أعلنت الحكومة الكويتية، خلال اجتماعها الأسبوعي، مساء أول من أمس الاثنين، سحب الجنسية من عدد من المواطنين الكويتيين، أبرزهم رئيس "حزب الأمة" في الكويت، السياسي المعارض حاكم عبيسان المطيري الموجود خارج البلاد، فيما غابت أي تعليقات سياسية على القرار الجديد.
وأصدر وزير الداخلية الكويتي بالوكالة، فهد يوسف سعود الصباح، بصفته رئيس اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية، 3 قرارات بشأن "فقد" الجنسية الكويتية، اطلعت "العربي الجديد" على نسخ منها، طاولت 11 مواطناً كويتياً، بينهم 8 نساء.
ونصّ أحد هذه القرارات على سحب الجنسية الكويتية من قائمة مكوّنة من 5 مواطنين، بينهم امرأتان اثنتان، تصدّرها الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة الكويت، حاكم المطيري، بناءً على المادة 11 من قانون الجنسية الكويتية.
ومما تنصّ عليه المادة الـ11 من القانون الصادر عام 1959، وفق تعديل أُجري عليه عام 1980: "يفقد الكويتي الجنسية إذا تجنس مختاراً بجنسية أجنبية".
كما نصّ قراران آخران على سحب الجنسية الكويتية من 3 مواطنات، وفق المادة 9 من القانون، و3 مواطنات وفق المادة 10 منه.
وتنصّ المادة 9 على أنه إذا كسبت الزوجة الأجنبية الجنسية الكويتية، فإنها "لا تفقدها عند انتهاء الزوجية، إلا إذا استردت جنسيتها الأصلية أو كسبت جنسية أخرى"، أما المادة 10 فتنصّ على أن "المرأة الكويتية التي تتزوج من أجنبي لا تفقد جنسيتها الكويتية، إلا إذا دخلت في جنسية زوجها بناء على طلبها".
سحب الجنسية: الغش والتبعية وأحكام قضائية
وقالت وكالة الأنباء الكويتية "كونا" إن مجلس الوزراء الكويتي استمع إلى شرح قدمه الوزير فهد يوسف الصباح، بشأن "توصية اللجنة العليا بسحب شهادة الجنسية الكويتية من بعض الأشخاص، الذين حصلوا عليها بغير وجه حق، بناءً على غش أو أقوال كاذبة أو شهادات غير صحيحة، وممن يكون اكتسبها معهم بطريق التبعية، وكذلك من بعض الأشخاص بسبب صدور أحكام نهائية بحقهم"، وذلك وفقاً لقانون الجنسية الكويتية وتعديلاته.
وزير الداخلية يستطيع سحب الجنسية الكويتية من أي مواطن لأي سبب من دون تقديم تبرير لأحد
وبحسب القانون الكويتي، فإن وزير الداخلية يستطيع سحب الجنسية الكويتية من أي مواطن كان لأي سبب من دون تقديم تبرير لأي أحد.
وجاء قرار سحب الجنسية من المطيري، مفاجئاً، خصوصاً بعد توقف مسلسل سحب الجنسيات من المعارضين السياسيين في البلاد خلال العقد الأخير، وتحديداً منذ أعقاب الحراك الاحتجاجي في الكويت عام 2014.
"حزب الأمة" الكويتي يحذّر من القمع
من جهته، وضع "حزب الأمة" (الإسلامي)، في بيان أول من أمس، سحب الجنسية من رئيسه، في سياق مطالبة الحزب منذ 2005 بـ"ضرورة اختيار حكومة منتخبة ليصبح الشعب هو مصدر السلطات جميعاً فعلاً" (إذ يعيّن أمير البلاد رئيس الوزراء والوزراء).
واعتبر أنه "قد بات هذا الحل حتمياً في ظل عجز الحكومة عن تحقيق الإصلاح ومواجهة الفساد وفشلها في حماية الحقوق والحريات العامة للمواطنين، وفي ظل الأخطار الخارجية"، مضيفاً أن الحكومة "فرطت" في كل ذلك من خلال "قراراتها السلطوية واستغلالها لملف الجنسية وحق المواطنة في مواجهة دعاة الإصلاح السياسي من أبناء الشعب الكويتي".
وأضاف البيان أن سحب الجنسية من المطيري، "قرار سياسي غير دستوري"، معتبراً أنه تأكيد على "ما يتعرض له الدكتور (المطيري) منذ بدء نشاطه السياسي عام 2000 إلى اليوم من محاكمات سياسية جائرة افتقدت أدنى شروط العدالة".
وتابع: "وهو ما تعرض له الكثير من أبناء الكويت لا لشيء إلا لمواقفهم السياسية"، محذراً من "خطورة جعل منح الجنسية وسحبها من اختصاص وزارة الداخلية مما حول الجنسية من شهادة مواطَنة وانتماء إلى أداة مساومة وقمع لكل من يعارض السلطة وسياستها".
ويُعدّ "حزب الأمة" الذي أسسه المطيري عام 2005، أول "حزب" سياسي في الكويت، وأول من طالب بالحكومة المنتخبة قبل أن تتصدر المطالب الإصلاحية للحراك الاحتجاجي الكويتي ما بين أعوام 2011 - 2014.
وعند تدشينه الحزب، أُحيل المطيري إلى القضاء بتهمة "تأسيس حزب" بما يخالف القانون، إذ إن معظم الجماعات السياسية في الكويت تندرج تحت مسميات إما "تيار" أو "حركة" وغيرها، قبل أن يحصل على البراءة، كون الدستور الكويتي لم يحظر الأحزاب أو يسمح بها، بل ترك تقديرها إلى المُشرّع، ما أسس إلى سابقة شرعنة تأسيس "الأحزاب" في الكويت (يُمنع تشكيل الأحزاب في الكويت).
كما أثار الحزب زوبعة من الجدل السياسي في البلاد، بسبب مجموعة من أفكاره الرئيسية، مثل تأسيس دولة الخلافة، والإيمان بدور المرأة وحقوقها السياسية، على عكس معظم تيارات الإسلام السياسي في الكويت، والتي وقفت وعملت بقوة في مجلس الأمة وخارجه ضد مشروع منح المرأة حقوقها السياسية بالترشح والانتخاب، بالإضافة إلى الإعلان عن مشروع الحكومة المُنتخبة.
أحكام نهائية بحق حاكم المطيري
وغادر المطيري الكويت إلى تركيا عام 2017، التي ما زال يُقيم فيها حتى اللحظة، من أجل التفرغ العلمي، بعد حصوله على موافقة من جامعة الكويت، قبل أن تصدر عليه أحكام قضائية لاحقاً، على خلفية تهم تتعلق بأمن الدولة، من بينها "تسريبات خيمة القذافي"، التي تُدوولت على نطاق واسع عام 2020، وأُدين فيها بأحكام السجن المؤبد غيابياً عام 2021، وندوة نظّمها تتعلق بـ"الربيع العربي" وغيرهما.
واحتجزت السلطات التركية المطيري في أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بناءً على طلب من السلطات الكويتية، إثر الأحكام القضائية النهائية الصادرة ضده، وفق ما نُشر في وسائل الإعلام، وأكّده بيان صادر عن "حزب الأمة"، قبل أن يُطلق سراحه بعدها بأيام.
سلاح سحب الجنسية في الكويت
واستخدمت الحكومة سلاح سحب الجنسية خلال فترات مختلفة في تاريخ البلاد، بدأت تقريباً في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، ضد المنتمين إلى "حزب الدعوة" العراقي، و"حزب الله" اللبناني، تحديداً خلال الحرب العراقية - الإيرانية.
واتهمت حينها الحزبين بتنفيذ عدة تفجيرات داخل الكويت، بسبب موقفها من دعم العراق في الحرب ضد إيران، أشهرها تفجير موكب أمير الكويت الراحل، جابر الأحمد الجابر الصباح، عام 1985.
وعادت الحكومة الكويتية في مطلع الألفية إلى سلاح سحب الجنسية ضد عدد من المتهمين بالتعاون مع الجيش العراقي خلال احتلاله الكويت عام 1990، لا سيما المتعاونين مع الحكومة الكويتية الموالية للنظام العراقي في بداية الغزو، خصوصاً من الضباط الذين اشتهروا بميولهم "القومية".
واستخدمته بعدها ضد المتحدث باسم "تنظيم القاعدة" سليمان بوغيث عام 2002، ثم سحبت الجنسية من رجل الدين الشيعي المقيم في لندن، ياسر الحبيب، بعد تهجمه على عائشة زوجة الرسول محمد علناً عام 2010.
أقسى فترات سحب الجنسية جاءت في أعقاب الحراك الاحتجاجي المعارض بين 2011 و2014
ولكن كانت أقسى فترات سحب الجنسية في الكويت، هي التي جاءت في أعقاب الحراك الاحتجاجي المعارض في البلاد (2011-2014)، المتأثر بزخم أحداث الربيع العربي، وتحديداً في العام 2014، والذي أدى إلى توقف الاحتجاجات تماماً، بعد سحب الجنسية من عدد كبير من المعارضين السياسيين وسجن آخرين.
وكان من أبرزهم آنذاك، النائب السابق عبد الله البرغش، والداعية الإسلامي نبيل العوضي، والإعلامي سعد العجمي، والذي عمل مراسلاً لقناة "العربية"، ورئيس تحرير صحيفة "عالم اليوم" أحمد الجبر.
وأعادت الحكومة الكويتية في مايو/ أيار عام 2017، الجنسية إلى النائب السابق عبد الله البرغش وستة آخرين، وإلى العوضي والعجمي وسبعة آخرين، في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، وأخيراً الجبر وآخرين في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بينما لم تعد الجنسية إلى الآن لمن سُحبت منهم في الفترات التي سبقت الحراك المعارض.
وبسحب جنسية المطيري، يعود ملف "سحب الجناسي" إلى الواجهة من جديد، بعدما شهد شبه إغلاق خلال السنوات الأخيرة، وسط تراجع زخم الحراك المعارض، فيما أعيد عدد من الجنسيات إلى المعارضين السياسيين.
ومن غير المعروف ما إذا كانت ستُشكّل قضية جنسية المطيري عنواناً خلافياً بين المعارضة في البرلمان المقبل والحكومة، خصوصاً أن انتخابات مجلس الأمة 2024 على الأبواب، والمقرر عقدها في 4 إبريل/ نيسان المقبل، بعدما حلّ أمير الكويت مجلس الأمة، الشهر الماضي.