العراق: حج انتخابي مبكر إلى المدن المحررة من "داعش"

12 ابريل 2021
العمل جارٍ على إزالة الدمار في الموصل (زيد العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الأسابيع الستة الأخيرة، توافداً متزايداً من قبل زعماء أحزاب وقوى سياسية مختلفة نحو المدن العراقية المنكوبة، شمالي البلاد وغربها، بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاث سنوات. وهو ما جعل سكان المدن يضعون الزيارات في سياق حملات انتخابية مبكرة، قبل تشريعيات 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. واعتبروا أنها لم تأتِ بجديد، في ظل تكرارها الشعارات والوعود نفسها، التي طُرحت في انتخابات عامي 2014 و2018، تحديداً مثل "التعهّد بالكشف عن مصير المختطفين والمغيبين"، و"إعادة إعمار هذه المدن"، و"دفع تعويضات للسكان" و"ضمان فرص العمل".

وزار زعماء ونواب، الموصل والبعاج وتلعفر وربيعة والحضر ضمن محافظة نينوى، وبيجي وتكريت وسامراء ضمن محافظة صلاح الدين، والفلوجة والرمادي والقائم ضمن محافظة الأنبار. وبسبب عدم توفر قاعات للمؤتمرات أو مبانٍ كافية في تلك المدن المدمرة، أُجريت بعض تلك الزيارات في خيام داخل الشوارع، وأقام بعض النواب والسياسيون ولائم كبيرة دعوا إليها الناس في وسيلة جديدة للجذب ولفت الانتباه، واستخدم آخرون مساجد ومضايف شيوخ وزعماء عشائر للاجتماع بالناس.

قد تضطر مفوضية الانتخابات إلى البدء بتطبيق اللوائح التنظيمية للانتخابات

وتعاني مدن شمال العراق وغربه، فضلاً عن مناطق حزام العاصمة بغداد، من دمار واسع وتردٍ في مستوى المعيشة. وما زالت آثار المعارك والدمار الذي خلّفته سنوات القتال ضد تنظيم "داعش" ماثلة، مع تنصّل الحكومات المتعاقبة من وعود الإعمار، أو مساعدة الناس على بدء حياتهم مجدداً، من خلال منحهم تعويضات لبناء منازلهم ومتاجرهم، وسط تراجع كبير في القطاعين الصحي والتعليمي.

وتتركز غالبية تلك الزيارات على القوى السنّية، وسط مخاوف من تكرار ظاهرة استخدام المال العام في الحملات الانتخابية، خصوصاً مع إطلاق عدد من السياسيين وعوداً خدمية مثل تعبيد طرق وبناء مركز صحي وتوفير منظومات مياه للري، وتوظيف في أجهزة أمنية. وخلال أقل من أسبوع، شهدت الموصل ثلاث زيارات سياسية، أحدها لأحمد الجبوري، الذي أقام وليمة غداء ضخمة وسط شارع عام في المدينة، ودعا إليها السكان. وهو ما أثار موجة سخط واسعة لاستغلال أوضاع السكان وجذبهم للمشاركة في زيارته بمثل هذه الأساليب. في المقابل، زار رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الفلوجة والكرمة والرمادي، كما أجرى رئيس حزب "الحل"، جمال الكربولي، زيارة إلى مدينة القائم التابعة لمحافظة الأنبار، وزار رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري محافظة ديالى، والنائب قتيبة الجبوري زار تكريت.

وحول انعكاس هذه الزيارات على الانتخابات، ذكر قاضٍ في المفوضية العليا للانتخابات ببغداد، أن المفوضية قد تضطر إلى البدء في تطبيق اللوائح التنظيمية للانتخابات منذ الآن بحق عدد من الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية، بسبب ما يمكن اعتباره حملات انتخابية مبكرة في مناطق تعاني الحرمان والعوز الشديد. وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه يمكن إدراج الزيارات كإحدى وسائل الدعاية الانتخابية غير القانونية، بسبب وعود الزوّار للأهالي وطلبهم التصويت لصالحهم في الانتخابات.

من جهته، وصف محمد الذيابي، وهو زعيم قبلي في الأنبار، الزيارات، بأنها "استغلال لحاجة الناس"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "محاولة الزوار إيجاد مكان ملائم للاجتماع بالناس وسط هذا الدمار كافٍ ليكون دعاية مضادة لهم، لكنهم ما زالوا يؤملون الناس بالوعود. ووصل الحال إلى أن يقوم أحد السياسيين الذي زار الأنبار أخيراً، بالقسم بالله على كلامه إنه صادق ولن يخذلهم، على الرغم من أنه كرر وعوده هذه في سنوات سابقة".

من جهته، أشار عضو الحزب الشيوعي العراقي، أيهم رشاد، إلى أن "الزيارات السياسية والانتخابية إلى المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش، لا تمثل أي فائدة بالنسبة للمواطنين في تلك المدن، وهي دعاية لا تتعدى حدود الصور والإعلام. وبات العراقيون يسخرون في مواقع التواصل الاجتماعي من هذه الظواهر ولا تتعدى حدود وقت الزيارة، ولا تترك أي آثار إيجابية". وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "بعض السياسيين الذين تعود أصولهم إلى المناطق المحررة يسعون إلى التمظهر بأنهم الذين حرروا هذه المدن، ويتحدثون بلهجة عالية وفوقية لا تتناسب مع الأوضاع الصعبة التي يعيشها أبناء المناطق الأصليون، من تضييق للحريات بسبب انتشار الفصائل المسلحة، وتراجع في الخدمات وسقف الحقوق، وزيادة في البطالة".

جال سياسيون وقيادات من "الحشد الشعبي" على مدن مدمّرة

بدوره، وصف محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي، الزيارات بـ"السلوك الذي لا ينطلي على العراقيين"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "الشارع بات يدرك أن هذه الزيارات انتخابية، ولا تقدّم غير الوعود الكاذبة وعدم وجود أي خدمات حقيقية. وعلى السياسيين أن يتركوا هذه الطريقة ويتجهوا إلى إعمار مدنهم التي خرّبها الإرهاب والفشل السياسي". واعتبر تلك الزيارات دليل على استشعار الإفلاس السياسي.

ولا يقتصر الأمر على السياسيين، إذ سُجلت زيارات مماثلة لقادة أمنيين وزعماء في "الحشد الشعبي"، إلى المناطق المحررة، وإجراء جولات ميدانية بين الأحياء والمناطق السكنية ولقاء المواطنين. وتتبع هذه الطريقة غالبية قادة ألوية "الحشد الشعبي"، وتحديداً في الموصل، وسهل نينوى، وغرب الأنبار، وصلاح الدين، وأخذت أشكال حملات التنظيف ورفع النفايات ومخلفات الحرب وحل مشاكل أمنية مختلفة.

وعن ذلك، قال المحلل عبد الله الركابي، لـ"العربي الجديد"، إن "غالبية الأحزاب والكيانات السياسية والشخصيات العاملة في السلك السياسي لا تمتلك أي مناهج حقيقية لخدمة العراقيين، على الرغم من امتلاكها الموارد المالية الضخمة، من أجل استيراد العقول المفكرة التي تكتب وتضع هذه المناهج. بالتالي، فهي تعتمد على أساليب ترغيب العراقيين بالمناصب والتعيينات والوعود، ومنها توزيع قطع الأراضي وإصلاح الخدمات". ولفت إلى أن "زيارة المناطق المنكوبة من قبل السياسيين أصبحت ظاهرة معمول بها حين يكون السياسي من دون نهج". ورأى أن "الحاشية المقرّبة من السياسيين تخدعهم وتعمل على تضليلهم وإشعارهم بأن الناس الذين خرجوا من منازلهم لرؤية المسؤول يقفون إلى جانبه، ولن يتخلوا عنه في الانتخابات. مع العلم أن معظم الذين يظهرون في صور المسؤولين أثناء زياراتهم السياسية للمناطق المنكوبة المتعبة، مدفوعو الثمن من قبل المقربين من المسؤول نفسه".

المساهمون