ثماني ساعات في لقاء "المائدة المستديرة".. هذا ما قالته الأحزاب الجزائرية وما تحدث به تبون
استمع إلى الملخص
- تبون قدم حصيلة ولايته، مؤكدًا على أهمية الحوار لتحقيق تحول ديمقراطي وشفافية انتخابية، بينما قادة الأحزاب عرضوا انشغالاتهم السياسية والاقتصادية، معكسين روح الصراحة والمسؤولية.
- قادة الأحزاب شددوا على ضرورة حماية التعددية السياسية واحترام دور الأحزاب، مطالبين بإصلاحات تشريعية لضمان تحول ديمقراطي حقيقي وتنافس شفاف، مؤكدين على أهمية مناخ سياسي هادئ يعزز الثقة والاستقرار.
وصف قادة الأحزاب الجزائرية اللقاء الموسع مع الرئيس عبد المجيد تبون، أمس الثلاثاء، بأنه كان "لقاءً مسؤولاً اتسم بالصراحة والمكاشفة السياسية". ودام لقاء "المائدة المستديرة" 8 ساعات وتحدث فيه قادة 27 حزباً شاركوا في اللقاء الأول من نوعه منذ تسلّم تبون السلطة عام 2019، وتمّت خلاله المطالبة بإصلاحات سياسية تخصّ احترام دور الأحزاب السياسية وإصلاح بعض القوانين ذات الصلة بالبناء الديمقراطي وقضايا الحريات.
وقدّم الرئيس تبون أمام قادة الأحزاب الجزائرية حصيلة ولايته الرئاسية الأولى، وعدّد خلال لقائه المطوّل، العوامل والأسباب التي ساعدت في تحقيق بعض النتائج الإيجابية في بعض القطاعات الحيوية، وكشف عن جملة من العراقيل التي أعاقت تحقيق تقدم نسبي في بعض الجوانب الأخرى.
وتحدّث تبون عن أفق الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في السابع من سبتمبر/ أيلول المقبل، والآفاق المستقبلية للبلاد. وطرح معلومات وتقديرات مهمة بخصوص الشأن الإقليمي وعلاقات الجزائر بدول الجوار، وتفصيلات وضعت كل قادة الأحزاب الجزائرية في صورة التطورات القائمة في جوار البلاد.
وأتيح خلال اللقاء لكل رئيس حزب فترة عشر دقائق للحديث عن انشغالاته السياسية والاقتصادية، حيث جرى اللقاء، بحسب المشاركين، في مناخ من الصراحة والنقاش المفتوح دون أي موانع، وردّ الرئيس على مجموع الانشغالات بصورة إيجابية. وأكد رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد)، عبد العالي حساني، أن اللقاء جرى في مناخ من الثقة والمسؤولية، وكان فرصة سياسية مهمة لصناعة تقاليد جديدة في الحوار والتشاور، باعتبار الأحزاب شريكاً سياسياً أساسياً في إدارة الملفات السياسية والاقتصادية الكبرى.
وقال حساني، في تصريح لـ"العربي الجديد": "قلنا بكل وضوح إنه يتعين حماية التعددية السياسية والحزبية من إكراهات إضعاف الأحزاب وتمييع أدائها، وإنه يتعين احترام الدور الأساسي للأحزاب الجزائرية في الدفاع عن الحريات الإعلامية والسياسية والنقابية وفي مكافحة الفساد".
وأكد أنّ "ملف الرئاسيات كان بين القضايا التي جرى التطرق إليها في اللقاء، واعتبرنا أنّ إنجاح الرئاسيات التي تأتي ضمن سياق وطني ودولي خاص، يتطلب جعلها فرصة لتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي وفرصة تنافس شفاف بين البرامج والأفكار، بهدف تحقيق طموح الجزائريين في الإصلاح والتغيير"، مضيفاً: "لقد طالبنا الرئيس بإصلاح النظام الانتخابي، وعمل الهيئة المستقلة للانتخابات بشكل يعزز قواعد الشفافية".
وفي السياق، اعتبر السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية (أقدم أحزاب المعارضة-يسار)، يوسف أوشيش، أنّ هذه المبادرة تسهم في ترسيخ تقاليد سياسية جديدة للحوار في الجزائر، مطالباً خلال اللقاء، الرئيس تبون باتخاذ تدابير تهدئة جديدة عشية الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال خلال اللقاء: "عشية استحقاق سياسي مهم لبلادنا، ندعوكم إلى اتخاذ تدابير تهدئة تتجه نحو تحرير المجالات السياسية والإعلامية، وإطلاق سراح معتقلي الرأي والأمر بوقف كل التحرشات التي يتعرض لها المواطنون بسبب منشورات نقدية بعيدة عن الافتراء أو التضليل، وسحب أو إعادة صياغة بعض القوانين التي تتنافى مع روح الدستور وتتناقض مع المبادئ الأساسية لدولة القانون والديمقراطية، ولا سيما المادة الـ87 مكرر من قانون العقوبات، وقانون النقابات، وقانون الإعلام، وقانون الانتخابات".
وتابع: "بالإضافة إلى ذلك، هناك ضرورة للحد من اللجوء المبالغ فيه للحبس المؤقت الذي من المفترض أن يكون استثناءً لا قاعدة "مكرسة" وعقيدة سائدة في الهيئات القضائية للبلاد"، مشيراً إلى أن "هذه التدابير من شأنها أن تخلق مناخاً سياسياً هادئاً يعيد الثقة ويشجع النقاش الديمقراطي ويعزز الاستقرار السياسي للبلاد".
وحصلت الأحزاب الجزائرية على ضمانات من الرئيس تبون بشأن صياغة توافقية لقانوني الأحزاب والانتخابات، وأكد الأمين الأول لحزب جيل جديد (تقدمي)، حبيب براهمية، لـ"العربي الجديد"، أنّ اللقاء مع الرئيس تبون كان "فرصة جيدة في الحوار بين الأحزاب السياسية والسلطة، ويمكن أن يتحوّل إلى تقليد ويصبح ممارسة منتظمة في المستقبل، حتى وإن كان اللقاء جاء في توقيت سياسي ليس هو الأحسن، حيث كان يمكن أن يكون هذا اللقاء في وقت سابق أفضل".
وأضاف براهمية أن "الرئيس تبون أبان عن تفتح كبير بشأن الاستماع إلى الأحزاب السياسية وانشغالاتها، حيث أكد أن قانون الأحزاب الجاري تعديله سيكون توافقياً، وستتم صياغته بالتوافق مع الأحزاب الجزائرية، كما أعلن عن إمكانية تعديل قانون الانتخاب الجزائري".
وأثار رئيس الحزب، جيلالي سفيان، خلال اللقاء، بعض القضايا، وخاصة المتعلقة بمسألة البناء الديمقراطي والحريات وقانون الانتخاب، وأكد أنه "على الرغم من مرور 35 عامًا على التعددية الحزبية، لا تزال الممارسة السياسية التعددية في بلادنا بحاجة إلى مرافقة السلطات العمومية، وتعزيز التشاور وتحسين المناخ السياسي".
وشدد سفيان على ضرورة "إعادة تقييم دور الأحزاب السياسية وإدماجها في خدمة تنظيم المجتمع، في مقابل منع أي محاولة لبسط الأحادية أو تقليص هوامش حرية التعبير"، مطالباً بـ"فتح باب النقاش العمومي على نطاق واسع، بما يسمح بمواجهة الأفكار والمشاريع في وسائل الإعلام الوطنية من أجل تعزيز الروابط بين المواطنين والطبقة السياسية، سواء في السلطة أو في المعارضة".
ومن بين القضايا التي أثارها قادة الأحزاب الجزائرية خلال اللقاء، مسألة إنهاء محاولة السلطة تحييد الأحزاب السياسية والارتكاز على قوى المجتمع المدني، وبالنسبة إلى رئيس حركة البناء الوطني (إسلامي)، عبد القادر بن قرينة، فإن اللقاء بين الرئيس وقادة الأحزاب الجزائرية "استثناء عربي"، وقال في كلمته: "إذا كان أشقاؤنا في العديد من الدول العربية يتحاورون بالرصاص، فنحن بمختلف مشاربنا وتوجهاتنا نتحاور مع أعلى مؤسسة في دولتنا، ممثلة في رئيس الجمهورية وبجدول أعمال مفتوح في طاولة حوار بنقاش وطرح لا سقف له".
بن قرينة: إذا كان أشقاؤنا في العديد من الدول العربية يتحاورون بالرصاص، فنحن بمختلف مشاربنا وتوجهاتنا نتحاور مع أعلى مؤسسة في دولتنا
وأشار إلى أن هذا اللقاء يأتي بعد أن غاب عن المشهد الوطني أكثر من 30 سنة، وسيسمح "بتعميق التفكير الجماعي في مستقبل البلاد في ظل الصعوبات التي تفرضها الأزمات الدولية"، مطالباً خلال اللقاء بالفصل بين دور الأحزاب والجمعيات. وقال إنه "لا يمكن للمجتمع المدني أن يزاحم الأحزاب في أدوارها"، في سياق مسعى يهدف إلى دفع الرئيس تبون إلى الاعتماد على حزام من القوى السياسية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والترشح بصفته "مرشح إجماع"، بدلاً من فكرة الاعتماد على المجتمع المدني في الجزائر بديلاً للأحزاب.
وكان لافتاً اهتمام قادة الأحزاب الجزائرية بمعطيات حصرية طرحها الرئيس تبون تخص الوضع الإقليمي. وقال رئيس حزب الكرامة، محمد الداوي، إنّ "الرئيس أطلعنا على معطيات وتفاصيل مهمة تخص التحديات التي تواجهها البلاد داخلياً وإقليمياً، وأعتقد أنها معطيات لم تكن واضحة بالنسبة إلينا كقادة أحزاب، لكنها مهمة في مساعدتنا على تقدير الموقف السياسي بالنسبة إلى الاستحقاقات المفروض على البلاد خوضها". وأضاف الداوي أن "هناك وعياً بالأخطار المحدقة ببلادنا والمخططات الدنيئة المستهدفة لأمننا واستقرارنا، وهذا يفرض على القوى السياسية العمل على إنجاح الاستحقاق الرئاسي الجزائري المقبل".
ولم توجه الرئاسة الجزائرية الدعوة إلى أحزاب ممثلة في المجالس المنتخبة، لم تعقد مؤتمراتها في الآجال المحددة قانوناً ولم تجدد قياداتها، كذلك لم توجه الدعوة إلى أحزاب نشطة في الساحة السياسية لكونها لا تحوز منتخبين في المجالس النيابية، أو لأنها قاطعت انتخابات عام 2021، على غرار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.