الرياض تُنهي القطيعة مع دمشق: اتجاه عربي لمكافأة النظام السوري

14 ابريل 2023
بن فرحان مستقبلاً المقداد في جدة الأربعاء (رويترز)
+ الخط -

تتسارع وتيرة التقارب العربي مع النظام السوري، وآخرها استقبال السعودية وزير خارجية النظام فيصل المقداد، أمس الأول الأربعاء، والاتفاق على البدء في إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين، وذلك قبيل اجتماع وزاري عربي، اليوم الجمعة، لبحث الملف السوري وإمكان عودة سورية إلى جامعة الدول العربية.

وعلى الرغم من مسار الانفتاح العربي على نظام بشار الأسد، إلا أن العديد من الدول العربية لا تزال ترفض أي تطبيع معه قبل تحقيق خطوات جدية على طريق التوصل إلى حل سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار 2254.

وإزاء هذه التطورات، تتصاعد المخاوف لدى المعارضة السورية من "تطبيع عربي مجاني" مع الأسد بلا عملية سياسية جادة وفق القرارات الدولية، وهو ما سيؤدي في نظرها إلى عدم تحقيق الاستقرار ولن يسمح بعودة فعلية للاجئين السوريين.

اتفاق سعودي سوري

وفي تطور هو الأول من نوعه منذ أكثر من عشر سنوات، زار وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، فيصل المقداد، السعودية، أمس الأول الأربعاء، والتقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في خطوة تشرع الباب أمام عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض ودمشق بعد قطيعة دامت أكثر من عقد.

وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان إن الوزيرين بحثا "الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتساهم في عودة سورية إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي". وأعرب الطرفان عن ترحيبهما ببدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين.

اتفق بن فرحان والمقداد على بدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين

وبحسب البيان، بحث الجانبان "الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يحافظ على وحدة سورية وأمنها واستقرارها وهويتها العربية وسلامة أراضيها". واتفقا على "تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية".

كما أكدا "أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء تواجد المليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري".

وكان لافتا أن البيان لم يتطرق إلى القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، خصوصاً القرار 2254 الذي رسم خريطة طريق للحل السياسي في سورية.

وذكرت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام السوري، أمس الخميس، أن زيارة المقداد "أعلنت نهاية حقبة القطيعة السياسية بين البلدين"، مضيفة: "ستشكل هذه الزيارة خطوة إضافية على طريق عودة سورية للجامعة العربية".

وتعليقاً على الزيارة، رأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري، محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أنها "تتويج لتحوّل الموقف السعودي تجاه النظام السوري". وأضاف: "هذا الموقف تبدل منذ وقت طويل، ولكنه طفا على السطح أخيراً عقب اتفاق سعودي إيراني رعته الصين".

واعتبر أن "زيادة جرعة التطبيع العربي مع النظام السوري يمكن أن تفضي إلى عودة الأخير للجامعة العربية"، متوقعاً "ثبات" الموقف القطري الرافض لأي إعادة تأهيل للنظام السوري عربياً.

سالم: زيادة جرعة التطبيع العربي مع النظام السوري يمكن أن تفضي إلى عودة الأخير للجامعة العربية

وجاءت زيارة المقداد قبل يومين من اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، يُعقد اليوم الجمعة في جدة السعودية، للتباحث حول الأوضاع في سورية، خصوصاً عودة النظام إلى الجامعة العربية والتي تتطلب إجماعا من الدول الأعضاء، وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، في إحاطته الإعلامية الأسبوعية يوم الثلاثاء الماضي، إن الاجتماع سيناقش وجهة النظر العربية تجاه عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، مجددا تأكيد موقف قطر الثابت من النظام السوري، والذي يعتبر أن "الأسباب التي دعت إلى تجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية لا تزال قائمة". ولفت إلى أن الموقف من سورية مرتبط أساساً بتحقيق الإجماع العربي، والتغيير الميداني على الأرض الذي يحقق تطلعات الشعب السوري.

رفض لعودة النظام إلى الجامعة العربية

ولا تزال العديد من الدول العربية ترفض إلغاء تعليق عضوية النظام السوري في الجامعة العربية، لأن الأسباب الذي دفعت إلى اتخاذ هذا القرار ما تزال قائمة.

وكانت الجامعة العربية قد قررت، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، تعليق مشاركة سورية في اجتماعات الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، رداً على تجاهل النظام المحاولات العربية لإيجاد حل للأزمة التي بدأت في سورية في ذلك العام. كما دعت الجامعة إلى سحب السفراء العرب من دمشق، وهو قرار غير ملزم للدول العربية التي حافظ الكثير منها على علاقات سياسية وأمنية مع النظام، وإن كان بشكل محدود.

من جهتها، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين عرب، لم تسمهم، أن 5 دول أعضاء على الأقل في الجامعة العربية، بما في ذلك المغرب والكويت وقطر واليمن، ترفض إعادة انضمام سورية إلى الجامعة. وأضاف المسؤولون أنه حتى مصر، التي أحيت العلاقات مع سورية في الأشهر الأخيرة، تقاوم هذه العودة. وقال هؤلاء إن هذه الدول تريد من الأسد التعامل أولاً مع المعارضة السياسية السورية بطريقة تمنح جميع السوريين صوتاً لتقرير مستقبلهم.

"وول ستريت": 5 دول أعضاء على الأقل في الجامعة العربية، ترفض إعادة انضمام سورية إلى الجامعة

وقال المسؤولون العرب، وفق الصحيفة الأميركية، إن بعض الدول التي تعارض إعادة قبول سورية في الجامعة، ضاعفت مطالبها، بما في ذلك دعوة النظام إلى القبول بقوات عربية لحماية اللاجئين السوريين العائدين إلى بلادهم، وقمع تهريب المخدرات من سورية، ومطالبة إيران بالتوقف عن توسيع نفوذها في البلاد.

وبحسب هؤلاء المسؤولين، إذا لبّى النظام مطالب الدول الرافضة، فقد يفتح ذلك الطريق، ليس فقط لعودة سورية إلى الجامعة العربية، ولكن أيضاً يسمح لها بإضافة أصواتها إلى أي جهد أوسع للضغط على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لرفع العقوبات عن حكومة الأسد. لكنهم أضافوا أن الأسد لم يُظهر حتى الآن أي اهتمام بالتغيير السياسي، مع إشارتهم إلى أنه حريص على إصلاح العلاقات مع جيرانه العرب، لأن ذلك يمكن أن يحسّن صورته في الداخل وربما يؤدي إلى المساعدة في إعادة بناء البلاد.

وأشارت "وول ستريت" إلى أن لبعض الدول العربية مطالب ثنائية. وقال المسؤولون العرب أنفسهم، إن المغرب، على سبيل المثال، يريد من نظام الأسد إنهاء دعمه لجبهة البوليساريو. وأضاف المسؤولون أن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، على الرغم من ارتباطها الوثيق بالسعودية، تعارض أيضاً التطبيع الفوري بسبب دعم نظام الأسد للحوثيين في اليمن.

في المقابل، نقلت الصحيفة عن مسؤول إماراتي لم تسمه، أن أبوظبي ترى ضرورة ملحّة لتعزيز الدور العربي في سورية وتسريع الجهود لإيجاد حل سياسي للأزمة لتلافي عودة الإرهاب والتطرف.

وبرز ما نقلته صحيفة "الجريدة" الكويتية قبل أيام عن مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى، من أن الكويت ستكون مع القرار الذي ستتخذه جامعة الدول العربية، فيما يتعلّق بعودة سورية إلى مقعدها في الجامعة. وكان وزير الخارجية الكويتي، الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح، قد أكد في تصريحات صحافية، في فبراير الماضي، أن موقف بلاده تجاه النظام السوري "لم يتغير"، مضيفاً: "لن نغير شيئاً في الوقت الراهن".

وكانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية قد ضغطت وفي اجتماعات مع الدول العربية، للتوصل إلى موقف منسق بشأن حكومة الأسد، وفقاً لما نقلته "وول ستريت" عن مسؤولين أوروبيين وآخرين في الشرق الأوسط. وقال بعض المسؤولين العرب إن السعودية والإمارات من غير المرجح أن تجبرا الدول الأخرى على تسريع خطوات التطبيع مع النظام. وقال مسؤول شرق أوسطي: "في الثقافة العربية لدينا قول مأثور: القافلة تسير بخطى بطيئة".

تبدّل المواقف من الأسد

وعدّلت الكثير من الدول العربية موقفها من النظام السوري أخيرا، وشرعت في تقارب وانفتاح معه بعد سنوات من القطيعة السياسية. وكانت مصر قد تقدّمت خطوة باتجاه نظام الأسد، إذ تبادل الجانبان الزيارات على مستوى وزيري الخارجية أخيراً، بعد أن حافظت القاهرة على علاقة "محدودة" مع النظام منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011.

وتؤيد مصر عودة النظام إلى الجامعة العربية مع "دعم كامل لجهود المبعوث الأممي للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة في سورية، اتساقا مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، وذلك في ظل الأولوية الكبيرة التي توليها مصر لاستعادة أمن واستقرار سورية وإنهاء كافة صور الإرهاب والتدخل الأجنبي بها"، وفق بيان للخارجية المصرية صدر الثلاثاء.

من جهته، قدّم الأردن مبادرة للحل في سورية الشهر الماضي "تنطلق من دور عربي مباشر وحوار سياسي لحل الأزمة وتفرعاتها الأمنية والسياسية"، بحسب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي. وكان الصفدي قد زار دمشق منتصف فبراير الماضي، والتقى الأسد، في خطوة تؤكد أن عمّان تدفع باتجاه عودة الأخير إلى الجامعة العربية.

وقدمت عمّان في عام 2021 ما سمي بـ"اللاورقة" للإدارة الأميركية تتضمن 5 بنود للتعاطي مع النظام السوري، هي: صياغة نهج تدريجي نحو حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254، بناء الدعم للنهج الجديد بين الشركاء الإقليميين والدوليين، السعي لاتفاق مع روسيا على هذا النهج، والاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري، ومرحلة التنفيذ.

من جهتها، كانت الإمارات قد أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018، واستقبلت الأسد الشهر الماضي. أما سلطنة عمان فتُعتبر الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تقطع علاقتها الدبلوماسية مع النظام السوري، تماشيا كما يبدو مع سياستها القائمة على بقاء علاقات "متوازنة" مع جميع دول العالم. وتدفع مسقط باتجاه بناء "جسور دبلوماسية" مع الأسد الذي زارها في فبراير الماضي في زيارة "عمل".

وأعلنت البحرين أواخر عام 2021، تعيين أول سفير لها في سورية منذ أن خفضت مستوى العلاقات مع بدء الثورة السورية. من جهته، يدعم العراق عودة النظام للجامعة العربية، وفق المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف، الذي أكد الأربعاء الماضي أن بلاده تدعم "عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية".

ولفت المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية تتطلب إجماع الدول الأعضاء"، مشيراً إلى أن الموقف القطري "لا يزال يعارض عودة النظام إلى الجامعة العربية، لأنه ليس هناك أي تغيير بموقف النظام، أو تغير بموقف المجتمع الدولي تجاهه". وأعرب زيادة عن اعتقاده بأنه ليس لدى الجامعة العربية أي مبادرة حل في سورية، ولا تملك القدرة على حل الملف السوري المعقّد.

زيادة: ليس لدى الجامعة العربية أي مبادرة حل في سورية، ولا تملك القدرة على حل الملف السوري المعقّد

وأثار الانفتاح العربي على نظام الأسد، ولا سيما لقاء الوزيرين بن فرحان والمقداد الأربعاء، مخاوف وقلق المعارضة السورية. واعتبر المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية بدر جاموس، في تغريدة عبر "تويتر"، أن "التطبيع مع النظام لإعادته إلى الجامعة العربية من دون الالتزام بالحل السياسي، وعدم تطبيق القرارات الأممية وعلى رأسها بيان جنيف والقرار 2254، واستئناف عملية سياسية جدية وفق آلية زمنية محددة، سيعطي ضوءاً أخضر للنظام للتهرب من الاستحقاقات المطلوبة منه".

ودعا الدول العربية إلى "مزيد من الضغط والعمل على مشاورات حقيقية وطنية للحفاظ على سورية، وتمكين الشعب السوري من حياة آمنة كريمة ومستقرة"، مشيراً إلى أن "التطبيع المجاني ضد مصلحة السوريين ولن يحقق الاستقرار، وسيزيد من هجرة السوريين بسبب فقدان الأمل في التغيير السلمي".

من جهته، قال عبد المنعم زين الدين، وهو منسق عام للثورة السورية، في تغريدة على "تويتر" عقب لقاء بن فرحان والمقداد، إن "الحديث عن مساعدة (مؤسسات الدولة السورية المزعومة) لبسط سيطرتها على الأراضي السورية هو باختصار مساعدة إيران لاحتلال كامل سورية، لأن الجميع يعلم أن عصابة الأسد مجرد مليشيا إيرانية".

المساهمون