استمع إلى الملخص
- ثورات الربيع العربي أثرت في تغيير المفاهيم المتعلقة بالحرية والمشاركة، مما دفع الغرب لتعديل استراتيجياته لدعم الكيان الصهيوني واحتواء تأثيرات هذه الثورات.
- المقاومة لم تعد مجرد تنظيم مسلح بل فكرة تتجذر في الوجدان، مما يثير قلق إسرائيل وداعميها الذين يفتقرون لقوة فكرية لمواجهة هذه الفكرة.
بعيداً عما يُشاهد في ظاهر الأحداث المرتبطة بأنشطة المقاومة الفلسطينية في غزة، وحزب الله في جنوب لبنان، يقف معنى آخر في غور الحدث، يُقلق بال العدو الصهيوني وداعميه في الغرب، ويبدو أن ملامحه بعد عام من أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بدأت تلوح في الأفق، وتتضح، إذا ما نظرنا إلى أن المقاومة لا تقودها دولة بنظام سياسي وجيش منظم وأسلحة وعتاد، بل هي منتظم فاعل وله حاضنة اجتماعية وفكرية.
صحيح أن حركة حماس وحزب الله منظمتان ليستا جديدتين في المشهد، ولهما وجود يعود إلى عقود من الزمن، وارتباطات وعلاقات وغير ذلك، وصحيح أن الوصف الذي يطلقه العدو الصهيوني ومن يدعمه في الغرب عليهما ليس جديداً، فـ"الإرهاب" تهمة وصمت بها حماس وحزب الله منذ أمد، لكن الجديد أن ثورة معاني المقاومة فيهما جاءت بعد العديد من المتغيرات التي طرأت في الساحة العربية، وتحديداً بعد ثورات الربيع العربي التي لم تكن آثارها فقط في تغيير الكثير من الأنظمة السياسية، بل دفعت الى تغيير الكثير من المفاهيم المتعلقة بقيم حق العيش والمشاركة والحرّيات وغيرها، ما استدعى تماهياً في استراتيجيات الغرب الداعمة للكيان الصهيوني، لاحتواء أي فواعل لما طرحته ثورات الربيع العربي من أفكار.
الخطير بالنسبة للكيان الصهيوني والغرب الداعم له هو أن انتصاراً قد تسجله المقاومة سيدفع إلى تشجيع غيرها لاستنساخ التجربة، وبناء منتظمات جديدة بفواعل وحواضن مشابهة، وهو ما يبرّر كل أشكال السحق التي تمارسها آلة القتل الصهيونية بحق المقاومة، من إبادة جماعية وقطع للغذاء والماء، والحصار المميت والقصف العشوائي وتدمير كل سبل الحياة.
الواقع أن العدو الصهيوني والدول الغربية التي تصرح علناً بدعم حربه الساحقة باتت تدرك جيداً أن المقاومة لم تعد مجرد تنظيم مسلّح، بل فكرة بدأت تتحول إلى ثقافة تزداد كل يوم رسوخاً في وجدان كل مقاومة للظلم والعدوان، وهو الأخطر دون شك، خصوصاً أنّ إسرائيل وداعميها لا يملكون قوة حرب في مستوى الفكر، لمقابلة فكرة حق المقاومة ولشرعنة أشكال هذه الحرب البشعة. فكل ما يستند إليه العدو في "حقّه" لبناء كيان على أرض فلسطين هو مجرد روايات "تاريخية" مستهلكة، أصبحت اليوم أقرب إلى الخرافات، كما أن شمّاعة وصف المقاومة بـ"الإرهاب" لم تعد تكفي وتقنع.
في هذا المستوى من القراءة العميقة لمسار المقاومة في غزة وجنوب لبنان وعنف الرد الصهيوني، يبدو أن الصهيوني لم يعد يملك خيارات سوى الاستمرار في إظهار وجهه البشع، فيما شريان استمرار حياة المقاومة وضمان انتصارها يكمن في قوة فكرتها العادلة.