أصدر القضاء التونسي، مساء الخميس، مذكرة اعتقال دولية بحق رئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي، بحسب ما أعلنه مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة تونس.
وجاء القرار بعدما طلب الرئيس التونسي قيس سعيّد من وزيرة العدل ليلى جفّال، أن "تفتح تحقيقاً قضائياً في حق من يتآمرون على تونس في الخارج"، مشدداً على أنه "لن يقبل بأن توضع سيادة تونس على طاولة المفاوضات، فالسيادة للشعب وحده"، وذلك لدى إشرافه يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على أول اجتماع لمجلس الوزراء.
وفي رده على هذا القرار، كتب الرئيس السابق منصف المرزوقي على صفحته في "فيسبوك": "خرجت يوماً من قصر قرطاج إلى بيتي معززاً مكرماً بعدما رفعت اسم تونس وثورتها في كل المحافل الدولية، بعدما حميت الحقوق والحريات وحافظت على المال العام، وحاولت ما استطعت جمع التونسيين، وفتحت القصر لعامة الناس ولعشرين ألف طفل، وأعددت لتونس برامج لمواجهة تحولات المناخ التي ستهدد الأجيال القادمة".
وأضاف المرزوقي: "سلّحت الجيش وأمرت الأمن الرئاسي بحماية خصومي واسترجعت قسماً من الأموال المنهوبة، وحاربت الفساد قولاً وفعلاً فأسقطني الفساد، وكان لي شرف إمهار أول دستور ديمقراطي في تاريخ تونس".
وقال المرزوقي: "هذا الدكتاتور الثالث الذي ابتليت به تونس؛ يتجاسر على اتهامي بالخيانة"، مضيفاً: "لا خائن إلا من حنث بقسمه وانقلب على الدستور الذي أوصله إلى الحكم، وورط البلاد في أزمة غير مسبوقة، وجعل من بلادنا مرتعاً لبلدان محور الشرّ، لذلك لن يخرج من قرطاج طال الزمان أو قصر، لا للإقامة الجبرية في بيته مثل بورقيبة، ولا فراراً للمنفى مثل بن علي، الأرجح للسجن أو مستشفى الأمراض العقلية، ولا بدّ لليل أن ينجلي".
وجاء القرار بعد ما نسب للمرزوقي من تصريحات تبين "مشاعر فخره إثر قرار المجلس الدائم للفرنكوفونية، المنعقد قبل ذلك والذي أوصى بتأجيل عقد القمة الفرنكوفونية عاماً، بعدما كان من المزمع تنظيمها في تونس يومي 20 و21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بجزيرة جربة".
وكان سعيّد قد قال خلال الاجتماع: "إن من يتآمر على تونس في الخارج يجب أن توجه له تهمة التآمر على أمن الدولة في الداخل والخارج".
وقد أفاد الناطق الرسمي باسم محكمة الاستئناف الحبيب الترخاني، يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن فتح تحقيق بخصوص التصريحات الصادرة عن المرزوقي في فرنسا.
وكان المرزوقي قد نفى حينها تلك الاتهامات، وأكد أنه دعا باريس لـ"عدم دعم الانقلاب، وليس للتدخل في تونس".
التونسيون يتضامنون مع رئيسهم السابق منصف المرزوقي
واعتبر الوجه السياسي المعروف، أحمد نجيب الشابي، أن بطاقة الجلب في حق المرزوقي "وصمة في جبين الشعب التونسي، وفي جبين الدولة التونسية أن تصدر بطاقة جلب دولية في حق مواطن من أجل جريمة رأي، فما بالك أن يكون هذا المواطن رئيساً سابقاً للدولة التونسية، ورمزاً لها ومثّلها في المنتظم الدولي وسهر على أمنها وسلامتها، مهما كان موقفنا السياسي منه".
وأوضح الشابي متوجهاً للقاضي الذي أصدر القرار: "نعلم والعالم يعلم أن التتبع الذي تعهدتم به في حق الدكتور المرزوقي جاء بأمر من رئيس الدولة خلال اجتماع مجلس الوزراء الذي كيّف الجريمة واعتبرها خيانة عظمى، وأذن بتتبعها بناء على تصريح للدكتور المرزوقي رحب فيه بتأجيل قمة الفرنكوفونية في ظل الأوضاع السياسية المضطربة التي تجتازها تونس".
واعتبر الشابي أن "ما صرح به الدكتور المرزوقي رأي وموقف سياسي، اتفقنا معه أم خالفناه، وعالمنا المعاصر لا يقاضي البشر من أجل آرائهم أو مواقفهم السياسية".
من جهته، اعتبر مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في تونس، مهدي مبروك أن "إصدار بطاقة جلب دولية من قبل القضاء التونسي في حق الرئيس السابق منصف المرزوقي أمر لا يليق ببلادنا ولا بنخبنا السياسية. مساندتي المطلقة للسيد الرئيس المرزوقي".
وقال الكاتب زهير إسماعيل على صفحته في "فيسبوك": "بطاقة الجلب في حقّ الرئيس السابق والمناضل الحقوقي محمّد المنصف المرزوقي لا تكون إلا في سياق انقلاب على الدستور والديمقراطيّة. انقلاب يعيش مأزقه الشامل، ويجتهد في التغطية على عجزه وعزلته. وهو يدرك، قبل غيره، أنّه بذلك يدفع بالدولة إلى الإفلاس والانهيار وبالبلاد إلى المجهول".
وأضاف: "كنّا نفخر أمام العالم بالمناظرة بين مترشّحي الرئاسة وبالتداول السلمي على الحكم مثل كلّ الأمم المتقدّمة، فصرنا نخجل أمام شاشات الدنيا من لعْن اللاحق للسابق وتخوينه كلّ مخالف، وتنصيبه نفسه حاكماً مطلقاً... تلك هي الشعبويّة الرثّة المفلسة والمؤقّتة".