يبدو أنّ روسيا تحاول سحب مسارات الحل السوري بمجملها إلى طاولتها الخاصة، أو المنطقة القريبة من رؤيتها، ولا سيما أنها جعلت من "مسار أستانة"، الذي أطلقته "مساراً تفاوضياً" بين النظام والمعارضة، منصة لـ"سحب بساط" السيطرة الميدانية لصالح النظام من تحت المعارضة، وطاولة للتطبيع بين النظام وتركيا.
وعلى ما يبدو، فإنّ موسكو تحاول حرف مسار اللجنة الدستورية لخدمة أهدافها، ولا سيما بعد أن وجدت في حرمان المسؤولين الروس التنقل في دول أوروبية على خلفية الحرب الأوكرانية ذريعة لإخراج هذا المسار الأممي من جنيف السويسرية، وبسبب ذلك توقفت اللجنة عن الانعقاد منذ حوالى عام ونصف، رغم أن المسار يفترض أن يكون سورياً – سورياً تسيره الأمم المتحدة، ولا يتأثر بحضور الأطراف المتنفذة في الصراع السوري.
وتشير تصريحات مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى نية روسيا عقد اللجنة الدستورية مجدداً، لكن يبدو في مكان ترتضيه وتوافق عليه خارج جنيف، إذ قال لافرنتيف في تصريحات لوكالة "تاس" الروسية، إن "اللجنة الدستورية قد تعقد اجتماعها المقبل في مارس/ آذار"، مشيراً إلى أنه "بعد انسحاب سلطنة عمان من استضافة الجولة المقبلة من أعمال اللجنة، يتم حالياً النظر في أماكن بديلة".
وأضاف المبعوث الروسي أنه قد يختار مكان الاجتماع المحتمل، بحلول منتصف أو أواخر فبراير/ شباط، مبيناً أن هناك حاجة إلى مزيد من الوقت لـ"تسوية الأمور في ما يتعلق بالأمور اللوجستية".
وأوضح أن "حل المشكلات اللوجستية المتعلقة بالإقامة واستضافة الأحداث، عادة ما يستغرق من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، لذلك أعتقد أنه يمكننا أن نتوقع أن يتم ذلك في مارس".
وحول مكان انعقاد الجولة، بعد انسحاب سلطنة عمان، قال لافرنتييف: "أعتقد أن هذه قضية ستحل قريباً جداً، ربما خلال الشهر المقبل أو نحو ذلك، ونأمل اختيار المكان الجديد والتنسيق مباشرةً مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون"، مضيفاً أن "دمشق تدرس حالياً الخيارات الأكثر قبولاً"، دون أن يذكر المعارضة.
وطوال نحو أربعة أعوام من عمر اللجنة، وثماني جولات من اجتماعاتها، لم تفلح أطرافها الثلاثة، (المعارضة، النظام، المجتمع المدني) بكتابة مادة واحدة من الدستور الجديد للبلاد، في ظل حرب اندلعت عقب انطلاق الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد في ربيع عام 2011.
ومن المقرر أن يزور المبعوث الأممي غير بيدرسون دمشق، في النصف الأخير من فبراير/ شباط المقبل، لمناقشة عقد جولة جديدة من اللجنة الدستورية.
وكانت مصادر معارضة قد كشفت لـ"لعربي الجديد" أن سلطنة عمان رفضت انعقاد اجتماعات اللجنة على أراضيها وضمن رعايتها، مشيرة إلى أن "وجهة نظر السلطنة تقوم على أنه إذا لم يكن هناك توافق كامل على أي مسار، فإن مسقط لن تضطلع فيه"، مضيفة أن "مسقط تريد مشروع يمكن من خلاله الخروج بمنتج حقيقي، مع إشارتها إلى الخلافات داخل اللجنة، وأنها لا تريد اجتماعات عبثية فقط لأجل الاجتماع والتصدير الإعلامي".
وأفاد مصدر مطلع "العربي الجديد" بأنّ النظام رفض انعقاد الجولة المقبلة في كل من الكويت أو القاهرة، فيما لم يُعطِ رأياً واضحاً بإمكانية عقد الجولة في العاصمة السعودية الرياض، لكن المصدر أشار إلى أن الرياض ليست مهتمة باستضافة الجولة أو المسار الدستوري، على الأقل في الوقت الحالي.
من جهته، قال عضو هيئة التفاوض السورية المعارضة طارق الكردي، التي ينبثق منها وفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية، إنه "إلى الآن لم تصل دعوة رسمية من المبعوث الدولي الخاص بسورية بشأن عقد الجولة التاسعة من أعمال لجنة صياغة الدستور، والسيد بيدرسون هو صاحب الصلاحية الحصرية في الدعوة للاجتماعات".
وأضاف: "نحن في هيئة التفاوض السورية تركيزنا منذ انطلاقة أعمال اللجنة الدستورية هو على المضمون، وتحديداً وضع آليات عمل من قبل الأمم المتحدة تسمح للجنة بأن تمارس ولايتها والوصول إلى هدفها، وهو وضع دستور جديد لسورية، وهذه الآليات والمتطلبات تمنع أي طرف من عرقلة أعمال اللجنة".
وأشار الكردي إلى أنه "عندما تصل الدعوة من قبل السيد بيدرسون، عندها ستقيم هيئة التفاوض الدعوة وتتخذ القرار المناسب وفق المصلحة الوطنية العليا للشعب السوري".
وولدت فكرة اللجنة الدستورية في بداية عام 2018، غير أن الأمم المتحدة لم تستطع إعلان تشكيل اللجنة إلا في سبتمبر/ أيلول 2019، بعد أن عرقل النظام السوري تشكيلها بالاعتراض على هيكلتها وشكلها ومضمونها.
ضمت قائمة اللجنة الموسعة 150 عضواً، 50 لكل من المعارضة والنظام والمجتمع المدني، وضمت قائمتها المصغرة التي تحضر الاجتماعات 45 عضواً، 15 لكل قائمة من القوائم الثلاث، مع رئاسة مشتركة لكل من النظام والمعارضة دون المجتمع المدني.
وعمد النظام إلى تمييع هذا المسار وجعله عبثياً دون كتابة أي مادة في دستور جديد للبلاد، فيما توجه الانتقادات للمعارضة من قبل جمهورها بعدم اتخاذ موقف حازم حيال هذا التمييع.