العراق: مليشيات مرتبطة بإيران تنأى بنفسها عن قصف المنطقة الخضراء وحديث عن "أذرع متمردة"
في حين سارعت مليشيات عراقية مسلحة للإعلان عن عدم مسؤوليتها على الهجوم الصاروخي الذي طاول المنطقة الخضراء وسط بغداد، على مقربة من السفارة الأميركية، تتحدث مصادر سياسية عراقية عن "أذرع متمردة" داخل تلك المليشيات تتولى عمليات القصف وخرق التهدئة التي أعلن عنها مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من قبل الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران.
ومساء أمس الأحد، تعرضت المنطقة الخضراء لعدة رشقات بصواريخ "كاتيوشا"، ردت عليها منظومة الصواريخ الأميركية الموجودة في مبنى السفارة وأسقطت عدداً منها، لكن أخرى سقطت على مقربة من السفارة، التي سارعت للإعلان في بيان رسمي عن عدم تعرض أي من موظفيها لضرر جراء الهجوم.
بدوره، ندد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بالهجوم الصاروخي، مبيناً أن "المليشيات المدعومة من إيران قامت مجدداً بشكل صارخ ومتهور بالهجوم على بغداد، وجرح المدنيين العراقيين". وأشار إلى أن "الشعب العراقي يستحق أن تتم محاكمة المهاجمين وعلى المجرمين والفاسدين الكف عن أعمالهم المزعزعة للاستقرار".
Iran-backed militias once again flagrantly and recklessly attacked in Baghdad, wounding Iraqi civilians. The people of Iraq deserve to have these attackers prosecuted. These violent and corrupt criminals must cease their destabilizing actions.
— Secretary Pompeo (@SecPompeo) December 21, 2020
وعقب الهجوم اعتبر الرئيس العراقي برهم صالح أن تجدد القصف يمثل "استهدافاً لسيادة البلد والجهود الوطنية من أجل حفظ هيبة الدولة، كما أنه ينال من سمعة العراق الدولية ومن علاقاته الخارجية".
ودعا قوات الأمن إلى ملاحقة من وصفها بـ"العصابات الإجرامية الخارجة على القانون، وتقديمها إلى العدالة، وعدم السماح بتكرار هذه الحوادث من أجل حماية المصلحة العليا للبلد وضمان أمن واستقرار المواطنين.
وتعتمد السلطات العراقية مصطلح "العصابات الإجرامية"، في الإشارة إلى مثل هذا النوع من الهجمات، في محاولة منها لتمييزه عن الهجمات الأخرى التي يقف خلفها تنظيم "داعش".
وأصدرت كل من مليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، ومليشيا "العصائب"، بيانات منفصلة أعلنت فيها عدم مسؤوليتها عن الهجوم الصاروخي، كما أدان رئيس تحالف "الفتح" (الجناح السياسي للحشد الشعبي) هادي العامري استهداف البعثات الدبلوماسية والتسبب بالرعب للمدنيين في بغداد، داعيا القوات العراقية إلى فرض الأمن، وكذلك فعل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وتتحدث مصادر عراقية مطلعة عن أن الاعتداء الصاروخي على المنطقة الخضراء، تصادف مع وجود قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال فرانك ماكينزي، في اجتماع داخل مبنى السفارة، وهو ما يثير مخاوف أكثر من مدى تغلغل المليشيات داخل مكتب رئيس الوزراء العراقي الذي كان وحده على علم بهذه الزيارة.
مسؤولون أمنيون في العاصمة بغداد أكدوا، لـ"العربي الجديد"، أنّ الهجوم الصاروخي هو الأعنف، ونفذ بنحو 30 صاروخ "كاتيوشا"، لكن المنظومة الأميركية أسقطت أغلبها، وقسم منها لم يصل إلى المنطقة الخضراء وسقط على مبان سكنية وتسبب بأضرارا مادية، متحدثين عن أنها أطلقت لأول مرة من عدة مناطق، وليس من مكان إطلاق واحد، في محاولة لتشتيت عمل منظومة الصواريخ الأميركية.
وأكد نائب في البرلمان العراقي عن "تحالف الفتح"، أن الهجوم لا علاقة له بالفصائل المسلحة المعروفة والمدعومة من قبل إيران، "بل تقف خلفه أذرع متمردة من داخل تلك الفصائل"، وأضاف أن "رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ومساعده عبد العزيز المحمداوي، (الخال) أجريا اتصالات مكثفة بعد عملية القصف، مع كافة قادة الفصائل، لمعرفة الجهة التي تقف خلفها، وتم تشكيل لجنة تحقيق رسمية من قبل هيئة الحشد، وتم التشديد على محاسبة أي جهة متورطة بهذا العمل مهما كانت الجهة التي تقف خلفها"، وفقاً لقوله في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد".
الاعتداء الصاروخي على المنطقة الخضراء، تصادف مع وجود قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال فرانك ماكينزي، في اجتماع داخل مبنى السفارة
وتتهم واشنطن مليشيات عراقية مقربة من إيران بالوقوف وراء الهجمات التي تستهدف المنطقة الخضراء، ومطار بغداد الدولي الذي يوجد فيه جزء مخصص للتحالف الدولي، والأرتال التي تنقل معدات التحالف الدولي، بصواريخ "كاتيوشا" والعبوات الناسفة بين الحين والآخر.
من جانبه اعتبر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عبدالخالق العزاوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عودة عمليات استهداف البعثات الدبلوماسية "أمراً خطيراً جدًا، وخصوصاً أن هدف القصف هذه المرة هو العنف، فهذا ما يدفع إلى ردود فعل أميركية على تلك الهجمات".
وبيّن العزاوي أن "الحكومة العراقية، تتحمل كل التبعات الأمنية والسياسية، لأعمال كهذه خارجة عن القانون، فهي طيلة الفترة الماضية لم تتمكن من كشف الجهات التي تقوم بهذه الأعمال، رغم أن كل المعطيات تؤكد أن الحكومة تعلم بها لكن تخشى التقرب منها كونها لها غطاء وحماية سياسية خارجية وداخلية".
وأضاف: "نتوقع ان عمليات استهداف البعثات الدبلوماسية، سوف تزيد في قادم الأيام، خصوصاً مع قرب ذكرى حادثة المطار، (اغتيال قاسم سليماني) لكن في نفس الوقت هناك مخاوف من ردود فعل أميركية على هذه الهجمات، وربما الهجمات الأميركية تكون نوعية، باستهداف مقرات أو شخصيات، وهذا ما لا نريده لكونه يدخل العراق في أزمات لا تحمد عقباها".
الخبير الأمني المقرب من أجهزة الاستخبارات العراقية، فاضل أبو رغيف، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الهجوم على السفارة الأميركية، هو الأعنف"، مبيناً أن "المعلومات تؤكد بأن المجاميع التي تقف خلف عملية القصف هذه غير موجهة وتعمل بمفردها بمعزل عن أي جهة أخرى".
وأضاف أبو رغيف أن "الوضع في قادم الأيام سيكون أكثر تأزما ومحرجا للجانب الحكومي العراقي، أو على مستوى الجانب الأمني، وقد تكون هناك ردود فعل على هذا التصعيد ويدخل العراق في دوامة عنف أخرى".
وبيّن أنه مع اقتراب ذكرى اغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس "يخشى من شن ضربات أخرى تستهدف السفارة الأميركية في العاصمة بغداد، وهذه الضربات ستدخل العراق بوضع خطر، وقد تصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباه".