في الوقت الذي انخرط فيه الأردن في الأيام الأخيرة بالحراك السياسي حول الملف الفلسطيني، أكان باستقباله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس الأربعاء، أو زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي رام الله الثلاثاء، ولقائه الرئيس محمود عباس، ومواقف الملك عبد الله الثاني حول محورية القضية الفلسطينية، تبقى الكثير من التساؤلات قائمة حول مدى تأثير الدور الأردني في هذا الملف.
وأعاد العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها قطاع غزة، خلال الأسبوعين الماضيين، إظهار تراجع تأثير الدور الأردني الرسمي حيال القضية الفلسطينية بمختلف تشعباتها، على الرغم من أن أي تطور يحصل داخل الأراضي الفلسطينية، يلقي بظلاله مباشرة على الأوضاع في المملكة. ويأتي استمرار تراجع التأثير الأردني، على عكس أطراف إقليمية وعربية أخرى كانت عملت على مراكمة الأوراق اللازمة، لتكون طرفاً أساسياً ومهماً في المساهمة بالتوصل لوقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، واتصالات تثبيت التهدئة، وفرض المعادلة الجديدة التي ترتسم.
لم تستطع عمّان تسجيل نصر شعبي بطرد سفير دولة الاحتلال في المملكة
طوال أيام العدوان، لم يهدأ الحراك في الشارع الأردني تنديداً بالجرائم الإسرائيلية، حتى أن المحتجين توجهوا إلى الحدود بين الأردن والأراضي المحتلة، كما أن التصريحات والاتصالات الرسمية لم تتوقف. لكن على الرغم من ذلك، لم تستطع عمّان أداء دور يساهم في الضغط لوقف العدوان، ولم تستطع الحكومة الأردنية على الجانب الآخر تسجيل نصر شعبي، بطرد سفير دولة الاحتلال في المملكة، أمير فايسبرود، أو استدعاء سفيرها من تل أبيب، غسان المجالي، لا سيما أن الأردن هو الوصيّ على المقدّسات في الأراضي المحتلة، ويشكل موقفه مفصلاً مهماً في تطور القضية.
ويأتي ذلك مع العلم أن العاهل الأردني عبد الله الثاني، أكد يوم الأحد الماضي، على أهمية تكثيف الجهود عربياً ودولياً لترجمة وقف إطلاق النار في غزة إلى هدنة ممتدة، تدفع باتجاه حلّ سياسي يحقق للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، مشدداً على أن المملكة مستمرة ببذل جميع الجهود لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، من منطلق الوصاية عليها. كما بحث نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، الأحد، مع نظيره الفلسطيني رياض المالكي، خلال اجتماعهما في عمّان، الجهود لإطلاق تحرك دولي فاعل لإيجاد أفق حقيقي لإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل على أساس حلّ الدولتين. وأكد الصفدي أن المملكة ستظلّ تكرس كل طاقاتها لحماية القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، مشدداً على أن الوضع القانوني والتاريخي القائم فيها أولوية رئيسة. ويوم الإثنين الماضي، رأى الصفدي أن الوضع الحالي في الأراضي الفلسطينية لا يمكن أن يستمر، محذراً من أن التصعيد يمكن أن ينفجر مرة أخرى، إذا لم تحل جذور الصراع. واعتبر الصفدي خلال لقائه نظيره المصري سامح شكري في عمّان، أن المساس بالقدس، هو أسرع الطرق لتفجير الصراع واستفزاز مشاعر المسلمين، وأن ما تقوم به إسرائيل في حيّ الشيخ جرّاح المقدسي يهدد بانفجار الوضع مجدداً، مضيفاً أنه سيتم بحث التهدئة في غزة وعموم فلسطين مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اليومين المقبلين.
وفي هذا السياق، يرى النائب الأردني السابق، نبيل غيشان، أن ثقل بلاده في الموضوع الفلسطيني تراجع لسبب بسيط جداً، "وذلك عندما أصبحنا لا نتعامل في القضية الفلسطينية إلا مع طرف واحد، وهي السلطة الفلسطينية، بعدما انقطع التعامل مع حركة حماس منذ عام 1999، عند مغادرة قادة المكتب السياسي للحركة عمّان". ويوضح غيشان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحكومات الأردنية المتعاقبة ظلّت تبرر ذلك بقولها إن عمّان "تتعامل مع دولة، أي مع السلطة، ولا نتعامل مع تنظيمات، وهذه مسألة يجب إعادة النظر بها، فحركة حماس اليوم، تشكل رقماً صعباً بالنسبة للقضية الفلسطينية، وعلى الأردن الرسمي التعامل معها".
المشكلة الأبرز تتمثل بقطع عمّان علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية وخصوصاً حماس
ويشرح غيشان أنه رغم الحرب التي تشنها القاهرة على جماعة "الإخوان المسلمين"، والتي تعتبر "حماس" جزءاً منها، فإن مصر لعبت دوراً يخدم مصالحها. ويقول النائب الأردني السابق: "نحن أصحاب الوصاية على المقدسات، والدور الأردني له بعد خاص بحسب اتفاقية السلام"، معتبراً أنه ينبغي "على عمّان إعادة العلاقات مع حماس". ويرى غيشان أن "التحدي الكبير اليوم أمام الأردن، هو ما يحدث في حي الشيخ جرّاح في مدينة القدس، وإذا ما قررت إسرائيل إخلاء سكّانه، فالوصاية لها ثمن، ولها كلفة عالية على الأردن، حكومة وشعباً". ويشدد النائب السابق على ضرورة أن تغير بلاده من سياستها تجاه القضية الفلسطينية، وكذلك تعاملها مع إسرائيل". وفي هذا الصدد، يرى أن التغير "لا يعني إلغاء معاهدة السلام، لكن قيام عمّان بجردة حساب، ماذا ربحت وماذا خسرت، فقيام الدولة الفلسطينية مصلحة أردنية، وفي حال عدم قيامها، فلا قيمة لمعاهدة السلام".
بدوره، يعتبر الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، سعيد ذياب، أن هناك خللاً في الأسس التي تنطلق منها السياسة الخارجية الأردنية، والتي تسعى بشكل مستمر إلى التماهي مع السياسة الأميركية التي تخدم المصالح الإسرائيلية، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذه الرؤية تسببت بفقدان الأردن الكثير من أوراق القوة. ويوضح ذياب أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعتبران فصائل المقاومة الفلسطينية منظمات إرهابية، وبشكل أو بآخر، فإن الخارجية الأردنية تعاملت مع هذا المفهوم كما هو، ما تسبب بنوع من القطيعة مع فصائل المقاومة، وتالياً بعجز الدبلوماسية الأردنية وفقدانها فرصة الاستفادة من التطورات الأخيرة، بسبب القنوات المغلقة.
ويلفت ذياب إلى أنه على الرغم من كل العداء بين السلطات المصرية وجماعة "الإخوان"، إلا أن القنوات بقيت مفتوحة بين القاهرة والمقاومة الفلسطينية، بما فيها حركة "حماس"، ما منح الدبلوماسية المصرية أوراقاً مكّنتها من لعب دور رئيسي.
ذياب: يسعى الأردن إلى التماهي مع السياسة الأميركية التي تخدم إسرائيل
ووفق ذياب، فإن السياسة الخارجية حرمت الأردن من القيام بدور فاعل في الأزمة الأخيرة، معتبراً أن ما تسرب حول اتصال مدير الاستخبارات الأردنية، اللواء أحمد حسني، مع "حماس"، يؤشر إلى أن هناك محاولة لفتح القنوات مع جميع الأطراف الفلسطينية وعدم الارتباط بمسار واحد. ومن وجهة نظره، فإن المنطقة مقبلة على حراك سياسي جديد، حيث من المتوقع أن تشهد تحولات في الموقف الأميركي تجاه القضية الفلسطينية، مشدداً على ضرورة أن تنفتح الدبلوماسية الأردنية على كافة الفصائل الفلسطينية.
من جهته، يرى الكاتب والصحافي الأردني محمد سويدان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن موقف بلاده كان دائماً داعماً للقضية الفلسطينية للارتباط المباشر والاهتمامات المشتركة بين البلدين والشعبين، مضيفاً أن الأردن ينظر للدولة الفلسطينية كمصلحة عليا، وذلك للترابط الجغرافي بين الأردن وفلسطين، وكذلك فقضية اللاجئين هي قضية وطنية أردنية كما هي قضية فلسطينية، وعودة واللاجئين مطلب أردني كما أنها استحقاق فلسطيني، وهناك اهتمام خاص من الأردن بمدينة القدس والمسجد الأقصى نابع من الوصاية الهاشمية على المقدسات. ويوضح سويدان أن الدعم (الأردني) للقضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة، كان يتم بأشكال متعددة، منها السياسي عبر التواصل مع واشنطن، وأحياناً عبر الضغط على إسرائيل وحمل القضية الفلسطينية إلى المحافل الدولية، إضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية والمستشفيات الميدانية ودعم السلطة على كافة الصعد. وفي هذا الصدد، يتابع سويدان أن بلاده قامت بدور سياسي وشعبي جيّد، لكن تمّ استثناؤه في مفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النار لعدم وجود علاقات مع "حماس"، مشيراً في المقابل إلى أن السلطة الفلسطينية التي يتواصل معها الأردن، تعيش وضعاً صعباً على المستويين الداخلي والخارجي، وعلى الأردن التواصل مع القوى التي تملك زمام المبادرة كـ"حماس". ولذلك، فإن المفاوضات المباشرة لوقف إطلاق النار حصلت عن طريق مصر وقطر، فيما لم يكن الأردن حاضراً على الرغم من موقعه الجغرافي، ومن العلاقة مع الشعب الفلسطيني، وذلك لغياب العلاقات مع القوى الفاعلة في غزة وعلى الصعيد الفلسطيني، وبشكل خاص "حماس".
ويعتبر الصحافي الأردني أخيراً أن الموقف الشعبي في بلاده يعبّر عن واقع الحال، فالشعب بكل مكوناته يرى أن القضية الفلسطينية هي قضية جميع المواطنين، لافتاً إلى أن الشابين الأردنيين اللذين اجتازا الحدود من قرية صما شمال البلاد (خليفة العنوز ومصعب الدعجة)، يمثلان النبض الشعبي الأردني. وبرأيه، فإن الحكومة "ساهمت بظهور هذا الموقف الشعبي العام من تظاهرات ومسيرات ووقفات تضامنية مع الأشقاء، وبهذا الحجم، إذ إن لها مصلحة بإيصال الموقف الشعبي، الذي يكشف عن دور الأردن وثقله السياسي، وتوظيف هذا التفاعل كورقة ضغط بيدها لخدمة القضية". إلا أنه يأسف "لأن الحكومة غير قادرة على استثمار الأوراق التي تملكها، فالمساعدات الإنسانية، وكذلك السياسية، للسلطة، غير كافية، وعلى الحكومة استخدام أوراقها كافة، خدمة للقضية المركزية الأردنية، وللحفاظ أيضاً على مصالح الدولة".