سجن ضابط ألماني حاول استهداف بلاده كلاجئ سوري.. لتقويض سياسة اللجوء

17 يوليو 2022
فرانكو إيه كان يعيش حياة مزدوجة بين لاجئ وضابط (Getty)
+ الخط -

بعد مرور أكثر من خمس سنوات على توقيفه، قررت محكمة ألمانية، أول من أمس الجمعة، سجن الضابط "اللغز" فرانكو إيه، المتهم بالتخطيط لأعمال "إرهابية"، منتحلاً صفة لاجئ سوري، بدافع تقويض سياسية اللجوء وإثارة الرأي العام.

وقضت محكمة فرانكفورت الإقليمية العليا بسجن المتهم فرانكو إيه لمدة خمس سنوات وستة أشهر، بعدما تبين للقضاة بأنه كان يخطط ويحضر لعمل خطير ضد أمن الدولة، مع اعترافه بتخزين أسلحة وذخائر، وهذا يشكل انتهاكاً لقانون مراقبة الأسلحة، وقانون المتفجرات، إلى جانب السرقة والاحتيال.

وفي حيثيات الحكم، ذكرت المحكمة أن الضابط بالجيش الألماني، فرانكو إيه، انتحل هوية مزورة كلاجئ سوري وقت التحضير لأعمال العنف، من أجل إثارة الشكوك وزعزعة الثقة في سياسة اللجوء، بدافع يميني متطرف.

ورفض الضابط الذي وصف بـ"الغز"، خلال كافة جلسات المحاكمة التي انطلقت في مايو/ أيار 2021 الاتهامات التي سيقت بحقه، رغم أن الادعاء العام كشف أنه كان يهدف لتقويض سياسة اللجوء التي اعتمدتها حينها الحكومة الألمانية، عبر تنفيذ هجمات بحق سياسيين وشخصيات عامة تطاول وزير العدل الأسبق المنتمي إلى الاشتراكي الديمقراطي هايكو ماس، ونائبة رئيس البوندستاغ عن الخضر كلوديا روث، فضلاً عن الناشطة الحقوقية أنيتا كاهانا. 

وكان المتهم قدحصل على هوية كلاجئ سوري حتى يتم توصيف الهجمات التي خطط لها على أنها عمل إرهابي قام به طالب لجوء معترف به. وقال الادعاء العام إن نية المتهم كانت تقويض الثقة بسياسة اللجوء الخاصة بالحكومة الألمانية.

وبعد التحقق من بصمات الأصابع، اكتشفت السلطات أنه جرى تسجيل فرانكو إيه كلاجئ مسيحي سوري يعيش في بافاريا، باسم دايفيد بنيامين، ومتحدر من مدينة حلب السورية، رغم أنه لا يتحدث العربية، مستفيداً بذلك من مزايا اللجوء، إضافة إلى مرتب وظيفته في الجيش الألماني.

في المقابل، طالب الدفاع تبرئة الضابط من التهمة الأساسية المتمثلة بالتحضير لجريمة جنائية تعرض أمن الدولة للخطر، وطالب بفرض غرامات مالية مع وقف التنفيذ العقوبات.

والجدير بالذكر أن الحكم الصدار بحق الضابط "اللغز" غير نهائي وخاضع للاستئناف خلال مهلة زمنية محددة.

حياة مزدوجة

في ذروة أزمة اللاجئين التي واجهتها أوروبا، توجه رجل ملتحٍ يرتدي بنطالاً رياضياً إلى داخل مركز للشرطة. وكانت جيوبه فارغة سوى من هاتف محمول واحد وبضعة عملات نقدية معدنية أجنبية.

وبلغة إنكليزية ركيكة، قدم نفسه باعتباره لاجئاً سورياً، وقال إنه اجتاز نصف القارة الأوروبية سيراً على الأقدام وفقد أوراقه الثبوتية في الطريق. والتقط الضباط صوراً له وحصلوا على بصماته. وخلال العام التالي، حصل على مأوى وعقدت جلسة استماع له للنظر في حجة حصوله على اللجوء، وتأهل بالفعل للحصول على إعانة لمدة أشهر.

وعمد "اللاجئ المزيف" إلى إضفاء لون داكن على وجهه باستخدام مساحيق التجميل الخاصة بوالدته، ووضع بعضاً من مادة تلميع الأحذية على لحيته. وبدلاً عن السفر عبر أوروبا، كان في حقيقة الأمر قد سار لمسافة 10 دقائق فقط قادماً من منزله الذي ولد فيه في مدينة أوفنباخ غرب البلاد.

وقبض على المتهم في مطار فيينا في فبراير/شباط 2017 عندما حاول استعادة مسدس محشو من مخبأ بمرحاض المطار. ولم يتضح من أين جاء السلاح أو ما الذي كان ينوي المتهم أن يفعل به. 

وشرعت السلطات الألمانية حينها في تحقيق سري، حيث أظهرت مقاطع مصورة وصور وعشرات الآلاف من الرسائل النصية تبنيه للأفكار اليمينية القومية المتطرفة والتي تنم عن كراهية للأجانب، ووضع بعدها في الحبس الاحتياطي لمدة 7 أشهر قبل أن يفرج عنه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، بعدما رأت المحكمة في ذلك الوقت عدم توفر شكوك جدية على أنه كان يستعد لشن عمل إجرامي ضد الدولة، إلا أنه تم إيداعه السجن مجدداً بعدما ظهرت أدلة جديدة.

وكشفت بصماته لاحقاً عن هويته الثانية المزيفة كلاجئ سوري، ما أدى إلى إطلاق أجراس الإنذار وإجراء تحقيق شمل ثلاث دول ووكالات استخبارات متعددة.

التطرف يخترق الجيش الألماني

قضية الضابط الذي كان يعيش حياة مزدوجة بين لاجئ وضابط، أثارت الوسط السياسي والإعلامي وناشطين في مجال حقوق الإنسان، حتى أن اعترافاته دفعت بوزيرة الدفاع حينها أورسولا فون دير لاين لإعطاء الأوامر للقيام بحملة تدقيق في شبكة متطرفين يمنيين داخل صفوف الجيش الألماني.

وتبين حينها، أي بعد تفتيش كافة ثكنات الجيش الألماني ومراجعة جميع اللوائح، تفشي ظاهرة التطرف داخل الجيش.

وفي يوليو/تموز 2020 قررت الوزارة تفكيك سرية تابعة لقوات النخبة في قيادة القوات الخاصة بعدما تم الإبلاغ عن وجود ظواهر يمينة متطرفة بين أعضائها. 

على المقلب الآخر، أقر المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بوقوع أخطاء "فاضحة"، خلال دراسة طلب منتحل الصفة فرانكو ايه، وبعدما لم يتم التثبت وقتها من وجود تلاعب متعمد بملفه، لكن وبعد ثبوت تظاهره بأنه لاجئ سوري من دون حتى أن يتقن اللغة العربية، فقد أعيد التدقيق بحوالي ألفي طلب لجوء تعود للاجئين سوريين وأفغان، ما أخر البت في آلاف الطلبات في تلك الفترة.

وفي سياق متصل، عاد خطر تهديد الإرهاب اليميني واليساري المتطرف والإرهاب الإسلاموي ليتصدر المشهد السياسي في البلاد في ظل الاستطلاعات التي تشير إلى تنامي مخاطرها. وأشار مكتب الادعاء العام الفيديرالي، وفق وما ذكرت صحيفة "دي فيلت"، أمس السبت، أن هذه الظواهر الثلاث آخذة في الارتفاع، وأن تحقيقات دائرة الإرهاب التابعة للنائب العام بينت أن هناك 757 تحقيقاً فيما خص الإرهاب الإسلاموي.

وأشارت إلى أنه تم الشروع في 26 إجراء في مجال الإرهاب اليميني المتطرف، و17 في مجال الإرهاب اليساري في الفترة الممتدة ما بين يناير/كانون الثاني 2020 والأول من يوليو/تموز الحالي.

وبحسب الصحيفة الألمانية فإنه ومنذ بداية العام الحالي باشرت إدارة الإرهاب ما مجموعه 215 تحقيقاً جديداً.

وكانت السلطات الألمانية أوقفت قبل يومين ثمانية عناصر شرطة يشتبه بانتمائهم لليمين المتطرف عن العمل، أغلبهم من الوحدات الخاصة في شرطة مدينة مونستر، وذلك بتهمة تبادل محتويات دردشات يمينية متطرفة تمجد العنف والتمييز العنصري، وهم مهددون بالمحاكمة والطرد النهائي من الخدمة.  
 

المساهمون