العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية: ترجمة لأجندة نتنياهو وتحويلها إلى غزة

28 اغسطس 2024
جنود إسرائيليون يفتشون طفلاً فلسطينياً خلال مداهمة في جنين، 28 أغسطس 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

يسعى نتنياهو وحكومته لتحويل الضفة الغربية إلى غزة

تصريحات الوزراء الإسرائيليين تعيد للأذهان التصريحات قبل حرب غزة

الحرب الحالية على غزة ربما ساهمت في تسريع العدوان على الضفة

يأتي العدوان الإسرائيلي الواسع على الضفة الغربية المحتلة، الموصوف بأنه الأكبر منذ عام 2002، ليترجم على الأرض فصولاً جديدة كتبتها حكومة الاحتلال الحالية وحتى سابقاتها، ومؤسستها الأمنية والعسكرية، حيث يسعى الجميع لتحويل الضفة إلى غزة. لم يغِب عن تصريحات مسؤولين إسرائيليين كبار الحديث عن تكثيف النيران وعملية "إجلاء" للفلسطينيين، فيما تعكس المشاهد القادمة من المخيمات في جنين وطولكرم ومناطق أخرى حجم الدمار الذي يخلّفه جيش الاحتلال.

كذلك يأتي هذا العدوان بعد أيام من تولي آفي بلوت منصب قائد المنطقة الوسطى الجديد في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو الذي شغل سابقاً منصب قائد فرقة الضفة الغربية، حيث قاد العديد من العمليات العسكرية التي استهدفت إحباط عمليات ضد أهداف إسرائيلية وحماية المستوطنات. بلوت كان أيضاً المسؤول عن قيادة العدوان على مخيم جنين تحت مسمى "بيت وحديقة" في عام 2023، كذلك أشرف على العمليات العسكرية في الضفة الغربية خلال الأيام الأولى من الحرب الحالية على قطاع غزة. وفي خطابه الذي ألقاه بعد توليه المنصب قبل نحو عشرة أيام، أشار بلوت إلى أن الحرب متعددة الجبهات كان من الممكن أن تتصاعد في الضفة الغربية، ولكن العمليات الهجومية المكثّفة والجهود الدفاعية الكبيرة حالت دون ذلك.

تصريحات الوزراء الإسرائيليين اليوم تعيد إلى الأذهان التصريحات التي سبقت الحرب على غزة، ما يشير إلى عدوان بلا ضوابط قد يمتد إلى الضفة أيضاً. وزير الزراعة آفي ديختر، عضو المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابنيت)، أشار إلى أن إسرائيل تخوض "حرباً شاملة ضد حماس في غزة، وحرب استنزاف ضد حزب الله في لبنان، بالإضافة إلى حرب ضد الإرهاب في الضفة الغربية". وأوضح ديختر أن الحرب في الضفة تسير بظروف وقدرات مختلفة عن الحربين الأخريين، خصوصاً في منطقة جنين ونابلس والمناطق المحيطة بهما، حيث تعتمد العمليات العسكرية على "معلومات واسعة". وأشار إلى أن هناك ظاهرة جديدة تتمثل بكتائب من عدة منظمات تبنّت أسلوب حماس في غزة، وهدفها "قتل اليهود وإلحاق الأذى بالجيش الإسرائيلي"، محذراً من أنه إذا لم يجرِ التعامل مع هذه الظاهرة في مناطق وجودها، فسيضطرون إلى مواجهتها داخل إسرائيل.

وقال حول الإجلاء: "إذا كان الحفاظ على سلامة جنودنا الذين ينفذون المهمة ضد بني الإرهاب يتطلب إجلاء الناس، فليتم إجلاؤهم. لا نرسلهم إلى الخارج، ولكن نجليهم بحيث يعودون لاحقاً إلى منازلهم وأحيائهم. الهدف هو العمل في منطقة نظيفة من المدنيين قدر الإمكان، ما يتيح التركيز أكثر على المخربين واستخدام نيران أكثر كثافة ودقة. نحن نطبق ذلك في غزة بوتيرة كبيرة، وفي النهاية، الحرب لها قاعدة واحدة مهمة يجب علينا تطبيقها: في الحرب، الدولة تستخدم كل الوسائل المتاحة أمامها، ولا توجد مشكلة في استخدام طائرة F-16 مقابل سلاح بندقية M-16 إذا كان هذا يحقق الهدف ويقلل من خطر إصابة جنودنا. ولذلك، هذه القاعدة تنطبق على غزة وكذلك على نابلس".

في وقت سابق، صرح وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، حول العملية العسكرية في الضفة الغربية المحتلة، قائلاً إن على إسرائيل "إخلاء" الفلسطينيين مؤقتاً والتعامل مع "التهديد" بالطريقة نفسها التي تتبعها إسرائيل في قطاع غزة.

غزة حاضرة في حديث المسؤولين الإسرائيليين عن الضفة، ليس فقط في تصريحات اليوم، ولكن أيضاً عند العودة إلى أشهر مضت وربما أعوام. في يونيو/حزيران الماضي، جدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير دعوته إلى الاستيطان في غزة والضفة، قائلاً: "ملتزمون العودة إلى غزة وشمال السامرة (الضفة الغربية المحتلة)، ملتزمون الاستقرار والاستيطان هناك". وقبل نحو شهرين من ذلك، طالب بتنفيذ مزيد من الاغتيالات التي تستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية.

ربما ساهمت الحرب الحالية على قطاع غزة في تسريع العدوان الجديد على الضفة الغربية، ولكن لا يمكن اعتبار عملية "طوفان الأقصى" السبب الوحيد. الحملات العسكرية على الضفة مستمرة منذ عقود، والضفة مستباحة منذ ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك في عهد الحكومة الحالية والحكومات التي سبقتها. يأتي هذا العدوان في إطار رؤية الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو، الذي قال في يوليو/تموز الماضي بعد بدء العدوان على مخيم جنين عام 2023: "العملية ستستمر طالما تطلب الأمر ذلك. حتى إتمام المهمة، ومن يقتل إسرائيلياً مكانه السجن أو القبر". ورغم التركيز الإعلامي وبعض الأنظمة على المواقف المتشددة المعلنة للوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، فإن العدوان الحالي يندرج ضمن ترجمة فكر الحكومة الحالية بغالبية أقطابها، التي تسعى للسيطرة بالكامل على الضفة الغربية المحتلة وتهجير أهلها.

ينفذ بن غفير وسموتريتش العديد من المخططات في الضفة، من قبيل شرعنة البؤر الاستيطانية والمصادقة على آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة، ودعم المستوطنين الذين يعتدون على الفلسطينيين ويحرقون بيوتهم وممتلكاتهم. هذه الاعتداءات توصف حتى من قبل بعض الأوساط الإسرائيلية بأنها "إرهاب يهودي". بالإضافة إلى ذلك، هناك محاولات لإشعال الأوضاع في القدس من خلال اقتحام المسجد الأقصى من قبل الوزير بن غفير ودعواته الصريحة لبناء كنيس فيه. وتبين لاحقاً أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كان قد صدّق على اقتحام بن غفير للأقصى رغم إنكاره، كما تبيّن من تصديقه على مخطط "سري" لسموتريتش لتغيير الأوضاع في الضفة الغربية وتقسيمها والسيطرة عليها.

أما نتنياهو، فقد سبق أن وصف عمليات عسكرية سابقة في الضفة، مثل "بيت وحديقة" في جنين، بأنها "تغيير المعادلة أمام الإرهاب". ويستمر هذا الفكر اليوم كجزء من مخططات أوسع توافقت عليها هذه الحكومة منذ تشكيلها. خلال فترة ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تحدث نتنياهو عن مشاريع الضم وفرض السيادة في الضفة، وهو ما أشار إليه باحثون إسرائيليون في حينه، منهم في معهد أبحاث الأمن القومي، بأن "إحالة السيادة" صياغة مخففة للضم من الجانب الإسرائيلي للضفة الغربية. هذا الأمر قد يغيّر قواعد اللعبة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما رأى نتنياهو في فترة ترامب، والذي اعتبرها فرصة قد لا تتكرر لتغيير الواقع في ساحة الصراع.

قال في حينه: "حتى اليوم كانت إسرائيل دائماً هي من يجب أن تتنازل، وأن تعطي، وأن تجمّد، وأن تنسحب، والآن يأتي الرئيس ترامب ويقول إن إسرائيل ليست هي التي عليها التنازل، بل الفلسطينيون هم من يجب أن يتنازلوا". وهو نتنياهو نفسه الذي تقود حكومته الحالية تصعيداً في الضفة الغربية، حتى ضد شركائها في السلطة الفلسطينية، التي تواصل التنسيق الأمني مع إسرائيل وتصدت للتظاهرات المناصرة لغزة في بداية الحرب. السلطة الفلسطينية التي تعاني من منع حكومة إسرائيل الحالية للكثير من أموال المقاصة، ويُرفض نتنياهو حكم "فتحستان وحماستان" لقطاع غزة بعد الحرب، ما يعني أنه لا يرى في سلطة أوسلو شريكاً. وعليه، يبحث عن طرق أخرى للسيطرة على الضفة الغربية المحتلة، وهو ما قد يحرك العمليات العسكرية المتكررة، ويواكب الخطوط التي اتفقت عليها مركبات ائتلافه الحالي.

وفي يونيو/حزيران الماضي، اعتبرت ورقة لمعهد أبحاث الأمن القومي أن قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي تمكنت على مدار 56 عاماً من الحفاظ على استقرار نسبي في الضفة الغربية والتعامل مع تعقيدات السيطرة العسكرية على منطقة يوجد فيها إسرائيليون وفلسطينيون. بينما الخطوات التي تسعى لها الحكومة الإسرائيلية الحالية قد تُخلّ بالآليات التي حافظت على الاستقرار. وأشارت الورقة إلى أن التعاون بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي منذ اتفاقية أوسلو أثمر "إنجازات كبيرة" ساعدت في الحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية.

لفهم أعمق لما يحدث في الضفة اليوم، لا بد من الإشارة إلى السياسات التي تنص عليها الاتفاقية الائتلافية لحكومة الاحتلال، التي تسعى لتطبيقها، وقد تؤثر في دور قيادة المنطقة الوسطى في الجيش. من أبرز هذه السياسات، نقل جزء من صلاحيات الجيش على الإدارة المدنية إلى الوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش، وإخضاع حرس الحدود لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ما يمنحهما التحكم في الكثير مما يحدث في الضفة. بالإضافة إلى توسيع الاستيطان من خلال تنظيم البؤر الاستيطانية ومنحها مكانة قانونية، وهذا يرتبط بخطة التعديلات القضائية التي تحاول الحكومة تمريرها، والتي تمنحها قوة لتنفيذ سياساتها من خلال سنّ قوانين وأنظمة لن يكون بالإمكان شطبها من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تغيير الواقع في الضفة الغربية على نحو جوهري، كما تم التخطيط له في السنوات الأخيرة.