السفير الأميركي يستطلع شمالي سيناء سراً: المياه والأمن

27 يونيو 2021
نسق الجيش مباشرة لزيارة كوهين لسيناء (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

بشكل صريح أعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "USAID/Egypt" ضمانها وصول مياه الشرب إلى 450 ألف مصري هم سكان محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، من خلال محطة تحلية مياه البحر الممولة من الوكالة. ورغم أنه جرى افتتاحها العام الماضي، إلا أن السفير الأميركي في القاهرة جوناثان كوهين، ومديرة الوكالة الأميركية في مصر بالإنابة مارغريت سانشو زارا المحطة الكائنة في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء سراً الأسبوع الماضي، فيما أعلن عنها أول من أمس الجمعة، بحضور محافظ شمال سيناء اللواء محمد عبد الفضيل شوشة، وقد شربوا معاً من مياه البحر التي تمت تحليتها مباشرة من الصنبور.
وفي التفاصيل، قال مصدر حكومي مسؤول في شمال سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن الزيارة أُحيطت بالكثير من السرية، وتمت بتنسيق ومتابعة مباشرة من قوات الجيش المصري، ولم يدعَ إلى اللقاء غالبية المسؤولين الحكوميين والموظفين المختصين، إذ اقتصر الحضور على قادة بالجيش الثاني الميداني، ومحافظ شمال سيناء، وبعض المسؤولين البارزين. وأوضح أنه تم الطلب من المحافظ والمسؤولين الحاضرين عدم الإدلاء بأي تصريحات حول الزيارة، حتى صدور قرار يلغي الحظر، وهذا ما أدى إلى عدم تسرب أي معلومة إلى الإعلام حولها طيلة الأيام الماضية. وأشار إلى أن الزيارة تركزت على تفقد محطة تحلية المياه، بصفتها أبرز مشاريع المنحة الأميركية في شمال سيناء، وتهدف إلى حل أزمة المياه في المحافظة بشكل كامل، بالإضافة إلى تفقد الأوضاع الأمنية في مدينة العريش، والاطلاع على آخر تطورات الموقف الأمني فيها، خصوصاً في ظل المساعدات العسكرية الأميركية للجيش المصري، لا سيما بعض الآليات المدرعة التي تستخدم في مواجهة تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش".

المشاريع الأميركية لا تتم بالتنسيق مع محافظة شمال سيناء، وإنما مع الجيش المصري

وأضاف المصدر أن السفارة الأميركية، ومعها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تنسق مع الجيش المصري لإنهاء أزمة مياه الشرب والصرف الصحي في شمال سيناء بشكل كامل في غضون أقرب وقت، من خلال محطة تحلية المياه، وحفر آبار عميقة وبعض الدعم اللوجيستي الذي يضمن وصول المياه إلى كل قرى ومدن شمال ووسط سيناء خلال الفترة المقبلة. وأشار إلى أن هذا النشاط الأميركي في شمال سيناء ليس جديداً، وإنما هناك اهتمام بهذا النشاط من قبل السفارة، بهدف إنجاز المشاريع المتفق عليها مسبقاً، وتحقيق الأهداف المرجوة منها، وكلها تتعلق بالبنى التحتية للمياه على وجه التحديد، رغم أن شمال سيناء تحتاج إلى الاهتمام في ملفات أخرى متعددة. وكشف أن المشاريع الأميركية لا تتم بالتنسيق مع محافظة شمال سيناء، وإنما مع الجيش المصري، والشركة القابضة للمياه والصرف الصحي، في ظل أن أي عمل دولي في شمال سيناء يخضع لموافقة ورقابة قوات الجيش، إذ إن المحافظة منطقة عسكرية مغلقة.
وبحسب ما جاء على صفحة الوكالة الأميركية، فإنه تم افتتاح محطة تحلية مياه البحر بالعريش في عام 2020، وهي واحدة من مشاريع البنية التحتية العملاقة للمياه التي دعمتها "مبادرة شمال سيناء" التابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية بمنحة قيمتها 50 مليون دولار، بالشراكة مع الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، بما يضمن حصول جميع سكان المنطقة، والبالغ عددهم 450 ألف نسمة، على المياه النظيفة. وقالت السفارة الأميركية، في بيان على صفحتها في "فيسبوك"، إن كوهين قام بزيارة مدينة العريش بشمال سيناء الأسبوع الماضي، حيث التقى المحافظ، وقام بجولة في محطة لتحلية مياه البحر تمولها الحكومة الأميركية، وناقش بعض القضايا الأمنية مع قائد الجيش الميداني الثاني في مصر. وقد زار كوهين منشأة تحلية المياه الرئيسية في العريش، والتي تزود 126 ألف نسمة بمياه الشرب.

وأشار بيان السفارة إلى أن الولايات المتحدة قامت بحفر 14 بئراً عميقة، وست محطات لتحلية المياه الجوفية، وأربعة خزانات للمياه، وشراء 50 شاحنة لتوزيع المياه، إلى جانب بناء محطة تحلية مياه البحر. وأوضح أن السفير وسانشو أخذا عينات من مياه البحر المحلاة مباشرة من الصنبور، كما التقى كوهين بممثلي الجيش الميداني الثاني، حيث استمع إلى شرح للوضع الأمني في شمال سيناء، وأهمية التنمية الاقتصادية في مكافحة الإرهاب، واطلع أيضاً على مركبات الحماية من الكمائن المقاومة للألغام التي قدمتها الولايات المتحدة للجيش. وقال كوهين، بحسب البيان، إن "الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة مصر على تحقيق السلام والاستقرار في شمال سيناء. ويسعدني أن أرى استثماراتنا البارزة في التنمية والأمن تساهم في رفاهية سكان شمال سيناء".
ولطالما تحدثت الدولة المصرية، ممثلة برئيسها عبد الفتاح السيسي، عن تنمية سيناء، من خلال مشاريع كبرى تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية في المحافظة. إلا أن هذه المشاريع بقيت حبيسة التصريحات الإعلامية، فيما لم يشعر بها المواطن السيناوي، في ظل استمرار سوء الأوضاع المعيشية والبنى التحتية، كالكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات، منذ عقود، والتي ازدادت سوءاً منذ أحداث 2013، إذ أدّت الحرب الدائرة في شمال سيناء بين "داعش" والجيش المصري إلى تدمير عشرات المؤسسات والمنشآت الحيوية، بالإضافة إلى تدمير الطرق وشبكات الكهرباء والاتصالات، ما أدى إلى رداءة الخدمة المقدمة للمواطنين. وبرغم الإعلان عن المشروع الأميركي، إلا أن المياه لا تزال تصل إلى المواطنين بنظام الجدول غير المنتظم، برغم أن مدينة رفح تم مسحها بشكل كامل من قبل الجيش، ومدينة الشيخ زويد باتت بنصف عدد سكانها.

لا تزال المياه، بالرغم من المشروع، تصل إلى المواطنين بنظام الجدول غير المنتظم
 

وكان "العربي الجديد" قد كشف، في تقرير نشر في إبريل/ نيسان الماضي، عن حالة من السرية والتكتم الشديد على أحد أضخم مشاريع مد خطوط المياه في شبه جزيرة سيناء المصرية، ما أخاف المصريين عموماً، في مقابل تضاعفها بين أبناء بوابة البلاد الشرقية المتاخمة للحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، في توقيت يصعب فصله عن سيناريوهات البحث عن حل لأزمة سد النهضة الإثيوبي. ويعمل فريق هندسي، بمشاركة عشرات العمال والآليات الثقيلة، على مدار الساعة، في شق الطريق أمام خطوط مياه عملاقة في شبه جزيرة سيناء، فيما لم يعلن رسمياً عن ماهية هذه المشاريع، أو وجهتها، خصوصاً في ظل الحديث عن نقل مياه النيل إلى الأراضي المحتلة عبر ترعة السلام وسحارة سرابيوم من خلال ستة أنفاق أسفل قناة السويس، كجزء من حل قضية سد النهضة الذي فشل النظام المصري في معالجته مع إثيوبيا طيلة السنوات الماضية. وتستطيع هذه المنظومة نقل ربع مليون متر مكعب من المياه من ترعة الإسماعيلية، إحدى الترع الرئيسية لنهر النيل، في اتجاه الضفة الشرقية لقناة السويس، حيث شبه جزيرة سيناء المحاذية لصحراء النقب، التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تنميتها، وهي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.
وينخرط في هذا المشروع عشرات المهندسين مع آليات ثقيلة، بحماية الجيش المصري، كون الشركة المتعهّدة تابعة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، حسبما أكد أحد العاملين في المنطقة. ويُحظر تغطية العمل إعلامياً، أو السماح لأي مدني من خارج منظومة العمل بالوصول إلى المنطقة أو مشاهدة الأعمال القائمة. وفي بحث عن مشاريع وزارة الري المصرية، والهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية، لا يظهر أي خبر يتعلق بمد أنابيب مياه ناقلة في سيناء، بما يشمل ذلك من تفاصيل لهذا العمل الضخم. وفي محاولة للاستيضاح حول ماهية العمل من خلال محافظة شمال سيناء، أبلغ مصدر مسؤول في المحافظة، "العربي الجديد"، بعدم اختصاص المحافظة بهذه المشاريع، وأنها غير مطلعة عليها، إذ إنها تعتبر من المشاريع السيادية التي تتم إدارتها من القاهرة بشكل مباشر، وبمعرفة القوات المسلحة المصرية، بعيداً عن الهيئات الحكومية المحلية.