استعاد تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، نشاطه "الإرهابي" في الجزائر عبر ثلاث هجمات دامية في ظرف أسبوع، ضد دورية للجيش في عين الدفلى، ما أدى لمقتل تسعة عسكريين، واغتيال ثلاثة من عناصر الشرطة في المنطقة نفسها، وقبلها بأسبوع هجوم على حاجز للأمن في منطقة البويرة شرقي الجزائر، ما دفع إلى التساؤل حول أسباب ودوافع تجدّد نشاط "القاعدة" وبهذا الحجم، مقارنة مع النزيف الداخلي والضربات القاسية التي تلقاها التنظيم، وتهشم جسمه العسكري.
وربط أغلب المحللين بين محاولة "القاعدة" العودة إلى نشاطه على أوسع نطاق، وبين صراع غير معلن بين هذا التنظيم، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي حصل على مبايعة مجموعات صغيرة متفرقة في منطقتي البويرة وسكيكدة شرقي الجزائر قبل أشهر. ورأت بعض التحليلات أن "القاعدة" في الجزائر يحاول ملء الساحة، لمنع غريمه من البروز، بعد نجاح تنظيم "جند الخلافة" في لفت الأنظار إليه داخلياً وخارجياً في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما أقدم على خطف واغتيال الفرنسي هيرفي غوردال في تيكجدة في منطقة القبائل شرقي الجزائر، قبل أن يقتل الجيش 24 من عناصره، يشكّلون نواته الصلبة.
لكن الصراع هذه المرة بين التنظيمين، وإن كان غير ظاهر في الوقت الحالي، كانت له عدة مؤشرات في وقت سابق، بدءاً من بيان تأسيس تنظيم "جند الخلافة" وإعلان عناصره الخروج عن طاعة زعيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبد المالك دروكدال واتهامه بالتقاعس عما يعتبرونه "جهاداً"، واتهامه أيضاً بالخروج عن الخط والانحراف، وصولاً إلى مبايعة "جند الخلافة" لتنظيم "داعش" وزعيمه أبو بكر البغدادي. وظهر هذا الصراع أيضاً من خلال سعي "جند الخلافة" إلى استمالة مجموعات وكتائب صغيرة كانت تنشط ضمن "القاعدة"، بينها مجموعة سكيكدة شرقي الجزائر التي أعلنت قبل أسبوعين مبايعتها تنظيم "داعش".
صراع "القاعدة" ووكيل "داعش" في الجزائر، "جند الخلافة"، امتد خارج حدود الجزائر، إلى شمال مالي، حيث أعلن قبل فترة زعيم كتيبة "الملثمون" مختار بلمختار، وهو مسؤول منطقة الصحراء في "القاعدة"، رفضه مبايعة "داعش"، واتهم الأخير بالإقدام على ما اعتبرها سلوكيات غير مقبولة. وكان بلمختار الذي تحدثت تقارير أميركية حديثاً عن مقتله في ليبيا، يسعى عبر الإعلان عن موقفه هذا إلى منع عدد من عناصره المتمركزين في موريتانيا وليبيا من الانضمام لـ"داعش".
كما امتد الصراع بين "القاعدة" و"داعش" إلى تونس، حيث انقسمت كتيبة عقبة بن نافع التي تنشط في تونس وتتمركز في منطقة جبل الشعانبي على الحدود بين البلدين، بين البقاء على الولاء إلى "القاعدة"، وبين إعلان الانضمام لـ"داعش". وأقدمت عناصر من الكتيبة على إعلان ولائها لتنظيم "الدولة"، واعتبرت نفسها امتداداً له عبر "أجناد الخلافة" ويضم في أغلبه عناصر تونسية، والذي بدأ يأخذ موقعه بشكل لافت على الإنترنت وفي مواقع التواصل الاجتماعي التي تعبّر عنه وعن بياناته ونشاطاته، فيما بقيت أغلبية العناصر الجزائرية في كتيبة عقبة بن نافع موالية لـ"القاعدة".
اقرأ أيضاً: "القاعدة" يستعيد نشاطه في الجزائر بأدواتها القديمة
وإذا كان الصراع بين التنظيمين لم يصل بعد إلى المواجهة المباشرة، مقارنة مع المواجهة الحاصلة بين "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" في الساحة السورية، لكون "قاعدة المغرب الإسلامي" وتنظيم "جند الخلافة"، لا يملك أي منهما المعطيات الجغرافية التي تملكها التنظيمات المتقاتلة في سورية والعراق، فإن ذلك لم يمنع التنظيمين من الدخول في حرب كلامية، آخر مظاهرها التسجيل الصوتي الذي أصدره زعيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبد المالك دروكدال، والذي اتهم فيه "داعش" بالانحراف والإقدام على سلوكيات أساءت بحسبه لما يعتبره "جهاداً"، وكذلك شق صفوف المجموعات التي وصفها بالجهادية.
وفي السياق نفسه، تشير الكثير من التقارير الأمنية إلى أن الصراع بين "القاعدة" ووكيل "داعش" في الجزائر، "جند الخلافة"، انتقل أيضاً إلى مضمار التجنيد واستقطاب مقاتلين جدد، خصوصاً بالنسبة للثاني الذي يسعى إلى الاستفادة من الزخم الإعلامي الذي يرافق نشاطات وانتصارات "داعش" في سورية والعراق، وهو الأمر الذي فشل فيه الطرفان، إذ لا تؤكد التقارير التحاق عناصر جديدة بـ"القاعدة"، كما أن التقارير الدولية التي تتابع وترصد أرقام وحركة التحاق المقاتلين بـ"داعش"، تضع الجزائريين في آخر الجدول وبعدد قليل، وهو ما أعلنه رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال في تصريح سابق.
ويرى المحلل السياسي المتابع لشؤون "الجماعات الإرهابية"، نصر بن حديد، أن الصراع بين "جند الخلافة" و"القاعدة" في الجزائر وتونس، هو معركة زعامات بين ممثلي التنظيمين في المنطقة، وبحث عن توسيع المجال، أكثر من كونه اختلافا فقهيا أو تضاربا عقديا، مشيراً إلى أن الصراع بين "التنظيمات الإرهابية" في الجزائر ليس جديداً، فمنذ منتصف التسعينات، تعددت المجموعات المسلحة في الجزائر ودب صراع حاد بينها، أخذ في البداية طابعاً سياسياً تعلّق بالتبعية للجناح السياسي من حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، بعد وقف الجيش للمسار الانتخابي في يناير/كانون الثاني 1992، لكنه أخذ بُعداً دموياً بعد إعلان الجماعة الإسلامية المسلحة الانشقاق عن "الجيش الإسلامي للإنقاذ" الذي كان يتبع الحزب السياسي، وإعلانها تكفير السياسيين والتمرد عليهم والحرب على كل المجموعات المسلّحة التي لا تنضم إليها طواعية. وحصلت مواجهات بين هذه الجماعة وجماعة "رابطة الدعوة والقتال" التي كان يقودها علي بن حجر، من جهة، وبينها وبين "الجيش الإسلامي للإنقاذ" منذ منتصف التسعينات.
وبحسب بن حديد، فالقاسم المشترك في هذه الصراعات سواء السابقة أو الحالية، أنها تنطلق من معطى خارجي، فالحرب الدامية بين المجموعات المسلّحة في الجزائر في منتصف التسعينات كانت بدافع فتاوى التكفير التي أصدرها الأردني أبو قتادة.
وعلى الرغم من بعض "العمليات الإرهابية" المعزولة التي تشهدها الجزائر بين الحين والآخر، فإن المراقبين يعتقدون أن الحالة الجزائرية ليست مرشحة لأن تكون ساحة مواجهة حقيقية بين "داعش" و"القاعدة"، بسبب غياب الحاضنة الشعبية، بفعل المعاناة الكبيرة للجزائريين من فتنة التسعينات التي أدت إلى سقوط نحو 120 ألف قتيل، وانكسار شوكة "المجموعات الإرهابية" بفعل قوة المنظومة الأمنية والعسكرية الجزائرية.
اقرأ أيضاً: الجيش الجزائري يقتل 13 مسلحاً مشاركين في تصفية عسكريين