أكد المبعوث الأممي إلى السودان فولكر بيرتس، رداً على سؤال لـ"العربي الجديد" في نيويورك، خلال مؤتمر صحافي بعد اجتماع لمجلس الأمن، اليوم الجمعة، أنه يتفهم مخاوف السودانيين المتعلقة بالانتخابات، واحتمال استخدامها كنافذة من قبل العسكريين لاستمرار السيطرة على الحكم من خلال ترشحهم للانتخابات.
وأضاف بيرتس، رداً على سؤال حول مخاوف السودانيين من إحكام العسكر لقبضتهم على السودان من خلال الانتخابات، "في حين أنني أحترم هذه المخاوف، أقول إنه إذا لم تكن لدينا هذه الانتخابات، فإنّ مخاطر أن يحكم أشخاص غير منتخبين مستقبل السودان ستكون أكبر. الانتخابات هي طريقة للخروج من الأزمة الحالية". وتابع: "طبعاً هناك الكثير من الأمور التقنية والسياسية حول كيف ومتى ستجري تلك الانتخابات. وهذا يحيلني لسؤالك الثاني حول الخطوات القادمة".
وشدد على أنه "نحتاج إلى تحضيرات للانتخابات، ونحتاج أجواء حرة وعادلة"، قائلاً إن "السلطات السودانية ستحتاج إلى ضمان مناخ ملائم لإجراء انتخابات ذات مصّداقية، يمكن أن تدعمها الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى". وتحدث عن عدد من المؤشرات، قال إنها ستشمل "لجنة انتخابية مستقلة، وقانون أحزاب سياسية شامل، وحرية الأحزاب والحركات السياسية في التنظيم، والحملات الانتخابية، والتمتع بحرية الوصول إلى وسائل الإعلام، وضمان حقوق الإنسان".
وقال بيرتس، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن، إنّ "الأزمة التي تمرّ بها العملية الانتقالية في السودان منذ الانقلاب العسكري لم تنتهِ بعد، إلا أن الحوار حول المضي قدماً قد بدأ".
اتفاق البرهان-حمدوك خطوة نحو العودة للنظام الدستوري
وتحدث عن الاحتجاجات الواسعة التي شهدها السودان، وقتلت فيها قوات الأمن السودانية 44 مدنياً على الأقل بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبد الفتاح البرهان على السلطة في 25 أكتوبر/تشرين الأول، واعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وكبار المسؤولين والنشطاء السياسيين. وقال إنّ الاحتجاجات في السودان مستمرّة، على الرغم من التوصل لاتفاق بين حمدوك والبرهان.
وأشار المسؤول الأممي في هذا السياق إلى ترحيبه الحذر بالاتفاق السياسي المبرم في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني بين حمدوك والبرهان. ولفت الانتباه إلى أن الاتفاق "بعيد عن كونه مثالياً، لكنه يمكن أن يساعد في تجنب المزيد من إراقة الدماء، ويوفر خطوة نحو حوار شامل وعودة إلى النظام الدستوري".
وأقرّ بيرتس بأنّ الاتفاق السياسي بين حمدوك والبرهان يواجه معارضة كبيرة من شريحة واسعة من أصحاب المصلحة السودانيين، بما في ذلك الأحزاب والجمعيات داخل قوى "الحرية والتغيير"، ولجان المقاومة، ومنظمات المجتمع المدني، وحركات نسائية.
وقال إنّ الكثيرين ممن التقى بهم يشعرون بـ"الخيانة بسبب الانقلاب، ويرفضون أي مفاوضات أو شراكة مع الجيش". وأشار إلى أنّ الانقلاب العسكري كشف حالة انعدام الثقة بين المكونين العسكري والمدني، وحتى داخل المكونات المدنية نفسها، وعمّقها. ولفت الانتباه إلى أنّ اتفاق 21 نوفمبر لم يؤدِ إلى إعادة بناء الثقة المفقودة.
وتحدث بيرتس عن لقاءاته الأخيرة مع البرهان وحمدوك، والتي حث فيها الأطراف على التراجع أو معالجة أي من القرارات الأحادية التي اتخذت بعد الانقلاب، والتي تتعارض مع الإعلان الدستوري، بطرق تعيد بناء الثقة بين السودانيين. وقال إن ذلك "يشمل التعيين أحادي الجانب لأعضاء مدنيين في مجلس السيادة من قبل القيادة العسكرية". وأضاف "من بين أمور أخرى، ينص اتفاق 21 نوفمبر/ تشرين الثاني على صياغة إعلان سياسي قد يتطلب على الأرجح تعديلات دستورية".
وتحدث عن محاولات جارية داخل بعض الأحزاب والحركات السياسية وفي محيطها، للتوصل إلى اتفاق شامل، مشيراً إلى وجود جزء آخر "منفتح على الحوار، ولكن ليس على أساس اتفاق 21 نوفمبر/ تشرين الثاني". وقال إن "التشكيل المقترح لمجلس وزراء تكنوقراطي يمكن أن يكون خطوة نحو دفع العملية الانتقالية إلى الأمام، إلا أنه يمكن أن يخلق أيضاً تحدياً دستورياً إن لم يكن قائماً على المشاورات مع قوى الحرية والتغيير".
3 مؤشرات مهمة على العودة للمسار الديمقراطي في السودان
وتحدث بيرتس عن ثلاثة مؤشرات مهمة على المدى القصير للعودة إلى مسار الديمقراطية، "هي قدرة رئيس الوزراء على تشكيل حكومته التكنوقراطية بحرية وفقاً لبنود الإعلان الدستوري، ورفع حالة الطوارئ، واستعادة حرية الصحافة". وشدد كذلك على ضرورة استعادة الحيز السياسي خلال الأشهر القادمة. وقال إن "هذا مهمٌ بشكل خاص في ضوء الهدف المعلن من قبل القادة السياسيين والعسكريين لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، ربما حتى قبل الموعد المخطط له أصلاً".
وأشار إلى هشاشة الوضع الأمني خارج الخرطوم. وعبّر عن قلقه العميق بسبب تجدّد الصراعات القبلية والنهب في دارفور والنيل الأزرق وكردفان. ولفت الانتباه إلى تقارير تشير إلى مقتل المدنيين وتدمير الممتلكات والتهجير، فضلاً عن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات. وأشار إلى أن عدد النازحين في دارفور هذا العام ثمانية أضعاف عددهم مقارنة بالعام الماضي.
ودعا المسؤول الأممي كذلك، السلطات السودانية إلى اتخاذ تدابير لبناء الثقة وإحياء الانتقال الديمقراطي، كما دعا المجتمع الدولي إلى استئناف مساعداته الاقتصادية في مجالات معينة مثل الصحة، مشدداً على "ضرورة اتخاذ تدابير فورية لبناء الثقة، والتزام واضح بإعادة البلاد إلى مسار الانتقال الديمقراطي"، مشيراً إلى الإفراج عن السجناء السياسيين، وإنهاء الاحتجاز التعسفي، وضمان حق التظاهر السلمي للسودانيين.
وشدّد على أن المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول ستُعتبر مؤشراً حاسماً للتقدم ويمكن أن تساعد في إعادة بناء الثقة".
ولفت إلى أنه يتعين على السلطات العسكرية والمدنية السودانية، "اتخاذ خطوات ملموسة لاستعادة الدعم المالي والاقتصادي والسياسي للمجتمع الدولي". وقال المسؤول الأممي في هذا الصدد "أود أن أحضّكم، وكذلك المجتمع الدولي بأسره، على تبني مقاربة متوازنة وعدم تعليق المساعدات لفترة طويلة".
ودعا إلى ضرورة النظر في "الاستئناف السريع للتمويل في قطاعات معينة، لا سيما دعم الخدمات الصحية وسبل العيش، من أجل ضمان عدم استمرار تحميل الشعب السوداني وطأة الأزمة السياسية".
إدانات دولية للاستيلاء العسكري على الحكم
إلى ذلك عبّر كلّ من ممثلي بريطانيا وأيرلندا والولايات المتحدة وإستونيا والنرويج وفرنسا في مداخلاتهم أمام المجلس، عن إدانتهم للاستيلاء العسكري على الحكم، وتحدثوا عن تهديده للتقدم الذي أحرزه السودان بعد ثورته، وعن قلقهم لتدهور حالة حقوق الإنسان منذ الانقلاب. وعبّروا عن تفاؤلهم الحذر بسبب الاتفاق الذي أحرز أخيراً، مؤكدين ضرورة إحراز تقدم في التحقيق بمقتل المدنيين وتحقيق تقدم ملموس في الانتقال الديمقراطي.
وبدا لافتاً للانتباه، الموقف الروسي والصيني في المجلس، واعتراضهما على عدد من الأمور، من بينها تجميد دول غربية لمساعداتها للسودان بعد الانقلاب العسكري. واعترض الجانب الروسي على استخدام تقرير الأمين العام لبعض المصطلحات مثل "الانقلاب العسكري" من دون أن يسمي ذلك، لكن تصريحات سابقة لدبلوماسيين روس في نيويورك رفضت وصف استيلاء العسكر على السلطة بالانقلاب.
وتحدث الجانب الروسي عن أن "أي محاولات من أجل تشجيع السودانيين على النزول للشارع ستؤدي لزعزعة الاستقرار"، إضافة إلى اعتراضه على قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، واستحداثه في الخامس من الشهر الماضي ولاية لمقرر خاص بشأن حقوق الإنسان في السودان.