من المسيحيين نحو السويد وأميركا الشمالية خلال 50 سنة.

وذلك بموازاة اختطاف تمثيل المسيحيين، من خلال تحالفه النفعي مع بعض الشخصيات الكنسية والسياسية، وتحميل المواطنين مسؤولية هجرة هؤلاء، ما وسّع نشر أجواء ارتياب في عموم مكونات المجتمع.

ومنذ تدخله في لبنان عام 1976، أَشهَر النظام السوري البعبع الطائفي، قفزاً بين الطوائف، من خلال أذرعه بعد عام 2005، حتى موسم الرغبة اللبنانية بالهجرة الجماعية. وتناقص مسيحيي لبنان يذكر بحالة شاذة عامة عند الأنظمة وبعض الأحزاب، تضع الناس أمام خيارين: الهجرة أو الرضوخ لمواطنة من خلال كفيل.

إجمالاً، من الصحيح أن تناقص مسيحيي المشرق العربي (من 14 في المائة إلى 3 في المائة)، ليس بمعزل عن حالة عامة، مثلما عاش الفلسطينيون المسيحيون أيضاً واقعاً احتلالياً يرغب بتهجير الجميع، إلا أن المؤسف في الحالة العامة وقوع البعض في فخ اللامبالاة، بل قراءة عقيمة ترى في ما يحدث لأشقاء الوطن شيئاً يخصهم وحدهم.

وبدلاً من أن يكون الخطاب المعارض للسلطات القهرية جامعاً، يذهب بعضه إلى تعميق ما نشرته الأنظمة والاحتلال الإسرائيلي من أجواء تقسيم، وغرق في أوحال خطاب الطائفية، والانشغال بما لم ينشغل فيه الأجداد.

المساهمون