فوجئت الأوساط السياسية التركية بإعلان حزب "الرفاه من جديد" الذي يتزعمه فاتح أربكان، رفضه التحالف مع حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في 14 مايو/ أيار المقبل، بعد توقعات بتقارب الأحزاب الإسلامية المحافظة مع بعضها البعض. وفاتح أربكان هو نجل القيادي الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، والذي كان سابقاً معلماً ورفيق درب الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان.
مفترق طرق لـ"العدالة والتنمية"
"العدالة والتنمية" و"التحالف الجمهوري" الحاكم الذي يدخل هذه الانتخابات بوصفها "مفترق طرق"، بحسب تعبير أردوغان، يستهدف أحزاباً صغيرة ذات توجه إسلامي محافظ للتحالف معها والحفاظ على أصوات الكتلة المحافظة الأكبر في البلاد، ولهذا تحالف مع حزب "هدى بارتي" الكردي الإسلامي، وكان يأمل بتحالف مماثل مع "الرفاه من جديد".
وكان "العدالة والتنمية" يستهدف من التحالف مع هذا الحزب تحقيق أكثر من هدف، فقاعدة "الرؤية الوطنية" التي أسسها نجم الدين أربكان تشعر بالإحباط من قيادة حزب "السعادة" التي تحالفت مع قوى اليسار والعلمانيين في "تحالف الشعب" المعارض، الذي رشح زعيم "الشعب الجمهوري" كمال كلجدار أوغلو للرئاسة. وأزعج دعم "السعادة" للأخير الذي ينتمي للطائفة العلوية، قاعدة الحزب. كما أن نجل أربكان يستفيد من اسم والده، ويضع التحالف معه أصوات المترددين من الناخبين في صالح أردوغان.
أعلن فاتح أربكان أن حزبه لن يدخل ضمن أي تحالف آخر، بل سيخوض الانتخابات باسمه وشعاره
لكن الرياح هبت بما لا تشتهيه سفن "العدالة والتنمية"، فأعلن فاتح أربكان، أول من أمس الإثنين، أن "حزبه لن يدخل ضمن أي تحالف آخر، بل سيخوض الانتخابات باسمه وشعاره"، وأنه "قرر ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية عن حزبه". وكانت محاولة التلاقي بين "العدالة والتنمية" و"الرفاه من جديد" قد انطلقت قبل 10 أيام تقريباً بزيارة قام بها بن علي يلدريم، نائب أردوغان في الحزب الحاكم، إلى مقر "الرفاه من جديد"، وتأكيده أنه "لا يوجد موضوع لا يمكن التفاهم به"، فيما أعلن أربكان أن "حزبه سيقدم جوابه لاحقاً".
بعدها انتشرت على وسائل الإعلام جملة مطالب من قبل "الرفاه"، وأغلبها مطالب للأحزاب والكتل الإسلامية في البلاد. وبحسب ما رشح في الإعلام التركي، فإن "الرفاه من جديد" قدّم لائحة من 30 مادة للموافقة على التحالف. وبرز من البنود المطلوبة إلغاء القانون 6284 المتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة وحماية العائلة.
وعلى الرغم من الجدل حول هذه المادة، ودفاع سيدات من "العدالة والتنمية" عن هذا القانون، خصوصاً وزيرة شؤون العائلة دريا يانيق، إلا أن السبب الأساسي للخلاف هو طلب "الرفاه من جديد" 20 نائباً في البرلمان، وهو ما يعادل قرابة 5 في المائة من أصوات الناخبين، لأن المطلوب لتجاوز العتبة البرلمانية ودخول الانتخابات هو 7 في المائة، ما يعني 25 نائباً في البرلمان من إجمالي 600 نائب.
وأكدت قناة "سي إن إن تورك"، أن السبب الأساسي للخلافات هو طلب "الرفاه من جديد" 20 نائباً برلمانياً ليكونوا ضمن قوائم "العدالة والتنمية" ولكن يشاركون باسمهم، فلم يوافق الحزب الحاكم لأن نسب أصوات "الرفاه من جديد" بحسب استطلاعات الرأي لا تتجاوز 2.5 في المائة. وتابعت أن مسألة إلغاء قانون حماية العائلة، يمكن نقاشها وليست السبب الرئيسي لعدم التوافق. ومن المتوقع أن يربك ترشح نجل أربكان للانتخابات الرئاسية المشهد بالنسبة للأحزاب الإسلامية المحافظة، ويخلط الحسابات عند هذه الكتلة الحاسمة في الانتخابات.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أردوغان يحافظ على هذه الكتلة، فيما لا تتجاوز أصوات "الرفاه من جديد" 3 في المائة، ولكن التطورات والمفاجآت في السياسة التركية تبقى قائمة.
الأنظار إلى الكتلة المحافظة
وحول تأثيرات إعلان أربكان الترشح للانتخابات على أصوات "العدالة والتنمية"، قال الصحافي التركي فاتح إيرال، لـ"العربي الجديد"، إن "الكتلة المحافظة هي الأكبر في تركيا وتشكّل قرابة 40 في المائة من الناخبين، وهي بالطبع تفضّل تحالفاً بين رموز وشخصيات الأحزاب الإسلامية".
وأضاف أن "اسم فاتح أربكان مهم ويستمد ذلك من تاريخ ابيه، على الرغم من أن حزب السعادة الذي أسسه القيادي الراحل لا يلبي حالياً تطلعات الرؤية الوطنية، إلا أن الناخبين يبحثون عن أحزاب أقوى قريبة منها"، لافتاً إلى أن "الانتخابات المقبلة هي الاختبار الأول لحزب الرفاه من جديد، وجميع الاحتمالات قائمة".
الانتخابات المقبلة هي الاختبار الأول لحزب الرفاه من جديد، وجميع الاحتمالات قائمة
ورأى إيرال أن "حزب العدالة والتنمية يتريث حالياً لمعرفة مصير التحالفات بشكل نهائي مع انتهاء فترة تسجيل التحالفات بشكل رسمي وبدء الدعاية الانتخابية، ومن أجل ذلك سيستخدم لغة تستقطب مؤيدي الرؤية الوطنية". ولفت إلى أنه "في حال اتجهت الانتخابات إلى جولة ثانية، فإن احتمالات عودة التحالف بين الطرفين ستكون قوية، وعندها ستكون ظروف المفاوضات بينهما مختلفة وسيعرف كل طرف حجمه".
وأكد أن أردوغان "يحاول قدر الإمكان حشد الحلفاء معه، وهو ما يفعله مع وزير المالية السابق محمد شيمشك، القيادي البارز سابقاً في الحزب، وهو خارج العمل السياسي حالياً، إذ استقبله أردوغان في القصر الجمهوري في اليوم الذي أعلن فيه فاتح أربكان رفضه التحالف مع العدالة والتنمية"، لافتاً إلى أن الرئيس التركي "يعمل على خيارات عدة".
أما المحلل السياسي محمد جيرين، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "أنصار الرؤية الوطنية بعد الزعيم الراحل نجم الدين أربكان وجّهوا دعمهم لأردوغان، أما اليوم فمن غير المعلوم بعد حجم الأصوات التي سيحصل عليها زعيم الرفاه من جديد، وهو ما يجب انتظاره في الانتخابات المقبلة، فاستطلاعات الرأي تشير إلى حوالي 3 في المائة من الأصوات".
وأضاف "هذا الأمر كله يبقى نظرياً، ففترة الدعاية الانتخابية ستكون مهمة ليتعرّف الشعب التركي إلى شخصية فاتح أربكان مجدداً، وإذا كان يلبي تطلعات أنصار الرؤية الوطنية فإن أصواته سترتفع في البرلمان".
وعن الانتخابات الرئاسية، لفت إلى أن "الحسابات تختلف لدى جميع الأحزاب، والرئيس أردوغان لديه كاريزما خاصة عند الناخب المحافظ، ولكن من غير المعروف بعد مآلات الانتخابات بعد كارثة الزلازل". وختم بالقول "معروف عن السياسة التركية أن لا شيء مضموناً فيها، ولذلك من المبكر القول إن أربكان سيحصل على أصوات كثيرة أو أن ترشحه لن يؤثر، والأيام المقبلة قد تحمل كثيراً من المفاجآت".