باتت الحكومة العراقية بقيادة مصطفى الكاظمي، أمام سيناريو إدارة المناصب بالوكالة الذي وقعت به حكومات سابقة وتسبب بأزمات سياسية عدة، وذلك بعد استقالة وزير الكهرباء ماجد حنتوش، الأسبوع الماضي، وقبله وزير الصحة حسن التميمي عقب الحريق الذي راح ضحيته أكثر من 100 نزيل في أحد مستشفيات شرق بغداد في نهاية إبريل/نيسان الماضي. وحول هذه المعطيات تؤكد مصادر مقربة من رئيس الوزراء أن الخلافات السياسية ومحاولة التنصل من مسؤولية الفشل في أكبر ملفين خدميين، وهما الصحة والكهرباء، تدفع القوى السياسية إلى النأي بنفسها عن ترشيح وزيرين بديلين أشهراً عدة، وقد يتسبب بتزايد نقمة الشارع عليها، عشية الانتخابات النيابية المبكرة المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وتُدار وزارتا الصحة والكهرباء حالياً بطريقة "الوكالة"، من قبل وكلاء الوزراء، تحت إشراف الكاظمي. ووفقاً لنظام المحاصصة الطائفية والحزبية المعمول به في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، فإن وزارتي الكهرباء والصحة في هذه الحكومة من حصة "التيار الصدري"، لكن الأخير يرفض انتسابهما له، مشدّداً على أن الوزيرين المستقيلين لا ينتميان للتيار.
يستبعد عضو بارز في البرلمان إمكانية حسم تسمية وزيرين للصحة والكهرباء بالوقت الحالي
ويكشف مصدر مقرّب من الكاظمي لـ"العربي الجديد"، أن الأخير أجرى اتصالاً هاتفياً مطولاً مع زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، نهاية الأسبوع الماضي، بشأن أزمة الكهرباء تحديداً، وطلب من الصدر "دعمه في فكرة التوجه إلى الشركات الأجنبية للبدء بعملية تأسيس منظومة كهرباء تنهي المشكلة بشكل جذري، فضلاً عن دعم مشروع الربط مع الخليج والأردن كحل آني، كون الخطوة تلاقي معارضة من قبل فصائل مسلحة وأحزاب حليفة لإيران". ويشير إلى أن "الصدر أبدى دعمه للكاظمي في خطواته بشأن أزمة الكهرباء، وطالب بالنأي باسم التيار الصدري عن ملف الكهرباء والتصرف من قبل رئيس الحكومة بما يراه مناسباً". ويرى أن "الأجواء الحالية، وبسبب قرب الانتخابات والإخفاق بوزارتي الصحة والكهرباء، فإن كل الكتل ترفض المطالبة بالمنصب، لذا قد تستمر حالة الوكالة".
في المقابل، يستبعد عضو بارز في البرلمان إمكانية حسم تسمية وزيرين للصحة والكهرباء بالوقت الحالي، لافتاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه من غير المستبعد أن يستمر شغور الوزارتين حتى الانتخابات المقبلة. ويشير إلى أن "الكاظمي طرح فكرة تسمية وزيرين من داخل الوزارة نفسها لإدارتها، لكن الكتل السياسية لم تردّ عليه، لأن مناصب وكلاء الوزراء والمدراء العامين في الوزارات بالأساس خاضعة للمحاصصة أيضاً، ما يعني أن أي مرشح سيكون سلفا منتميا لأحد الأحزاب الحالية". ويعتبر أن الحالة الجديدة دفعت بالكتل النيابية للانتباه بشأن إمكانية استجواب وزير المالية علي علاوي، وما إذا سيتم اختيار بديل عنه في حال تقرر سحب الثقة منه، كما تروّج كتل عدة في البرلمان منذ مدة".
وحول نأي "التيار الصدري" عن وزارة الكهرباء، يقول عضو تحالف "سائرون" الذي يمثل التيار في البرلمان رعد المكصوصي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "التيار لا علاقة له بوزارة الكهرباء، لكن هناك جهات سياسية داخلية وأخرى خارجية تريد توريطه بأي فشل حكومي يحدث في البلاد، رغم أن من حق التيار أن يدير أربع وزارات، بالاعتماد على نتائج انتخابات 2018". ويشدّد على أن "اختيار وزير جديد لأي وزارة شاغرة، هو من صلاحية رئيس الوزراء وحده، حتى وإن كان المنصب من استحقاق التيار الصدري، فلا يتدخل أحد من التيار لفرض اسم معين".
الصدر لن يتورط أكثر ولن يختار أي وزير جديد للوزارتين الشاغرتين
وبرأي النائب باسم خشان فإن "وكلاء الوزير ينتمون عادة إلى كتلة سياسية أيضاً، لأن منصب الوكيل مدرج ضمن المحاصصة، ومعظم الوكلاء والمدراء في وزارتي الصحة والكهرباء يتبعون التيار الصدري، لذلك فإن التيار ليس مهتماً كثيراً لاختيار وزير جديد، طالما أنه لا يزال يتحكم بالوزارتين". ويعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "في أي وقت يفكر قادة التيار الصدري باختيار وزراء جدد، لن يكون أمام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي غير القبول بهم، من دون أي نقاش".
بدوره، يرى الخبير أحمد النعيمي، أن "بقاء الوزارتين من دون وزيرين أمر مرجح للغاية في ظل هذه الأوضاع". ويتوقع في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الصدر لن يتورط أكثر ولن يختار أي وزير جديد للوزارتين الشاغرتين، بل سيوافق على نظام العمل بالإدارة أو تحويل صلاحياتها إلى رئيس الوزراء، الذي ينفذ هو الآخر معظم المصالح التي يطلبها التيار، فضلاً عن كونه أساساً صديقاً مقرّباً من الصدر. كما أن الكتل الأخرى لا تريد الدخول بأزمة في هذا الإطار قبل أقل من 100 يوم على الانتخابات". ووفقاً للنعيمي فإن "إدارة وزارات بالوكالة سابقاً، لفترات امتدت ثلاث سنوات، كما حصل في زمن حكومة نوري المالكي الثانية بين عامي 2010 و2014، يجعل من مسألة بقاء الوزارتين أمراً طبيعياً بين القوى السياسية، حتى مع معاناة الشارع من قطاع الصحة والكهرباء".