لا يبعد المكان الذي نفّذ فيه الشهيد محمد كامل الجعبري (35 عاماً)، وهو مدرس للتربية الإسلامية، عملية الخليل، سوى نحو كيلومترين اثنين عن منزله، حيث كان شاهدًا على الكثير من اعتداءات المستوطنين تجاه الفلسطينيين، وهو ما جعله يختار هذا المكان ليردّ على هذه الاعتداءات.
ونفّذ الجعبري عملية إطلاق نار مساء السبت، بالقرب من مستوطنة "كريات أربع" المقامة على أراضي مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وقتل فيها مستوطن وأصيب 3، بينهم المستوطن المتطرف عوفر أوحانا.
ويقطن محمد الجعبري في منطقة قيزون شرق الخليل، والتي تتعرض لاعتداءات من الاحتلال والمستوطنين كباقي المناطق الفلسطينية، لكن قربها من مستوطنة "حارسينا"، التي تبعد عنها بضع مئات من الأمتار، أعطاها خصوصية، ليكون لها نصيب أكبر من الاعتداءات، وفق ما يؤكده ساري الجعبري، ابن عم الشهيد لـ"العربي الجديد".
محمد متزوج وله من الأطفال ولد وابنتان، كان يعمل مدرسًا لمادة التربية الإسلامية في مدرسة جواد الهشلمون الأساسية بمدينة الخليل، وقد نعته وزارة التربية والتعليم الفلسطينية؛ كأحد طواقمها التدريسية، وكان معلمًا محبوبًا لكل من عرفه.
ويصفه ابن عمه بالقول: "كان محمد خلوقاً محترماً، يحبه كل الناس ويشهدون له، كامل في أخلاقه ومعاملته وتدريسه، من أفضل الناس، وخيرة شباب عائلة الجعبري، ومن المتواجدين بشكل دائم في اجتماعات العائلة، ومن المواظبين على صلاتهم في المسجد".
ظهر محمد الجعبري في مقطع فيديو وثقته كاميرات المراقبة خلال تنفيذ العملية وهو يرتدي عباءة ويحمل بندقية M16، صلبًا وثابتًا خلال إطلاقه النار تجاه قوات الاحتلال والمستوطنين، إلى أن دهسته مركبة للاحتلال، وأطلق عليه عنصر آخر من قوات الاحتلال النار، ما أدى لاستشهاده ثم احتجاز جثمانه.
ولاقت العملية التي نفذها الجعبري، تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي في الساحة الفلسطينية، لما شكلته من دخول الخليل على خط المواجهة المتواصلة منذ أشهر، والتي تصاعدت خلالها المقاومة المسلحة، لا سيما في جنين ونابلس شمال الضفة الغربية.
عائلة تحمل تاريخًا نضاليًا
ورغم أن الشهيد محمد الجعبري لم يكن قد اعتقل سابقاً في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كما أكد ابن عمه، إلا أن عمليته الجريئة لم تكن غريبة على الجو العائلي الذي عاش فيه، إذ إن لمحمد أشقاء عرفوا في ساحة النضال، كشقيقه وائل الذي يكبره بعشر سنوات، وقد أبعد إلى قطاع غزة عام 2011؛ ضمن صفقة تبادل الأسرى (وفاء الأحرار) كما أطلقت عليها حركة "حماس"؛ وأفرج بموجبها عن 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل الجندي جلعاد شاليط.
وكان وائل قد اعتقل في الأشهر الأولى لانتفاضة الأقصى الثانية، في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2000، وحكم عليه بالسجن المؤبد، بتهمة قتل جنديين إسرائيليين عند شارع استيطاني قرب المدينة. بينما شقيقه الأكبر نبيل، والذي يعمل في جهاز المخابرات العامة في السلطة الفلسطينية، فقد اعتقله الاحتلال عدة مرات، كان آخرها الليلة الماضية، بعد تنفيذ محمد عمليته في مستوطنة "كريات أربع".
يقول ابن عمه، ساري الجعبري: "إن محمدا نشأ في عائلة تشبه معظم العائلات الفلسطينية، ضمن تنوع فصائلي، حيث إن شقيقيه نبيل ووائل عملا في صفوف حركتي (فتح) و(حماس)".
"حماس" تنعى الشهيد الجعبري والفصائل تشيد بعمليته
وزفت "حركة حماس" في بيان، الشهيد الجعبري قائلة: "بكل تعابير البطولة والفداء، نزفّ إلى شعبنا الفلسطيني، بطل الخليل وصنديدها المغوار، شهيدنا المجاهد الأستاذ محمد كامل الجعبري، الذي ارتقى بعد تنفيذه عملية بطولية قرب مستوطنة (كريات أربع) في مدينة الخليل".
واعتبرت الحركة أن عملية إطلاق النار التي قام بها الجعبري على رأس غلاة المستوطنين تؤكّد أن المقاومة هي الردّ العملي والطبيعي على تدنيس المسجد الأقصى المبارك والمسجد الإبراهيمي الشريف.
ونعت فصائل فلسطينية عديدة الشهيد الجعبري، مشيدة بعمليته، كونها استهدفت أحد المستوطنين المتطرفين، عوفر أوحانا، المعروف باعتداءاته المتكررة على أهالي الخليل، وخاصة في البلدة القديمة.
وعقب العملية التي نفذها الجعبري، أغلقت قوات الاحتلال الطريق المؤدية إلى منزل عائلته بالسواتر الترابية بعد اقتحامه مرتين منذ الليلة الماضية، ودهمت بيت عزائه، لتضطر العائلة إلى إقامة بيت عزاء لابنها محمد في مقر رابطة الجامعيين في الخليل، ابتداء من الرابعة من عصر اليوم الأحد.