القضاء آخر مصالح عقيلة صالح

25 اغسطس 2022
يسعى صالح منذ مدة لاختراق السلطة القضائية (دينيس باليبوز/فرانس برس)
+ الخط -

بعد أن سيطر على قرار السلطة التشريعية، وأصبح يُصدر القرارات والتشريعات من دون الرجوع إلى النواب، وبذلك صار أيضاً مصير أي سلطة تنفيذية بيده، كما حدث مع حكومة الوحدة الوطنية، دخل رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، إلى ساحة آخر السلطات وهي السلطة القضائية.

لقد حصّن صالح نفسه جيداً بلفيف من النواب المقربين منه، والمستفيدين من بقائه لبقائهم، وعدّل اللائحة الداخلية لمجلس النواب مرات عدة، وحصّن بذلك مكتب رئاسة المجلس من أي محاولة لإسقاطه، بعد أن أحبط محاولتين قادهما عدد من النواب لتنحيته من رئاسة المجلس، وأصبح الحاكم المطلق، الآمر الناهي، وبيده سلطة إصدار أي تشريع أو قرار سيادي. والأمثلة على ذلك عديدة، وليس أولها ولا آخرها القوانين الانتخابية التي أصدرها العام الماضي وتمكّن من فرضها على الرغم من معارضة المجلس الأعلى للدولة لها وعلى الرغم من المخالفات الصريحة لبنود الاتفاق السياسي.

وقبلها، سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، بالمخالفة أيضاً، عندما تم التصويت على قرار سحب الثقة، في سبتمبر/أيلول الماضي، من دون نصاب قانوني. فقد استطاع الالتفاف على نصوص خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الذي أفرز السلطة التنفيذية كحزمة واحدة، فكان من حق مجلس النواب سحب الثقة من الحكومة وإسقاطها، أما رئيس هذه الحكومة فتنحيته ليست من صلاحيات المجلس، إذ جاء رئيس الحكومة، وفقاً لخريطة الطريق، مع أعضاء المجلس الرئاسي. وتمكّن صالح من خلال تكليفه رئيساً جديداً للحكومة من إرجاع سيطرته على رئيس الحكومة بعدما نزعتها منه خريطة الطريق.

كان جلياً أن صالح يسعى منذ مدة لاختراق السلطة القضائية، فقد مهد لذلك بإصدار قانون لإعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء؛ لا يُعرف متى صدر ومن صوّت عليه حتى الآن، ولا من مرّره في فضاء الإنترنت يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وبالفعل، اجتمع المجلس الأعلى للقضاء في اليوم التالي وفقاً لتشكيلته الجديدة، ومنذ ذلك اليوم صار مجلس القضاء منقسماً على نفسه بعد أن رفض رئيس المجلس، محمد الحافي الإجراء.

هذا الرفض استدعى أن يستهدف صالح الحافي مجدداً من خلال إعادة تشكيل المحكمة العليا التي يترأسها الأخير أيضاً، وفقاً لقانون المحكمة العليا، فرئيس مجلس القضاء هو رئيس المحكمة العليا. وقد حدث ذلك منتصف الأسبوع الماضي، بعد أن عيّن صالح 45 مستشاراً جديداً في المحكمة، وأدى أكثرهم اليمين أمامه الأسبوع الحالي، وأصبح بذلك قرار المحكمة رهيناً بيد غالبية من المستشارين يدركون أن استمرارهم وتنحيتهم بيد صالح.

نعم، اتجه الحافي إلى خطوة في المقابل، وهي تفعيل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، استعداداً للطعن في قرارات صالح، استناداً إلى صلاحياته كرئيس للمجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا. لكن قراره هذا أيضاً مهدد بالبطلان، استناداً إلى قرار إعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، الذي أصدره صالح العام الماضي، فالدائرة الدستورية تغلق وتفتح بالتنسيق مع مجلس القضاء.

كل هذا جرى ويجري لتحقيق مصالح صالح، وأولها بقاؤه في السلطة، فالطعن في استمرار وجود مجلس النواب بعد انتهاء مدته القانونية نهاية 2015، صار اليوم مستحيلاً، وأيضاً كل قراراته التي أصدرها بالانفراد.

ورقة صالح المقبلة إما القبول بسيطرته على آخر السلطات، أو انقسامها الذي ستترتب عليه آثار لا حصر لها.