اللاجئون.. ضحية تصاعد الخطاب الشعبوي السياسي في تركيا

11 اغسطس 2021
تزداد تخوفات الأتراك من حصول موجات لجوء من أفغانستان في ظل تدهور الأوضاع (Getty)
+ الخط -

تعد الشعبوية والاستقطاب السياسي من أبرز المشكلات التي تعاني منها الحياة السياسية في تركيا، حيث تلجأ الحكومة والمعارضة إلى حالة الاستقطاب من جهة، واستخدام خطاب الشعبوية من أجل تحقيق مكاسب سياسية، إلا أن اللاجئين يعتبرون من أبرز ضحايا تصاعد هذا الخطاب أخيرا في البلاد.
ومع الإعلان الأميركي قبل أشهر عن الانسحاب من أفغانستان واقتراب إتمامه، وما رافقه من تصاعد حالة عدم الاستقرار في البلاد، ظهرت خشية من حصول موجات نزوح ولجوء كبيرة إلى تركيا عبر إيران، بحثا عن طرق باتجاه الدول الأوروبية والغربية.
واكتسب الحديث عن اللاجئين واستذكار اللاجئين السوريين في البلاد، زخما أكبر مع هذه التطورات، فيما لجأت الأحزاب السياسية المعارضة إلى الحديث عن تجربة تركيا مع أزمة اللجوء السورية في محاولة للطعن بالحكومة واتهامها بالعجز عن تقديم الحلول، لكن هذا الخطاب الشعبوي يهدد بحصول شرخ مجتمعي أكبر بين السوريين والأتراك واللاجئين من الجنسيات الأخرى.

وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا مقاطع فيديو عديدة تسأل رأي المواطنين الأتراك بما يخص السوريين والأفغان، وبات واضحا من كثرة المنشورات والتعليقات، خطورة الخطاب الشعبوي على المجتمع، خاصة أنه يستند إلى مجموعة من المعلومات المضللة غير الصحيحة التي تحتاج لدحض رسمي من قبل الحكومة.
ومن بين المعلومات المضللة منح الدولة التركية مساعدات مباشرة للسوريين، وهو الأمر غير الصحيح لأن الدعم يأتي من الاتحاد الأوروبي عبر المؤسسات الرسمية التركية ومنظمات المجتمع المدني، ومن المعلومات المضللة تداول موضوع الإعفاء الضريبي وإعفاء السوريين من امتحان القبول الجامعي، فيما يدفع المستثمرون السوريون الضرائب، ويعاني الطلبة السوريون أيضًا للالتحاق بالجامعات بسبب الشروط المطلوبة منهم. 
المعارضة استهلت الخطاب الشعبوي بكلمة من رئيس حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة كمال كلجدار أوغلو الذي قال في فترة عيد الأضحى إنهم في المعارضة "سيرسلون السوريين لبلادهم حال توليهم الحكم في مدة أقصاها عامان بعد تأسيس العلاقات مع النظام"، وجدد كلامه مرة أخرى في لقاء تلفزيوني قبل أسبوع بقوله: "سنرسلهم بالطبل والزمر بعد تأسيس الظروف المناسبة".
واتخذ مسؤولون آخرون في المعارضة مواقف أبعد من ذلك، منها قرار رئيس بلدية بولو تانجو أوزجان التابع للمعارضة برفع سعر المياه للأجانب (السوريين) المقيمين في الولاية عشرة أضعاف، وتبع ذلك تصريحات أخرى من رئيس بلدية هاطاي لطفي ساواش التابع للمعارضة أيضا منها قوله، إن "المساعدات المخصصة للسوريين تؤثر على توفير الخدمات للمواطنين الأتراك في الولاية"، وزاد رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو رئيس حزب المستقبل الوضع المتأزم باتهامه الحكومة التركية بمنع إرسال مليون سوري لأوروبا تنفيذا لاتفاقية الهجرة الموقعة مع الاتحاد الأوروبي.

 في المقابل، تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعدم إرسال السوريين طالما بقي في الحكم، فيما أعيد تداول مقاطع فيدو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لوزير الداخلية سليمان صويلو يدافع عن السوريين ويتوعد بالمقابل بترحيل من يخالف النظام العام في البلاد.
 وأعلنت وزارة الدفاع التركية أن القوى الأمنية اتخذت تدابير لحماية الحدود الإيرانية ومنع عبور النازحين الأفغان، حيث أعلن والي ولاية "فان" محمد أمين يلماز قبل أيام عن تواصل الأعمال في بناء جدار عازل على الحدود التركية الإيرانية بطول 295 كم، من أجل منع تسلل المسلحين والمهاجرين غير النظاميين.
كلام السياسيين تبعه تفاعل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدر الموضوع السوري والأفغاني أكثر الأوسمة تداولا، كما تناولت أقلام الصحافيين هذه المسألة ما بين مهاجم وآخر مدافع، واحتدم النقاش بشكل كبير نتيجة للخطاب الشعبوي من قبل السياسيين، وأمس الثلاثاء انعكس ذلك على أرض الواقع بعراك وطعن بالسكاكين جرى في العاصمة أنقرة بين مجموعتين سورية وتركية.

وجود أخطاء للحكومة في سياسة استقبال اللاجئين لا يبرر النيل منها بالاعتماد على الخطاب الشعبوي الذي يهدد بانعكاسات مجتمعية

 

وجاء تصاعد هذا الخطاب بعد أن تمكنت المعارضة من إضافة هذه الورقة إلى الأوراق الضاغطة على الحكومة والنيل منها وهو ما بدا واضحا في نتائج انتخابات الإدارة المحلية في العام 2019، وخسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم كبريات المدن فيما فازت المعارضة ونجحت بتوحيد صفوفها وتعهدت بترحيل السوريين في حال فوزها بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في العام 2023، إذ دخلت الأحزاب السياسية مبكرا معركة الانتخابات، في ظل توقعات بإجرائها مبكرا نهاية العام المقبل.
عن حالة الاستقطاب والشعبوية قال الصحافي يوسف سعيد أوغلو: "استغلت المعارضة مسألة اللاجئين السوريين، في ظل معلومات عن حركة لجوء أفغانية كبيرة، لاستخدامهم كورقة سياسية، وبات الاعتماد على خطاب شعبوي ضدهم كبيرا، ومسألة الشعبوية في السياسة موجودة في كل البلاد، ولكن مع تواصل أزمة كورونا والأوضاع الاقتصادية وعدم حل المشاكل المستعصية في البلاد، وعدم وجود سياسة لجوء واضحة، تمكنت المعارضة من تحويل مسألة اللاجئين إلى ورقة سياسية".
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن المعارضة تعتمد على الخطاب الشعبوي في ظل اقتراب الانتخابات مستغلة التخوف من أزمة اللجوء خاصة مع التطورات في أفغانستان وتصاعد احتماليات حدوث موجة لجوء جديدة.
ولفت إلى أن "الفترة المقبلة حتى الوصول إلى الانتخابات، ستكون فترة صعبة وامتحانا تمر به الحكومة والمنظمات التي تعمل على تقديم الخدمات للاجئين، وحتى الأكاديميون والمفكرون والإعلاميون المدافعون عنهم سيجدون حالة صعبة يجب التعامل معها، وما يزيدها صعوبة عدم شفافية الحكومة في تقديم المعطيات الكافية في ما يتعلق باللاجئين، منها تفاصيل وماهية تطورات اللجوء الحاصلة منذ العام 2011 ومصير المساعدات، وعمليات التجنيس التي جرت للسوريين، وبالتالي هناك غموض وتخوف من تكرار التجربة مع الأفغان".
من ناحيته، قال الصحافي إبراهيم أوزدمير إن وجود أخطاء للحكومة في سياسة استقبال اللاجئين لا يبرر النيل منها بالاعتماد على الخطاب الشعبوي الذي يهدد بانعكاسات مجتمعية، مؤكدًا أن إلقاء اللوم على السوريين في سبب تدهور الأوضاع وأخذ حقوق الأتراك سيؤدي إلى نقمة كبيرة ونتائج لا تحمد عقباها، مشيرًا إلى أن آثار هذه الخطابات ستبقى حتى لو نجحت المعارضة في الانتخابات.