العقوبات الأميركية على "حزب الله": الضغط الاقتصادي مستمرّ

21 ابريل 2023
الحزب محيياً "يوم القدس" ببيروت، 14 إبريل الحالي (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

ترتفع وتيرة العقوبات الأميركية على أفراد وشركات تدير وتساعد وتموّل الجهاز المالي لـ"حزب الله" منذ بداية عام 2023، لتطاول شبكات واسعة آخرها، الثلاثاء الماضي، وضمّت شبكة متهمة بتبييض الأموال والالتفاف على العقوبات مؤلفة من 52 فرداً وكياناً في لبنان والإمارات وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول.

واتُهمت هذه الشبكة بأنها ساعدت وسهّلت نشاطات رجل الأعمال اللبناني، جامع التحف الفنية ناظم سعيد أحمد الذي تعتبره الولايات المتحدة مموّلاً للحزب، ومصنفاً عالمياً بـ"الإرهابي".

وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية عدداً كبيراً من الأفراد والكيانات في الأشهر الماضية على لائحة العقوبات، أبرزهم الصرّاف، الخبير المالي اللبناني حسن مقلّد، وشركته CTEX للصرافة، لتسهيل الأنشطة المالية لـ"حزب الله" ولعبه دوراً رئيسياً في تمكين الحزب من الاستمرار في استغلال الأزمة الاقتصادية في لبنان وتفاقمها. مع العلم أن العقوبات التي أعلن عنها في يناير/كانون الثاني الماضي، شملت كذلك نجليه راني وريان لتسهيلهما أنشطة والدهما.

كما طاولت العقوبات في مارس/آذار الماضي، حسن دقّو الملقّب بـ"ملك الكبتاغون"، والذي أشارت وزارة الخزانة الأميركية إلى أن منتسبين لـ"حزب الله" سهّلوا قدرته على الاستمرار في إدارة أعماله أثناء وجوده في السجن، وكذلك نوح زعيتر، تاجر الأسلحة ومهرّب المخدرات، المطلوب من قبل السلطات اللبنانية. ودقو وزعيتر متهمان بدعم نظام بشار الأسد، ولصلاتهما بـ"حزب الله".


دبلوماسي أميركي: لائحة العقوبات قد تتسع لتطاول أكثر المتسببين بالأزمة اللبنانية

كما تعرض الولايات المتحدة مكافآت مالية بملايين الدولارات لمن يساعد في تقديم أي معلومات عن أفراد وكيانات متهمين بتوفير تمويل للحزب، وعرضت أخيراً مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن لديه معلومات عن ناظم سعيد أحمد تاجر "الألماس الدموي" (مصطلح يطلق على الألماس الذي ينتج في مناطق الحروب والأزمات المسلحة لتمويل حروب أو نشاطات أمراء الحرب).

وكانت الولايات المتحدة قد صنّفت "حزب الله" منظمة إرهابية أجنبية عام 1997، وكـ"إرهابي عالمي مخصص" عام 2001. وصنّف مجلس التعاون الخليجي الحزب على أنه "منظمة إرهابية" في عام 2016، وقد اتخذت دول عدة التصنيف نفسه، علماً أن البعض منها فصل بين جناحيه العسكري وذاك السياسي، مع الإشارة إلى أن "حزب الله" بدأ مشاركته الفعلية في الحياة السياسية عام 2005، وهو الطرف الوحيد في لبنان الذي أبقى على سلاحه دون تسليمه بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990).

العقوبات الأميركية على حزب الله

وقال مصدر دبلوماسي أميركي لـ"العربي الجديد" إن "الولايات المتحدة مستمرّة في فرض عقوبات على حزب الله وكلّ داعميه، وذلك في إطار تفكيك منظومته المالية وشبكات المخدرات المتصلة به التي تجوب عددا كبيرا من الدول، والعمل في هذا الإطار مشترك مع دول تصنفه إرهابياً على رأسها بريطانيا".

ولفت إلى أن "خطورة حزب الله وأنشطته لا تقتصر على لبنان، بل دولياً وعربياً، من هنا أهمية فرض العقوبات التي تمنع وتحظر على أي مؤسسة مالية أجنبية أو أفراد التعامل معه". وأشار إلى أن "لائحة العقوبات قد تتسع لتطاول أكثر المتسببين بالأزمة اللبنانية، ومعاناة اللبنانيين".

يُذكَر أن العقوبات الأميركية طاولت سياسيين لبنانيين يدورون ضمن فلك "حزب الله"، منهم وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس (مستشار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مرشح حزب الله وحركة أمل لرئاسة الجمهورية)، والنواب الحاليين، جبران باسيل، غازي زعيتر، وعلي حسن خليل.

في المقابل، قال النائب في كتلة "حزب الله" البرلمانية "الوفاء للمقاومة" حسين جشي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأميركيين يعانون اليوم من تراجع في نفوذهم، ومن الطبيعي أن تكون لهم ردّات فعل، للحفاظ على معنوياتهم وحضورهم، والقول إنهم ما زالوا حاضرين وذلك في إطار التوازن، وإن لهم تأثيرهم على الساحة اللبنانية".

وأشار إلى أن "انعكاس العقوبات الأميركية على حزب الله سخيف ولا مكان له"، قائلاً إن "هناك اشخاصاً تطاولهم العقوبات لا علاقة لهم بحزب الله، وبينهم حتى من هناك عدم انسجام معه، وإشكاليات، لكنهم يضعون العقوبات كونهم محسوبين على البيئة الشيعية وذلك من بوابة الضغط عليها، والترهيب".

ورأى جشي أن "هناك حرباً حقيقية اليوم تخوضها الولايات المتحدة على النفوذ والسيطرة هي التي تريد أن تستغل ثروات المنطقة وتعيش على حساب شعوبها، لكن نحن نقول إن ثروات المنطقة للمنطقة وأبنائها".

ولم يستبعد جشي أن "تتسع رقعة العقوبات الأميركية، باعتبار أنهم يفعّلون كثيراً عمل الخزانة الأميركية التي كان عدد الموظفين فيها لا يتخطى 500 شخص، وتجاوزوا حالياً الـ5 آلاف، وذلك لأنهم يعتبرون سلاح العقوبات فعّالاً ويمكن استخدامه للضغط والترهيب والتدخل في سياسات المنطقة والاستحقاقات"، مضيفاً: "الولايات المتحدة تلجأ إلى العقوبات ضد كل من يخالف إرادتها ورغبتها".

من جهته، قال مدير الاتصالات والإعلام في مركز "مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط" في بيروت، مهند الحاج علي، لـ"العربي الجديد"، إنه "خلال الأشهر الماضية حصل ارتفاع بوتيرة العقوبات الأميركية على حزب الله وأشخاص وكيانات يُتّهمون بتمويله، وكنّا نراها لكن بطريقة أخفّ، تحديداً إبان المفاوضات الإيرانية الأميركية والأطراف الأخرى على صعيد الاتفاق النووي".

ورأى الحاج علي أن "هذه العقوبات هي عملياً استئناف لسياسة الضغوط القصوى على إيران التي كانت تنتهجها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب واستأنفتها الإدارة الحالية عبر الرئيس جو بايدن"، معتبراً أن "الهدف من هذه السياسة هو رفع وتيرة الضغط على إيران وحلفائها ودفعهم إلى العودة لطاولة المفاوضات بشروطٍ أفضل للولايات المتحدة، لكن من الصعب توقع نجاح هذه المقاربة".

تبعاً لذلك، اعتبر الحاج علي أن "النتيجة يمكن أن نراها على مستويين، الأول زيادة الضغط المالي والاقتصادي على حزب الله وإيران، وعملياً رفع منسوب الصعوبة في الحصول على الأموال. والمستوى الثاني محاولة دفع البيئة الحاضنة لحزب الله للتمرّد عليه، وبرأيي من الصعب أن يحصل ذلك، وبالتالي النتيجة المتوقعة مزيد من الصعوبات والضغوطات الاقتصادية".


حسين جشي: انعكاس العقوبات الأميركية على حزب الله سخيف

وتوقف الحاج علي على سبيل المثال عند العقوبات التي شملت مقلّد، وكيف أدت إلى ارتفاع كبير في سعر صرف الدولار في لبنان، باعتباره لاعباً أساسياً في السوق، ما أحدث نوعاً من فقدان الثقة: "وبالتالي، فإننا نرى الضرر العام، لكن الضرر الخاص هو الذي لا نراه، لأن أثر العقوبات هي أكثر على الناس".

وأشار إلى أنه في إدارة ترامب كانوا يستخدمون عبارة "كيميو ثيرابي" ومبدأ العلاج به عملياً بإحداث صدمة للجسم كله على أمل أن تتدحرج قطع منه، وكانت العقوبات محددة بهذا المكان، واللافت أن وتيرتها ليست فقط إلى ارتفاع بل باتت تشمل أفراد عائلة الشخص المعاقب، والمحيطين به.

الضغط الاقتصادي

من ناحية ثانية، رأى الحاج علي أن "السياسة الفرنسية والأوروبية تصب في إطار التخفيف من وطأة الانهيار المالي ومحاولة معالجة القضايا للحؤول دون الانهيار الشامل، بينما الأميركية قائمة على مدماكين، الأول، الحفاظ على مؤسسات الدولة، وإبقاؤها، وتحديداً الأمنية والعسكرية. والمدماك الثاني عبر العقوبات لإبقاء منسوب الضغط عالياً جداً على حزب الله بالمرحلة المقبلة، وذلك من خلال الضغط الاقتصادي والمالي بآثاره العامة والخاصة، وهنا نرى أن هناك بعض التوتر في المقاربتين الأميركية والأوروبية".

من جهته، قال الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، إن "الولايات المتحدة تتوعد كل الحركات الإرهابية وليس فقط حزب الله، وهو مصنّف منذ سنوات طويلة كمنظمة إرهابية، ومن الطبيعي أن تطاول العقوبات أعضاء فيه حزبيين، ومن يموّله أو يدعمه أو يساعده، أو يقوم بنشاطات تجارية لصالحه، سواء أفراد أو كيانات، واللائحة باتت طويلة بالأسماء".

ورأى عبد القادر أن "حزب الله يقول إن العقوبات لا تؤثر عليه لكن طبعاً لها تأثيراتها على الأشخاص الذين تطاولهم، خصوصاً أنهم يتعاطون نشاطات تجارية مع دول وبلدان في أنحاء العالم، ويسافرون من بلد إلى آخر، وبالتالي فإن هذه العقوبات حتماً مؤذية لهم، على صعيد التعاملات التجارية، والتحويلات المالية وحركتهما المالية كلها والحسابات الجارية في المصارف، حتى في لبنان، قبل أن تحدث أزمة المصارف والنقد أواخر عام 2019".