الصومال: فرصة لإنهاء حركة الشباب

18 يناير 2023
جنديان صوماليان في مناورات بمقديشو، مايو الماضي (إرجين إرتورك/الأناضول)
+ الخط -

يواصل الجيش الصومالي تقدمه العسكري نحو ما تبقى من مناطق خاضعة لسيطرة حركة الشباب في الأقاليم الواقعة في وسط البلاد، مع شنّه، برفقة مسلّحي العشائر، حملة عسكرية شرسة قوّضت نفوذ الحركة التي كانت تدير معظم المدن الكبيرة في وسط الصومال منذ نحو 15 عاماً.

ويتعلق الأمر بالمدن المطلة على سواحل المحيط الهندي، التي كانت تمثل بالنسبة لها منفذاً إلى الخارج ورئة تغذي شريانها الاقتصادي، لكن تحرك الجيش الصومالي نحو هذه المدن الساحلية أدى إلى سيطرته على ثلاث منها في إقليمي مدق وجلجدود في أسبوع واحد.

غير أن هذه السيطرة لم تأتِ من دون أثمانٍ، إذ كثفت الحركة في الأيام الماضية من العمليات الانتحارية في محاولة للرد على هزائمها. وفي السياق، أعلن أمس الثلاثاء عن مقتل 11 جندياً، في هجوم تبنّته الحركة على معسكر للجيش في هوادلي، على بعد 60 كيلومتراً شمالي العاصمة مقديشو.

وكشف قائد إحدى المليشيات المحلية، الموالية للجيش، محمد عثمان، أن "الجهاديين فجّروا في البداية مركبة محمّلة بالمتفجّرات ثم هاجموا المعسكر". وأضاف في حديثٍ لوكالة "فرانس برس" أن "11 عنصراً من الجيش، بينهم قائد وحدة عسكرية، قُتلوا، كما قُتل عشرات الإرهابيين".

انتصارات الجيش ستستمر في المدن الساحلية

وأعلن وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور، في تصريح صحافي لوسائل الإعلام المحلية، أمس الثلاثاء، سيطرة الجيش الصومالي على مدينة عيل طيري الساحلية بإقليم جلجدود.

كما شدّد نائب وزير الإعلام الصومالي عبد الرحمن يوسف العدالة، في تدوينة له على موقع "فيسبوك"، على أن "انتصارات الجيش الصومالي ضد حركة الشباب ستستمر، وأن السكان الذين منعهم عناصر الحركة من العيش في مدنهم لأكثر من 15 عاماً، تمكنوا اليوم من العودة إليها".

وأوضح العدالة أن "لسقوط المدن الساحلية بيد الجيش أهمية كبيرة، كونه يحول دون تمكن الحركة لاحقاً من تهريب الأجانب (المهاجرين) والسلاح إلى الداخل الصومالي، فهذه المدن تطل على سواحل المحيط الهندي وتتميز بوجود مرافئ صغيرة محلية فيها. وتستخدم الحركة نفوذها في المدن من أجل تجنيد الأطفال قسراً لصالحها، عبر تحويلهم إلى دروع بشرية".

وأشار العدالة إلى أن "المدن الساحلية كانت تدرّ لحركة الشباب أموالاً باهظة، بسبب تنوّع قبائلها وتميّزها بكثافة سكانية كبيرة، وتنتشر في بعض هذه المدن حقول زراعية، ولهذا كانت الحركة تفرض إتاوات على سكانها، وبالتالي إن فقدانها المدن الساحلية سيصيبها بالشلل الاقتصادي والعسكري".


أنور أحمد: سقوط حررطيري دليل مبكر على أفول نجم الحركة

وحول هذا التطور العسكري، يقول الباحث الصومالي المختص في شؤون الحركات الإسلامية في القرن الأفريقي، أنور أحمد، في حديثٍ مع "العربي الجديد" إن "حررطيري كانت تمثل للحركة مصدراً كبيراً للموارد البشرية حيث تجنّد الأتباع من القبائل، وتجلب الأجانب من مرفأها، كما كانت تمثل مصدراً اقتصادياً كبيراً، بسبب امتلاك المدينة ثروة سمكية وزراعية وحيوانية، وسقوطها دليل مبكر على أفول نجم الحركة الصاعد بوسط البلاد منذ 2010".

ويضيف أحمد: "إذا خسرت الحركة هذه المدينة والمدن الاستراتيجية الأخرى مثل عيل بور وعيل طيري وغلهريري فإنها لن تجد بيئة تحتضنها، على عكس حال المناطق الجنوبية فيما بين النهرين (نهرشبيلي ونهر جوبا) وغابات جوبا".

إمكانية إنهاء نفوذ حركة الشباب

وحول إمكانية انتهاء نفوذ حركة الشباب في وسط البلاد، يرى أحمد أنه "بعد كل عقد ونصف يحدث تطور جذري في أسلوب الحركات الإسلامية، تحديداً الحركات ذات التوجه الثوري والجهادي. وهذا ما شاهدناه في حركة الاتحاد الإسلامي الصومالية ذات التوجه السلفي التي تأسست في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وحملت السلاح بعد انهيار الحكومة الصومالية لإقامة الدولة الإسلامية، لكنها تفككت في أواسط التسعينيات".

أما عن مستقبل حركة الشباب في الصومال كحركة مسلحة ذات ثقل عسكري وميداني، يبدي أحمد اعتقاده بأنه "لا شك أن الاستراتيجية التي استخدمتها الحكومة الآن، وهي تأليب القبائل على الحركة، كانت من أقوى الاستراتيجيات للقضاء أقلّه على القوة التقليدية للحركة، وجعلها حركة ضعيفة تشن حرب عصابات على المدى الطويل، وقد تضعف أو تقوى نظراً لطبيعة الاستعداد العسكري للحكومة الفيدرالية في شنّ هجماتها".

وفي السياق، يقول الصحافي الصومالي خالد علي في حديثٍ مع "العربي الجديد" إن "سقوط المدن الساحلية بيد الجيش الصومالي يُعدّ بمنزلة مكاسب ميدانية وعسكرية جديدة للحكومة الفيدرالية، لأن الحركة خسرت منافذ بحرية ذات أغراض متعددة، وفقدت قنوات الاتصال المباشرة مع فروع تنظيم القاعدة في الخارج، تحديداً في شبه الجزيرة العربية".

ويتوقع علي أن "تواجه الحركة خسائر مالية، ما يقودها إلى نزيف اقتصادي وتوقف تدفق الأسلحة والذخائر التي كانت تتلقاها عبر مسارات التهريب، وتتوقف أيضاً تجارة الفحم والمخدرات التي تدرّ على خزينة الحركة موارد مالية ضخمة، بالإضافة إلى فقدانها الثروة البحرية، التي تتمتع بها المدن الساحلية".

ويرى علي أن "سقوط المدن الساحلية بيد الجيش الصومالي، يعني خسارة حركة الشباب زمام المبادرة لخريطة العمليات العسكرية في البلاد، لأن المناطق الساحلية أكثر عمقاً استراتيجياً من المدن الأخرى، لجهة التموضع العسكري وتسهيل وصول الخدمات إليها".


خالد علي: العشائر والمسيرات التركية والأميركية ساهمت في انسحاب الحركة من مناطق مهمة

وعن أسباب الانسحابات العسكرية المتكررة من قبل مسلحي الحركة، يعتبر علي أن "هناك أسباباً كثيرة، ومنها فاعلية الضربات الجوية عبر المسيّرات التركية والأميركية التي تشارك في القتال، إلى جانب قوة مسلحي العشائر ومعرفتهم العميقة للأوضاع الجغرافية في مناطق الصراع. ويُضاف إلى ذلك عجز حركة الشباب عن توفير إمداد بشري للقتال المباشر على أكثر من جبهة".

ويشير إلى أن "استراتيجية القتال المتبعة من قبل الجيش الصومالي، التي تقضي بعدم التراجع من المناطق التي يتم استعادتها من الحركة بل وإمكانية توفير الخدمات الأساسية وتطبيق النظام وفرض الاستقرار فيها، ساهمت في تراجع الحركة والانسحاب من معظم المدن الرئيسة التي كانت تسيطر عليها طيلة عقد ونصف العقد".

سيناريوهات المعارك المقبلة

ويطرح علي سيناريو سيحدّد مستقبل وجود حركة الشباب في الصومال، يتمحور حول انسحاب الحركة تكتيكياً في المرحلة الأولى، ثم محاولة العودة عبر استغلال الثغرات الأمنية التي قد تحدث أثناء سير العملية، وتوجيه ضربات عسكرية ضد الجيش الصومالي، وبعدها لجوء الحركة إلى أساليب حرب الكر والفر والهجمات الانتحارية التي تستهدف قواعد الجيش والهجمات المفاجئة.

أما بالنسبة للحكومة الفيدرالية فيتوقع علي مواصلة الجيش الصومالي الحفاظ على الانتصارات الميدانية وبسط سيطرته على المديريات الرئيسية، ذات الأهمية الاستراتيجية في الحسابات العسكرية، وهو ما يعني تحقيق انتصار حتمي للحكومة.

ويعزو ذلك إلى أن حركة الشباب لم تعد قادرة على خوض مواجهة مباشرة مفتوحة مع عناصر الجيش والمليشيات العشائرية، بسبب الدعم المحلي والدولي، إضافة إلى إصرار الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود على إنهاء نفوذ الحركة في غضون عام.

وفي هذا الصدد، يبدي علي اعتقاده بأنه لا يوجد بديل استراتيجي لمسلحي الحركة في حال هزيمتهم في وسط الصومال، سوى اللجوء إلى الأدغال والغابات في إقليمي جوبا السفلى والوسطى في ولاية جوبالاند الفيدرالية.

وفي حال مواصلة الدعم للجيش من قبل العشائر لن تكون الحركة قادرة على الصمود، وسينتهي بها المطاف إلى الغرق في انقسامات داخلية، خصوصاً في صفوف الجناح العسكري بسبب التراجع الميداني، ما سيؤدي إلى استسلام عناصرها وإلقاء السلاح وإعادة الاندماج في المجتمع عبر استغلال النسيج الاجتماعي القبلي.

ووفقاً لمراقبين، فإن خسائر حركة الشباب العسكرية المتتالية في وسط البلاد، ستجبرها على اللجوء إلى الأحراج والغابات في جنوب الصومال، كما حصل لمسلحي "المحاكم الإسلامية" في عام 2006، حين غزت القوات الإثيوبية الصومال لمساندة الحكومة الانتقالية. ولاذ مسلحو "المحاكم" إلى المناطق الجنوبية خشية من الضربات العسكرية الجوية والبرية.

ويقول الخبير العسكري المتقاعد، شريف روبو، في حديثٍ مع "العربي الجديد" إن "قوة حركة الشباب تراجعت بفعل الهجمات العسكرية التي يشنّها الجيش، وفقدت السيطرة على أربعة أقاليم كبيرة في ولايتي هرشبيلي وجلمدغ، ويمكن القول إن حركة الشباب فقدت 85 في المائة من سيطرتها على وسط البلاد".

ويشير إلى أن "الخيار العسكري أمام مسلحي الحركة هو اللجوء إلى ولاية جنوب غرب الصومال وولاية جوبالاند، وهما من المناطق الجنوبية ذات الكثافة السكانية والتي تضم غابات كثيفة يمكن الاختباء فيها".