العدوان على غزة كتصدير لأزمات نتنياهو الداخلية

04 مارس 2017
المقاومة منعت الاحتلال من تحقيق أهدافه بالعدوان(مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -


انشغلت الصحف الإسرائيلية، على مدار الأسبوع، بتقرير مراقب الدولة الإسرائيلي، حول أسباب الفشل الإسرائيلي في العدوان الأخير على قطاع غزة. وكان الانشغال مصحوباً، حتى قبل نشر التقرير رسمياً، الثلاثاء الماضي، علماً بأن ما نشر منه هو فصلان فقط، بتسريبات متواصلة وبردود فعل دارت كلها وتمحورت حول هوية المنتصر والخاسر من التقرير، على صعيد الحراك الداخلي في الساحة الحزبية الإسرائيلية، لجهة الغمز من قناة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، باعتباره رئيس الحكومة الذي قاد حرباً انتهت وفق أفضل التقديرات الإسرائيلية بنتيجة التعادل.
الصحف الإسرائيلية والمراقبون ورجال السياسة والجيش الذين عقّبوا على التقرير، اهتموا بالدرجة الأولى، كل حسب موقعه ومنصبه، بالتخلص من مسؤولية الفشل الإسرائيلي في تحقيق أهداف العدوان. فقد اعتبر نتنياهو وكذلك وزير الأمن الإسرائيلي خلال العدوان موشيه يعالون وحتى رئيس أركان الجيش خلال العدوان، الجنرال احتياط بني غانتس، أن التقرير ملوث باعتماده رواية زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينت، الذي خرج من التقرير باعتباره المسؤول الإسرائيلي الذي حذر أكثر من غيره من خطر الأنفاق، ورصد قبل غيره الفوضى داخل الكابينت الإسرائيلي.
في المقابل فإن رجال اليسار والوسط في إسرائيل، تعلّقوا بعبارة أن نتنياهو ويعالون لم يبحثا خيارات سياسية أخرى قبل اللجوء للحرب، فيما وجد الجنرال احتياط يوآف غالانت (وزير الإسكان حالياً) في التقرير ضالته لتصفية حساباته مع يعالون ورئيس الأركان الإسرائيلي الحالي، غادي أيزنكوط، لأن الأول لم يسانده للوصول إلى المنصب الذي تولاه في النهاية أيزنكوط، رئيساً لأركان جيش الاحتلال خلال العدوان على غزة.
ولعله من المفيد في هذا المقام تكريس جملة مهمة في التقرير وهي المتعلقة بعدم طرح خيارات سياسية على الكابينت قبل التوجه للعدوان، من قِبل نتنياهو، باعتبارها جملة مفتاحية في فهم أسباب العدوان، خصوصاً أن التقديرات التي عُرضت أمام الكابينت من قِبل شعبة الاستخبارات العسكرية، أفادت بأن حركة "حماس"، حتى بعد قيام حكومة نتنياهو باعتقال محرري صفقة "وفاء الأحرار"، لم تكن تُعد لمواجهة عسكرية في الظروف التي كانت قائمة آنذاك. ويعني هذا أن العدوان، وهو إن لم يكن مخططاً له من قِبل نتنياهو، جاء عملياً لإخراج الأخير من أزماته الداخلية، التي رافقته في ذلك الصيف، خصوصاً بعد اختطاف ومقتل ثلاثة من فتيان المستوطنين في الضفة الغربية، ما عرّض نتنياهو بشكل دائم لمزايدات كل من بينت ووزير الخارجية آنذاك، أفيغدور ليبرمان، ومطالبتهما له بعدم الاكتفاء بعملية "عودة الأخوة" التي نفذها الاحتلال في الضفة الغربية ذلك الصيف وشملت فرض حصار على محافظة الخليل، واعتقال المئات من عناصر "حماس" في الضفة الغربية، بتنسيق مع السلطة الفلسطينية، والدعوات المتكررة من قبل ليبرمان ووزراء اليمين لاحتلال قطاع غزة.
وفي هذا السياق، نقل ناحوم برنيع في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عن قادة عسكريين، أن "الجيش يعتبر أنه لا فائدة من حملة عسكرية، ما كان يجب شنّها، وخلّفت وراءها التهديدات والأخطار نفسها التي كانت قائمة قبل شنها". ونقل برنيع أيضاً عن وزير سابق وصفه بأنه من مخضرمي الكابينت الإسرائيلي ومن مخضرمي الحروب، بأن نتنياهو لم يكن يريد شن حرب، ولا كان يعالون يرغب بإعادة اعتقال محرري صفقة "وفاء الأحرار" لكن نتنياهو خضع بعد اختطاف المستوطنين الثلاثة لضغوط هائلة، وشهدت جلسات الكابينت نوعاً من مراسم الشعوذة و"الفودو" للقيام بعمل ما. هذا ما قاد في النهاية إلى التصعيد، وصولاً إلى شن العدوان للخروج من أزمته في مواجهة هذه الضغوط.
مع ذلك تنبغي الإشارة إلى أن التقرير الإسرائيلي، انطلق من الحرص على الوصول إلى وضع تُستخلص فيه العبر مما حدث في العدوان الذي أطلق عليه الاحتلال "الجرف الصامد"، وصولاً إلى جهوزية إسرائيلية عسكرية تضمن "نجاح" العدوان المقبل وتتفادى أخطاء الماضي. وهذا ما يفسر في نهاية المطاف افتقار التقرير إلى أي إشارة إلى الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة خلال العدوان.


صحيح أن عبارة عدم عرض وطرح حلول سياسية، توفر أو يفترض فيها أن توفر للطرف الفلسطيني، دليلاً آخر على أن العدوان لم يكن له أي مبرر عسكري أو أمني، (لجهة الادعاء بأن إسرائيل تدافع عن مواطنيها)، بدليل تصريح يعالون، أنه لو كانت إسرائيل اتجهت نحو خيار كهذا، لكان بالإمكان ربما تفادي المواجهة العسكرية مع "حماس"، إلا أنه حتى بعد نشر التقرير لم يصدر أي رد أو تصريح فلسطيني لجهة إعادة طرح مسألة جرائم الحرب خلال العدوان المذكور، على الهيئات والمحافل الدولية، وفي مقدمتها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
إضافة إلى ذلك، يتم حتى اليوم، تغييب حقيقة الانتصار الذي حققته المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في قطاع غزة، المتمثل أساساً بمنع الطرف الإسرائيلي من تحقيق أهدافه من العدوان، وبالتفاصيل المختلفة المتعلقة بقدرة المقاومة على إحداث المفاجأة الكبرى للاحتلال واستخباراته، في كل ما يتعلق بحجم وطبيعة شبكة الأنفاق، والقدرة على اختراق خطوط الطرف الإسرائيلي والوصول إلى مشارف المستوطنات الإسرائيلية، مما سبب كسراً للمعنويات الإسرائيلية، وبالأساس كسراً لمناعة المجتمع الإسرائيلي وعقلية وفكرة إمكانية مواصلة حياة طبيعية وروتينية في المستوطنات الحدودية والبلدات الإسرائيلية بالاعتماد على نقل الحرب إلى الأرض الفلسطينية وحصرها فيها. وكانت نتيجة هذا الكسر مظاهر فرار مئات وآلاف الإسرائيليين إلى وسط إسرائيل، واضطرار الجيش والحكومة الإسرائيلية، منذ ذلك الوقت، لرصد ميزانيات خاصة ووضع برامج وخطط شاملة لعمليات نقل السكان في حال اندلاع مواجهة مقبلة.
تبقى نقطة أخيرة، تتصل بترديد الصحف الإسرائيلية، وتقرير مراقب الدولة، مقولة عدم وجود استراتيجية إسرائيلية بشأن غزة، وما تريده حكومة الاحتلال من غزة، وهي مقولة خاطئة لأنها تتجاهل عملياً عقيدة نتنياهو السياسية، والتي تسري على الضفة الغربية كما على قطاع غزة، وتقوم على الإبقاء على الوضع القائم، مهما كان سيئاً (لإسرائيل)، على التقدّم نحو مفاوضات جادة، أو ترتيبات سواء كانت أمنية أو سياسية، يمكن أن يؤدي نجاحها إلى استحقاق الانتقال لترتيبات الوضع الدائم. ولعل هذا ما يفسر الاقتراح الذي طرحه نتنياهو، على وزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب، خلال لقائه بها الأحد الماضي، بشأن إمكانية دراسة فكرة نشر قوات دولية في قطاع غزة، وهي فكرة أكد المراسل السياسي للقناة الثانية، أودي سيغل، أن نتنياهو طرحها فعلاً، على الرغم من سعي الأخير لاحقاً لنفيها. وأشار سيغل في مقالة له في موقع "معاريف هشبواع" إلى أن طرح نتنياهو للفكرة جاء بفعل معرفة نتنياهو أن "حماس" ترفضها وتعارضها كلياً.