العراق: انسحاب "لوكهيد مارتن" الأميركية يحيي مشروع التسليح الروسي

20 مايو 2021
تشغّل الشركة سرب مقاتلات "إف 16" (علي محمد/الأناضول)
+ الخط -

بعد أكثر من أسبوع على إعلان شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية للصناعات العسكرية، والتي تتولى صيانة وتشغيل سرب المقاتلات الحربية العراقية الأميركية الصنع من طراز "إف 16"، عن قرار انسحابها من العراق، إثر تصاعد الهجمات التي تنفذها الفصائل المسلحة الحليفة لإيران ضد قاعدة "بلد" الجوية ضمن محافظة صلاح الدين، شمالي البلاد، بدأت مصادر حكومية في بغداد الحديث عن ضغوط تواجه حكومة مصطفى الكاظمي بشأن التوجه لشراء مقاتلات روسية عوضاً عن الأميركية. وتهدف الضغوط للتخلص مما تصفه القوى الموالية لطهران بـ"دائرة الابتزاز الأميركي للعراق في ملف التسليح، وربطه بالملف السياسي والمعادلة مع إيران". وأكدت المصادر أن موسكو أبدت استعدادها للتعامل مع بغداد في هذا الشأن، وبنظام تسديدٍ مالي مناسب. 

أخلى موظفو الشركة البالغ عددهم نحو 70 موظفاً ومهندساً، مواقعهم فعلياً في قاعدة بلد

ومنذ منتصف شباط/ فبراير الماضي، شهدت قاعدة "بلد" الجوية (100 كيلومتر شمالي بغداد)، سلسلة هجمات صاروخية نفّذتها جماعات مسلحة حليفة لإيران، عادة ما تتبنى هذا النوع من الهجمات بعد ساعات من تنفيذها، عبر منصات تابعة لها على تطبيق "تلغرام" للتواصل الاجتماعي. وأسفرت تلك الهجمات في مجملها، عن إصابة متعاقدين أجانب عدة مع الشركة الأميركية الموجودة في القاعدة، وتتولى عملياً مهمة تشغيل وصيانة مقاتلات "إف 16"، التي تعتبر العمود الفقري لسلاح الجو العراقي، كما أسفرت الاستهدافات عن وقوع خسائر مادية. وفي العاشر من شهر مايو/ أيار الحالي، أعلن مسؤول الاتصالات في "لوكهيد مارتن" جوزيف لاماركا جونيور، في بيان، أنه "بالتنسيق مع الحكومة الأميركية، ومع اعتبار سلامة الموظفين على رأس أولوياتنا، نقوم (لوكهيد مارتن) بنقل فريق إف 16 الذي يتخذ من العراق مقراً له"، من دون الكشف عن عدد الموظفين الذين سيجري سحبهم.

وفي هذا السياق، تحدث مسؤول عراقي في مكتب القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، عن "ضغوط تمارسها قوى سياسية منذ أيام على الحكومة، بشأن التوجه لإبرام تفاهمات سريعة مع روسيا لشراء مقاتلات حديثة منها، ردّاً على استمرار ربط الجانب الأميركي موضوع التسليح العسكري بالملف السياسي في العراق والمعادلة الحالية مع إيران". وأوضح المصدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة العراقية "تعتبر أن تركيز الجماعات المسلحة على قاعدة بلد الجوية عبر استهدافها بالصواريخ، كان هدفه بالأساس هو دفع الشركة الأميركية المشغلة للانسحاب، بما يعزّز الضغوط التي تمارس عليها لشراء طائرات روسية". وبحسب قوله، فإن "عدم اكتمال دورة تدريب الفنيين العراقيين على طائرات إف 16، وانسحاب الشركة، يعنيان بالمحصلة توقف برنامج الطيران لسرب هذا النوع من المقاتلات التي يملكها العراق، بعد أسابيع قليلة".
وتستند القوى السياسية الداعمة للتوجه نحو موسكو في برنامج التسليح العراقي، إلى إقرار موازنة وزارة الدفاع للعام الحالي البالغة نحو 2.8 مليارات دولار، لكن بحسب المسؤول ذاته، فإن حكومة الكاظمي لم تستجب للضغوط، وأبلغت جهات سياسية عدة في تحالف "الفتح" و"دولة القانون" بأن أي خطوة عراقية من هذا القبيل ستؤدي إلى انعكاسات سلبية على البلاد، سياسياً وحتى أمنياً، لجهة الدعم الأميركي الذي يحظى به العراق.
وحتى يوم الثلاثاء الماضي، كانت الحكومة العراقية تواصل التفاوض مع الشركة الأميركية بهدف ثنيها عن قرارها بالمغادرة، لكن مصادر عسكرية من داخل القاعدة الجوية أكدت لـ"العربي الجديد"، أن موظفي "لوكهيد مارتن" في العراق، البالغ عددهم نحو 70 موظفاً ومهندساً، أخلوا مواقعهم فعلياً في قاعدة "بلد"، ويرجح أن قسماً منهم لا يزال موجوداً في قاعدة حرير، شمالي أربيل، في إقليم كردستان العراق.

أبدت موسكو استعدادها للتعامل مع بغداد في ملف التسليح، وبنظام تسديدٍ مالي مناسب 

في السياق، رأى القيادي في تحالف "الفتح"، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كريم عليوي، والذي يعتبر من أبرز الداعين لبرنامج التسليح الروسي، أن "العراق بات بحاجة للتخلص من الطوق الأميركي والابتزاز المستمر والتوجه نحو الروس لتنويع الترسانة العسكرية". وأضاف عليوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لم تبدل تعاملها مع العراق عما كان الوضع عليه في عهد (الرئيس الأميركي السابق) دونالد ترامب، فهي تتعامل بمزاجية عالية وتوجه سياسي مع بغداد، وليس وفق الاتفاقات المبرمة بين الولايات المتحدة والعراق". وأضاف القيادي في تحالف "الفتح"، أن "العراق بدأ يعاني من هذا التعامل، والربط بين الأزمات السياسية والملف التسليحي والعسكري، وخصوصاً خلال فترات التصعيد بين إيران وأميركا، والتي يفترض أن يكون العراق بمنأى عنها". ورأى أن "العراق بات يحتاج اليوم إلى اتجاهات أخرى لتطوير مهاراته الدفاعية والجوية والعسكرية، ومنها الاتجاه نحو روسيا التي تربطنا بها علاقات طيبة، فيما ترفض واشنطن تزويد العراق بمنظومة دفاع جوي متطورة لأسباب معروفة، لها علاقة بالكيان الصهيوني، لذا فإن التوجه نحو روسيا أو الصين هو الخيار الأفضل".
وكان نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي نايف الشمري قد أعلن، في وقتٍ سابق، أن "الحكومة ستتعاقد خلال الأشهر المقبلة لشراء منظومة دفاع جوي، بعد عقد لقاءات عدة مع وزير الدفاع العراقي (جمعة عناد) وقائد الدفاع الجوي (معن السعدي) في هذا الخصوص"، دون أن يذكر الجهة التي ينوي العراق التعاقد معها.
من جهته، أشار النائب العراقي كاطع الركابي، وهو قيادي في تحالف "دولة القانون" الذي يتزعمه نوري المالكي، إلى أن العقد مع شركة "لوكهيد مارتن"، والمبرم مع وزارة الدفاع العراقية، "لا يزال سارياً ولا يمكنها فسخه". وأضاف الركابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القوات العراقية لا تزال بحاجة للشركة الأميركية في مجال صيانة وتشغيل طائرات إف 16، لكن العراق بات اليوم يحتاج أيضاً إلى الجانب الروسي لتعزيز وضعه العسكري". لكنه أكد أنه "حتى الساعة، لا توجد تحركات فعلية على الأرض من قبل الحكومة العراقية تجاه روسيا، على الرغم من التعثر الحاصل أكثر من مرّة في مسألة التسليح والصيانة مع الجانب الأميركي".

الخفاجي: يمكن للشركة أن تعود إلى العراق مع تطور الموقف

وردّاً على تقارير أفادت بتوقف المقاتلات الحربية العراقية عن العمل بسبب انسحاب "لوكهيد مارتن"، أوضح المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، لـ"العربي الجديد"، أن "شركة لوكهيد مارتن كانت تعمل على تدريب طواقم فنية عراقية، فضلاً عن مهمة إعداد الطائرات الحربية العراقية من طراز إف 16، وبالتالي فإن الانسحاب سيكون مؤثراً، خصوصاً أن الشركة الأميركية أكملت المراحل الأولية من تدريب الطواقم العراقية، لتبقى المراحل الثانوية". لكنه جزم بأن "انسحاب الشركة لا يعني خروج طائرات إف 16 من الخدمة". ولفت الخفاجي إلى أن "الشركة الأميركية تمتلك خبرات تقنية وفنية عالية، ومستوى متطوراً من تقديم الخدمات"، مؤكداً استمرار التواصل عبر الاتصالات والدائرة التلفزيونية المشتركة، بين الفنيين العراقيين ونظرائهم الأميركيين. ورأى أنه "يمكن للشركة أن تعود إلى العراق مع تطور الموقف، لأننا نحتاج إلى خبراتها على مستوى المواد الاحتياطية واستكمال التدريب والتسليح".
وتعليقاً على قرار "لوكهيد مارتن"، استبعد الخبير الأمني في العراق سرمد البياتي أن تقوم بغداد في الوقت الحالي بالتعامل مع الجانب الروسي، لأسباب ترتبط بتفاهمات واتفاقات استراتيجية عراقية - أميركية، كما أن العراق يملك سلاحاً غربياً، ليس من السهولة والبساطة الاستغناء عنه واللجوء إلى نوع آخر من الأسلحة". وانتقد البياتي، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، تعامل شركة "لوكهيد مارتن" مع العراق، معتبراً أنها "على الرغم من امتلاكها طرق صيانة وتدريب متقدمة، إلا أن تعاملها جرى بأسلوب مقزّز، فقد طالبت في البداية بضمانات أمنية لمنع استهداف قاعدة بلد التي تحوي موظفيها، وبعدما منحتها السلطات الأمنية هذه الضمانات، فوجئت الحكومة بقرار انسحاب الشركة". وأوضح الخبير الأمني أن "الشركة الأميركية تمكنت من تدريب نحو 520 فنياً عراقياً، وكان يفترض أن يكون عددهم 730، وهي تسعى إلى المباشرة بالتدريب من الصفر لدى عودتها مرّة أخرى إلى قاعدة بلد، وليس لاستكمال العدد"، معتبراً أن هدفها هو "الاستحصال على المزيد من أموال العراق".