تراجعت نسبة تمثيل المرأة في مجلسي البرلمان الصومالي (الشيوخ والشعب) إلى ما دون العشرين في المائة، إذ فقدت نائبات كثر مقاعدهن، خصوصاً في مجلس الشعب المكوّن من 275 عضواً، بسبب أعراف تقليدية وأخرى سياسية وأمنية حدَّت من مشاركة المرأة في الاستحقاق الانتخابي النيابي.
وحققت المرأة نسبة تمثيل جيدة في مجلس الشيوخ الجديد، بحصولها على 14 مقعداً من أصل 54 مقعداً، بينما في مجلس الشعب فقدت الكثيرات مقاعدهن، إذ كان من المتوقع أن تكون حصة الصوماليات 82 مقعداً من أصل 275 في هذا المجلس، لكن لم تتجاوز حصتهن 44 مقعداً، مع وجود مقاعد نيابية معلّقة في إقليم جدو (جنوب الصومال) في ولاية جوبالاند، وأخرى لا تزال الانتخابات جارية بشأنها في ولاية هرشبيلى الفيدرالية.
حازت النساء 58 مقعداً من إجمالي مقاعد مجلسي البرلمان الـ329
وبالتالي، حازت النساء 58 مقعداً من إجمالي مقاعد المجلسين الـ329، بنسبة تتجاوز 17 في المائة، لتفشل المرأة الصومالية بالوصول إلى نسبة 30 في المائة المرجوة في مقاعد المجلسين، وتتراجع عما كانت عليه في البرلمان السابق بواقع 78 مقعداً.
وشهدت الصومال منذ عام 2020 حملات نسوية وأخرى من المجتمع الدولي وجهود مستمرة من الحكومة الفيدرالية، من أجل رفع حصة المرأة في البرلمان إلى نحو 30 في المائة. وأقرَّ البرلمان قانوناً لحماية كوتا المرأة في المجلس التشريعي في يونيو/حزيران 2020.
إلا أن تلك الجهود لم تحقق أهدافها، بل مُنيت الصوماليات بخيبة أمل جديدة، بعد أن فقدن مقاعد كانت بحوزتهن، ما يعكس تفاوت الفرص بين الجنسين في الحياة السياسية في عموم البلاد. ولم تحرز المرأة في الانتخابات النيابية التي جرت في أرض الصومال (صومالاند)، منتصف العام الماضي أي مقعد في البرلمان.
أسباب تراجع حصة المرأة في البرلمان الصومالي
في السياق، تقول منى أحلا، رئيسة مكتب السياسة والجندر في بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتمس) والمرشحة السابقة لعضوية البرلمان المحلي، إن هناك أسباباً عدة وراء تراجع حصة المرأة في مقاعد البرلمان، منها التأجيل المتكرر للانتخابات النيابية، ما أدى إلى عدم الاهتمام بالحفاظ على حصة المرأة.
وتضيف أحلا، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "رجال القبائل لا يرغبون بجلوس المرأة على مقاعد العشيرة في البرلمان، هذا بالإضافة إلى غياب التمويل الكافي للمرشحات، فضلاً عن عدم وجود حماية أمنية كافية للراغبات في الدخول إلى البرلمان"، مشيرةً إلى أن "هذه هي الأسباب التي حدَّت من مشاركة المرأة بكثافة في انتخابات البرلمان الحالي".
وتلفت أحلا إلى أن "رجال القبائل هم العقبة الأولى بوجه تحقيق طموحات المرشحات، إذ يعتقدون أن السياسة حمل ثقيل لا تستطيع المرأة حمله، ووكر لا تستطيع اقتحامه، في حين يستطيع الرجل فقط تمثيل القبيلة سياسياً في المجالس التشريعية والتنفيذية للدولة".
وعلى الرغم من الحملة الانتخابية التي قادتها أحلا في العاصمة مقديشو وفي مسقط رأسها في مدينة بلدوين وسط الصومال، أواخر العام الماضي، إلا أنها لم تستطع في النهاية مواصلة جهودها للظفر بمقعد عشيرتها في البرلمان.
منى أحلا: رجال القبائل هم العقبة الأولى بوجه تحقيق طموحات المرشحات
وبشأن الأسباب التي حالت دون مضيها بالمشاركة في السباق الانتخابي النيابي، تقول أحلا إن مقعد عشيرتها كانت تمثله نائبة أخرى في البرلمان سابقاً، لكن في السباق الانتخابي النيابي الأخير كانت هناك عقبات كثيرة، خصوصاً التهديدات الأمنية.
وتضيف: "تلقيت رسائل تهديد من جهات مختلفة، وحدث في مقر انتخاب مقعدي في مدينة بلدوين تفجير انتحاري أودى بحياة نحو 12 شخصاً من أبناء أعمامي، إلى جانب النائبة آمنة محمد عبدي التي توفيت في هذا التفجير، والتي تنحدر من نفس عشيرتي".
وتتابع: "هذا ما قوّض من إمكانية تمثيلي لقبيلتي في البرلمان، نظراً لهول التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجهها العشيرة مقارنة بالقبائل الأخرى التي ترشح الرجال، ما ساهم أيضاً بزيادة مبررات رجال العشيرة في رفض تمثيلي للقبيلة في البرلمان".
وترى أحلا أن نسبة تمثيل المرأة حالياً في غرفتي البرلمان "لا تعكس مدى رغبة الصوماليات في مزاحمة الرجال في المجال السياسي، إذ لا تزال المرأة شبه غائبة عن المناصب السيادية، ولا تحظى بدور أكبر للمشاركة في توجيه بوصلة البلاد وتقرير مصيرها سياسياً وأمنياً، نتيجة للعقبات التي تحيط بها في المشهد الصومالي، خصوصاً النائبات الجدد اللواتي لا يعرفن عن قرب واقع البلاد والتحديات التي تواجهها، لأن معظمهن أتين حديثاً من الخارج، وتم تنصيبهن والزج بهن لأسباب سياسية من قبل جهات نافذة في الانتخابات النيابية التي شهدتها البلاد".
غياب التشريعات التي تحمي حصة المرأة الصومالية بالبرلمان
من جهتها، تقول النائبة في مجلس الشيوخ زمزم طاهر، التي تمكنت من الاحتفاظ بمقعدها في المجلس، إن تراجع نسبة تمثيل المرأة في البرلمان "يعود إلى عدم وجود بند في الدستور المؤقت يقرر حصة المرأة في مجلسي البرلمان".
وتشير طاهر في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "غياب التشريعات والقوانين التي تحمي حصة المرأة والتي يمكن أن تشكل مخرجاً وحلاً لضمان تمثيل أكبر للمرأة مستقبلاً في البرلمان بغرفتيه".
زمزم طاهر: تراجع نسبة تمثيل المرأة في البرلمان يعود لعدم وجود تشريعات تقرر حصة المرأة
وتضيف: "من دون وجود تلك التشريعات تبقى المرأة ضعيفة سياسياً من حيث مشاركتها وتمثيلها في الحياة السياسية في البلاد".
وتلفت طاهر إلى أن "غياب هامش حرية سياسية كبير للمرأة في الحياة السياسية في البلاد، إلى جانب الأعراف الاجتماعية السائدة والتي تناهض انخراط المرأة في السياسة، كلها عقبات وتحديات تعوق مشاركة المرأة وتمثيلها في مجلسي البرلمان الفيدرالي".
حضور نسائي في انتخاب رئاسة مجلسي البرلمان
إلى ذلك، شهدت عملية انتخاب رئاسة مجلسي البرلمان حضوراً نسائياً، إذ ترشحت النائبة في مجلس الشيوخ سريدو جيتي، لمنصب النائب الثاني لرئيس المجلس، لكنها خسرت في الجولة الأولى من التصويت.
كما ترشحت النائبة في مجلس الشعب سعدية ياسين سمتر، لمنصب النائب الأول لرئيس مجلس الشعب، وحققت نسبة أصوات كبيرة في الجولة الأولى من التصويت، مكّنتها من الفوز في الجولة الثانية بهذا المنصب، بعد أن حصلت على 134 صوتاً.
وهذه المرة الأولى التي تفوز فيها صومالية بمنصب النائب الأول لرئيس مجلس الشعب في التاريخ السياسي الحديث للصومال، وهو ما يعني، وفق مراقبين، أن هامش الحرية السياسية لدى الإناث يتسع عاماً بعد الآخر، على الرغم من القيود الاجتماعية والتحديات الأمنية، التي تكبل طموح المرأة الصومالية لناحية الانخراط في الحياة السياسية ولعب دور أكبر، بدل تقييد أدوارها في مهام منزلية لا تعبر عن رغبة سياسيات كُثر في مزاحمة الرجال بالسياسة والاقتصاد.