تمكّن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بعد معارك كرّ وفرّ دارت رحاها في عدد من المحافظات العراقيّة، ضد القوات الأمنيّة العراقيّة مدعومة بمليشيا "الحشد الشعبي"، من إعادة سيطرته على مناطق واسعة في قضاء بيجي، في محافظة صلاح الدين، الأمر الذي قد يدفع الحكومة العراقية إلى إعادة حساباتها العسكريّة، ومحاولة ترميم أخطائها.
ويقول عضو مجلس محافظة صلاح الدين عبد الله السامرائي لـ "العربي الجديد"، إنّ "التقدم الذي حقّقه الجيش العراقي قبل فترة في بيجي، كان بسبب دعم أبناء العشائر لخطوات التحرير من "داعش" نتيجة السياسات القمعيّة التي اتّبعها التنظيم مع أهالي المناطق التي سيطر عليها".
وينقل السامرائي "صدمة أهالي صلاح الدين وقضاء بيجي من النهج الذي اتبعته قوات الحشد الشعبي وانتهاكاتها المستمرة في المناطق التي يتمّ إجلاء داعش عنها"، مبيّناً أنّ "انتهاكات الحشد فاقت في بعض الأحيان انتهاكات تنظيم "داعش"، الأمر الذي خلق تذمراً شعبياً من وجودهم وتحرّكهم باسم الجيش والقانون".
ويُؤكّد تتبّع مسار المعارك التي دارت رحاها في القضاء، وفق ما يقوله السامرائي، "بما لا يقبل الشكّ، إنّ انتهاكات مليشيا الحشد الشعبي في هذه المناطق لا تصب في صالح المعركة ضد داعش، بل إنّ تلك الانتهاكات أفقدت الأجهزة الأمنيّة زمام المبادرة وجعلتها لا تحظى بقبول شعبي في مناطق النزاع مع داعش، نظراً لطبيعة انتمائها الطائفي". ويشدّد السامرائي على أنّ هذا الواقع "أفقد الأجهزة الأمنيّة قواعدها الشعبيّة والحاضنة التي يلجأون إليها"، لافتاً إلى أنّ "الأهالي أصبحوا يخشون هزيمة داعش حتى لا تسيطر المليشيات وتُمعن في قتل وتهجير أهالي تلك المناطق".
وأخفقت الأجهزة الأمنية ومليشيا "الحشد الشعبي"، في الحفاظ على التقدّم الأخير الذي أحرزته في قضاء بيجي، فسرعان ما تمكن تنظيم "داعش"، من استعادة كافة المناطق في القضاء مجدداً، ويحاول الآن استعادة مصفاة بيجي النفطيّة.
وفي سياق متّصل، يُعرب الخبير الأمني واثق العبيدي، عن اعتقاده بأنّه "لا يمكن للجيش والحشد الشعبي هزيمة داعش، لأن من أهم أسباب النصر العسكري في أي منطقة، الحصول على دعم أهلها"، لافتاً إلى أن "أهالي المناطق الخاضعة لسيطرة داعش وجدوا تمييزاً حكومياً كبيراً تجاههم".
ويتحدّث العبيدي عن "ثقة معدومة بين الطرفين، وخصوصاً أنّ الحكومة تسلّح الحشد الشعبي وتتجاهل نداءات العشائر، وهو ما أفقد الحكومة والأجهزة دعم أبناء تلك المناطق، وتسبّب بتراجع ملحوظ للأجهزة الأمنيّة خلال المعارك الأخيرة في قضاء بيجي". وفي حال نظرت الحكومة العراقيّة إلى تداعيات ذلك، بشكل صحيح، فستجد، وفق العبيدي، أنّ "لا مجال لها من دون دعم وتسليح العشائر والاعتماد عليهم بدلاً من الحشد الشعبي في المعارك المقبلة".
في المقابل، يرى النائب عن محافظة صلاح الدين، محمد البدري، أنّ "الحكومة أبدت أخيراً مرونة تجاه الاعتماد على أبناء العشائر في مواجهة التنظيم". ويقول لـ "العربي الجديد"، إنّ "رئيس الحكومة حيدر العبادي خلال لقاءاته الأخيرة بوفود العشائر من محافظات الأنبار وصلاح الدين، لم يرفض التسليح كما كان موقفه في البداية"، مشيراً إلى أنّه "وافق أخيراً على سفر وفد عشائر الأنبار إلى واشنطن لبحث موضوع تسليح العشائر، وهذا ما يؤكّد تغيّر قناعاته السابقة وإعادة حساباته تجاه العشائر".
في غضون ذلك، يثير التوجّه نحو إعادة الاعتماد على العشائر في مواجهة "داعش"، حفيظة أنصار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي يحاول تأليب الشارع ضد سياسات العبادي. وتُحذّر النائب عن كتلة "دولة القانون" المقرّبة من المالكي، عالية نصيف، "من النوايا الخفية وراء سعي واشنطن إلى تسليح العشائر العراقيّة"، مشدّدة على أنّ "الإدارة الأميركية لا تقدم شيئاً من دون ثمن".
وتقول نصيف، في بيان صادر عنها، إن "الأميركيين ليسوا مؤسّسة خيريّة، تستحدث تشكيلات عسكرية في دول شرق أوسطيّة، وتزوّدها بالمال والسلاح خارج مؤسّسة الجيش من دون ثمن"، مؤكّدة أنّ "هدف الولايات المتحدة من هذه الخطوة هو تفتيت العراق وتقسيمه إلى دويلات تتقاتل في ما بينها على الحدود والثروات وتدخل في صراعات تمتد إلى أجيال عدة". وتدعو الحكومة العراقيّة إلى "عدم السماح بذهاب وفود عشائريّة إلى واشنطن".