أعلن المجلس الرئاسي الليبي إطلاق مشروع المصالحة الوطنية في البلاد، بعد ساعات من الإفراج عن عدد من رموز نظام العقيد الراحل معمر القذافي.
وأشاد رئيس المجلس محمد المنفي بــ"كافة الجهود التي بذلت في سبيل تحقيق ما تم التوصل إليه من مصالحة"، في إشارة إلى خطوة الإفراج عن الساعدي، نجل القذافي، ومدير مكتب والده أحمد رمضان الأصيبعي، مساء الأحد.
واعتبر المنفي أن الإفراج عن الساعدي والأصيبعي خطوة في سياق المصالحة، إذ قال إن "القرارات التي اتخذت ما كان لها أن تتخذ لولا الرغبة الحقيقية والجادة لدى الشعب الليبي من أجل طي صفحات الماضي المؤلمة وتجاوز الخلافات ونبذ الفرقة وإيقاف نزيف الدماء ووضع حد لمعاناته".
وعبّر المنفي عن تهانيه لليبيين بـ"انطلاق أولى خطوات المُصالحة الوطنية التي تُمثل الرغبة الحقيقية لدى الجميع لطي الماضي وتجاوز الخلافات"، داعياً إلى ضرورة الالتفاف حول الجهود الرامية لتحقيق المصالحة الشاملة.
وليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها المجلس الرئاسي عن إطلاق عملية المصالحة، ففي إبريل/ نيسان الماضي، أعلن بدء تشكيل المفوضية العليا للمصالحة الوطنية، قبل أن يعلن في 31 مايو/ أيار الماضي عن بدء "مسار المصالحة الوطنية" عبر إطلاق ملتقيات للمصالحة لمدة شهر "يقدم خلالها المواطنون آراءهم حول هيكلة مفوضية المصالحة وإنجاز عملية المصالحة"، وفقاً لبيانه وقتها.
وعلى الرغم من تأكيد المجلس الرئاسي أن عملية المصالحة الوطنية ستبدأ على أساس نتائج هذه الملتقيات، إلا أنه لم يعلن حتى الآن عن نتائجها رغم مرور عدة أشهر على انتهاء مدة عمل هذه المسارات.
وكانت الحكومة الليبية قد أعلنت، أمس الإثنين، في بيان رسمي، إطلاق سراح الساعدي القذافي، معتبرة أن الخطوة "تحقيق للعدل والمصالحة وإنفاذ للقانون".
وقال رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، في تغريدة له عبر حسابه على "تويتر"، إنه "لا يمكن أن نتقدم للأمام دون تحقيق المصالحة، ولا إقامة الدولة دون تحقيق العدل وإنفاذ القانون واحترام مبدأ الفصل بين السلطات واتباع الإجراءات والأحكام القضائية (...) وعلى هذا الأساس تم الإفراج اليوم عن المواطن الساعدي القذافي، تنفيذاً للإفراج الصادر في حقه من قبل النيابة العامة".
وفي وقت لاحق بعد تصريح الدبيبة، أعلن المجلس الرئاسي إطلاق سراح مدير مكتب القذافي أحمد رمضان الأصيبعي، مشيراً إلى أن الخطوة تأتي في إطار إرساء المصالحة الوطنية الشاملة، مؤكداً عزمه على الإفراج عن السجناء السياسيين "الذين انتهت مدة محكوميتهم، أو الذين لم تتم إدانتهم قضائياً"، وفقاً لبيان صادر عن المجلس.
وكانت مصادر ليبية خاصة قد كشفت لــ"العربي الجديد"، في تصريحات سابقة، عن الإفراج عن الأصيبعي رفقة الساعدي، نجل القذافي، مؤكدة أن السلطات في طرابلس تعتزم الإفراج عن ثلاثة مسؤولين آخرين من منظومة حكم القذافي السابقة القابعين في سجون طرابلس منذ سنوات.
وبعد بيان المجلس الرئاسي بشأن الإفراج عن الأصيبعي، أعلنت المتحدثة الرسمية باسم المجلس الرئاسي نجوى وهيبة، خلال مؤتمر صحافي، مساء الإثنين من طرابلس، عن عزم المجلس الرئاسي والحكومة "الإفراج عن المزيد من السجناء خلال الأيام المقبلة".
وأوضحت وهيبة أن الإفراجات الأخيرة جاءت "تنفيذاً لأحكام قضائية وتشمل الجميع في كل ربوع ليبيا وليست حكراً على فئة معينة، وهي جزء من عملية المصالحة"، مضيفة أنه "لا يمكن أن تجرى عملية مصالحة مع وجود مظلومين في السجون، سواء استكملت محكوميتهم أو لم يحالوا للقضاء لبدء محاكمتهم".
وتابعت "المجلس الرئاسي يركز على هذه المسألة لتأسيس أرضية للمصالحة من خلال احترام حقوق الإنسان أو تحقيق العدالة وتسوية أوضاع المسجونين وإطلاق سراحهم"، مشيرة إلى أن هذه الخطوات "تعد مصالحة ناجحة وليس مجرد شعارات".
ورأى الناشط السياسي الليبي خميس الرابطي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن السلطة التنفيذية الحالية أكثر جدية في إنجاز خطوات في طريق المصالحة، رغم إقراره بأن إنجازها كاملة يحتاج إلى وقت أطول من عمر هذه السلطة.
وأوضح أن "توقف الحرب، واتجاه أطراف الصراع إلى التقارب عبر الاتفاقيات، مثل الاتفاق العسكري، مهّدا الظروف لإنجاح المصالحة الوطنية، وساعدا على ذلك، كتبادل المحتجزين لدى طرفي الصراع، بالإضافة إلى انطلاق عملية عودة النازحين إلى مساكنهم".
ورأى أن "البدء في إطلاق سراح رموز النظام السابق خطوة مهمة على طريق اجتثاث جذور النزاع الليبي بين أنصار سبتمبر/ أيلول (الانقلاب العسكري في عام 1969)، وأنصار فبراير/ شباط (الثورة على القذافي في 2011)، ويمكن أن تُنجّح العملية السياسية بشكل أكثر فاعلية وواقعية".
في المقابل، اعتبر رئيس حزب "الائتلاف والإصلاح" الليبي شعبان بن نور، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مسمى المصالحة بات مستهلكاً، وفي كل مرحلة يحاول من يعلن عنه استثماره سياسياً، معتبراً أن وجوده في أجندة الأزمة الليبية خاطئ.
وقال: "المصالحة عادة ما تكون نتاج حرب أهلية، لكن ما جرى في ليبيا ناتج عن تدخل أطراف خارجية، منها من لا يزال يمتلك وجوداً عسكرياً حتى الآن".
وبعدما تساءل عن "المعطيات التي قامت عليها عملية المصالحة"، أشار إلى أن "السلاح لا يزال في نقاط التماس، وكلا الطرفين لا يزال يستعرض قوته، والسلطة التي أعلنت عن المصالحة لم تتمكن حتى من فرض قراراتها على الطرفين".
وأكد بن نور أن مجرد إطلاق سجينين، في إشارة إلى الساعدي والأصيبعي، لا يعد خطوة في طريق المصالحة، معتبراً أن الهدف حصد مكاسب سياسية على علاقة بالانتخابات.
وتابع: "لم تركز تصريحات القادة على الأصيبعي بقدر ما ركزت على الساعدي، لأهميته عند أنصار النظام السابق"، مضيفاً "لو اعتبرنا أن الإفراج عنهما على علاقة بالمصالحة، فما الذي يمثله الأصيبعي في هذه العملية، وخصوصاً أنه لا ينتمي لفصيل قبلي له حضور وتأثير في القاعدة الشعبية المتضررة من النزاع".
ولفت إلى أن عملية المصالحة تقتضي جبر الضرر في ملفات شائكة وعديدة، منها السجون السرية والمختطفون قسراً وضحايا المقابر الجماعية في ترهونة، و"قبل كل هذا ضرورة أن تتولى عملية المصالحة شخصية لها وزنها الاجتماعي، ولها قبول لدى كل الأطراف، وهي صفات لا يتوفر عليها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ولا شركاؤه في عضوية المجلس".