تعيش السويد واقعاً صعباً على مستويات متداخلة. أحرجتها حيرة طبقة سياسية تقليدية في مواجهة تحديات العنف المستشري في شوارعها، ونشوء "مجتمع الصحوة"، المتذمر من سياسات الهجرة و"استغلال سذاجة السويد"، كما يسميه جيل لم يعش مرحلة التضامن الدولي، التي رفع لواءها رئيس الحكومة الراحل اغتيالاً في العام 1986 أولف بالمه.
مشكلة سياسات السويد، التي احتضن مجتمعها منذ ستينيات القرن الماضي وسبعينياته عشرات آلاف العمالة المهاجرة، ليس أن نموذجها يعاني فقط مع الباحثين عن "استعراض إعلامي" باستهداف القرآن، كنوع من "الاستفزاز"، كما يطلق عليه ساسة البلد، بل مع نشوء تحوّلات كبيرة، من ضمنها أدوات صراع مع تركيا والمجر لحسم عضويتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو).
جيل "الصحوة" يتحوّل في السياسة إلى الأفكار القومية المتشددة، وإلى استدعاء أعمال عنف، مع تزايد مؤشرات تحوّل السويد إلى نموذج مريض في أوروبا على مستوى علاقة "الأقلية" بـ"الأغلبية". وحتى أمس الخميس لم يتوقف حصد الأرواح برصاص اقتتال أفراد عصابات مخدرات في تنافسها على أسواق ضواحي مختلف المدن، بما فيها التي تقطنها أغلبية من "المهاجرين/اللاجئين".
البلد المضياف سابقاً، وصاحب جائزة نوبل، يُقتل فيه سنوياً العشرات، بالإضافة إلى جرح المئات ممن لا علاقة لهم بصراع "العالم السفلي". وبمتوسط سنوي بأكثر من 63 قتيلاً، تتضح صورة الانفلات المقلق للمجتمع، حيث تتعالى أصوات التذمر من "التعددية الثقافية"، التي سادت سياسات وقرارات استوكهولم لعقود، وبما يقدّم أفضل خدمة لليمين المتطرف والحركات الفاشية الداعية للعنف القاتل ضد الأقليات.
على مستوى السياسة، تُتهم الطبقة السياسية (بغض النظر عن لونها الحزبي) بأنها لا تملك الجرأة على تفكيك العصابات، أو السير نحو ما تبنّته كوبنهاغن وغيرها، لتفكيك بقاء مناطق سكانية هامشية تخلق مجتمعات موازية.
في كل الأحوال، "سقف الحريات" في السويد يواجه اليوم اتهامات خطيرة من أطراف في المجتمع، (بينها مهاجرة ولاجئة)، لم تعد ترق لها رؤية ارتباك استخدام "حرية التعبير" كمبرر لقصص حرق نسخ من المصحف. في المقابل، ثمة من يرى أن البلد "يجري تغيير تركيبته العرقية"، استناداً إلى نظرية المؤامرة، التي بالتأكيد لها سوقها محلياً. ذلك، وغيره كثير، يأتي في سياق تداخل عوامل سياسات كبرى تتنازع على موقع السويد وافتكاكه من حيادية 200 سنة ماضية.