الشعوب والدبابة... غرام بالقوة؟

06 سبتمبر 2023
جنود نيجريون في نيامي، 3 سبتمبر الحالي (فرانس برس)
+ الخط -

للحكيم السياسي الجزائري عبد الحميد مهري، مقولة شهيرة، قالها في أعقاب تدخل الجيش لتوقيف المسار الانتخابي في الجزائر: "الشعب يرتاح لمنظر الدبابة في الشارع"، كمظهر من مظاهر القوة. كان الحكيم يحاول أن يفسر لماذا تبدو قابلية الشعوب، في أفريقيا خصوصاً، سلسة للانقلابات وتدخلات الجيش.

كل الانقلابات العسكرية التي حدثت في أفريقيا وفي دول الساحل، بما فيها التي تبدو مستقرة نسبياً كالنيجر وموريتانيا، على مدار العقود الماضية، كانت تتخذ من الإنقاذ الوطني ووقف الفساد والإصلاح، عنواناً لتحركها نحو الاستيلاء على السلطة بالقوة. لكنها كانت تعيد في الواقع إنتاج نفس مظاهر الفساد في الحكم وإخفاقات التنمية، والعجز عن توظيف المقدرات والتلاعب بالمصالح الوطنية ورهنها للفاعل الأجنبي.

هناك فساد سياسي طاغٍ في منظومات الحكم في أفريقيا، تفسره أسباب تاريخية وعوامل متعددة داخلية وخارجية، عجزت بسببها "دولة الاستقلال"، و"الدولة الوطنية" المشبعة بالمعنى التحرري، في العبور ببلدان القارة إلى مرحلة استقلال وطني وتركيز للمؤسسات الراسخة والتداول السلس على السلطة، وتعاضدت كل تلك العوامل ضد الشعوب ومستقبلها.

لكنْ هناك فساد أكبر داخل الجيوش الأفريقية التي تقود الانقلابات عادة، وكان هذا الفساد متعدد الأوجه، يغطي دائماً على الإخفاق السياسي والنهب المادي، وكان مسلكاً لرشوة الجسم العسكري من أبسط رتبه إلى أعلاها. دائما كانت الجيوش شريكاً مركزياً في الحكم وفي الفساد وفي إدامة عوامل الفشل، ولذلك من الصعب الاقتناع اليوم أن هذه العسكريتارية التي تستولي على الحكم، يحفزها فقط الدافع الوطني لإنقاذ بلدانهم.

تكشف دراسة وتحليل المحطات السياسية الكبرى لأغلب دول القارة، عن تحكم الدول المهيمنة في إنتاج النخب الحاكمة في أفريقيا، لكنها تحكمت بشكل أكبر في إنتاج النخب العسكرية التي تلعب دور المساعد في حماية مصالحها. وحرصت على تمركزها في المواقع التي تمكنها من توظيفها لكسر أي شكل من أشكال المقاومة وبروز نزعات وطنية، ولهذا يكون من السذاجة الاعتقاد في المطلق، أن الواجهات العسكرية التي تنفذ الانقلابات، قادرة فعلاً على وضع بلدانها في المسارات الصحيحة.

أظهرت تجربة حكم العسكريين في ظروف مختلفة في أفريقيا، كما في مناطق شتى من العالم، أنها تجربة حكم رديئة وغير منتجة، تولد عنها مزيد من الفقر والتناحر، وتتولد عنها انقلابات أخرى للأسباب نفسها، والانقلاب على الانقلاب في مالي في غضون تسعة أشهر بين أغسطس/ آب 2020 ومايو/ أيار 2021 دليل على ذلك، بغض النظر عن العناوين المرتبطة بالفكاك من قيود الكولونيالية. ناهيك عن سؤال ما إذا كانت هذه العسكريات تملك فعلاً أجوبة لأسئلة التنمية واستحقاقات الاقتصاد وتصورات لمشروع "أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".

إذا كانت الشعوب في أفريقيا ترتاح لمظهر الدبابة في الشارع، فذلك لأنها لم تعرف بالأساس مصدراً آخر للقوة، كديمقراطية المؤسسات والتعليم والعدالة. وحين تجرب هذه الشعوب مصادر قوة أخرى، فإن المدرسة ستكون أجدى بكثير من الدبابة.

المساهمون